الخطاب الإعلامي العُماني.. توازن بين الثوابت الوطنية ومواكبة التحول الرقمي
19 نوفمبر 2025
19 نوفمبر 2025
استطلاع - بشاير السليمية
يجمع الخطاب الإعلامي العماني الثوابت الوطنية والانفتاح الواعي على التطورات الحديثة، ووسط عالم متسارع، ومنصات ووسائل تكتشف وتتغير كل يوم، يحافظ الإعلام العماني على دوره في صون الهوية، وتعزيز الوعي، ومواكبة التحول الرقمي دون التفريط بجوهر الرسالة. وبين الأسس الراسخة التي وضعتها الدولة، وحضور «رؤية عُمان 2040»، وإسهام الشباب، تتضح ملامح منظومة إعلامية تعمل على حماية الوحدة الوطنية، وترسيخ قيم المجتمع، واستثمار الأدوات لبناء شخصية عُمانية واعية وقادرة على التفاعل مع العالم بثقة ومسؤولية واتزان.
أساس متين يواكب التطور
حول نجاح الإعلام العماني في تحقيق التوازن بين الشفافية في تناول القضايا الحساسة وبين الحفاظ على وحدة واستقرار الدولة، أشار إبراهيم العزري مدير عام ورئيس تحرير وكالة الأنباء العمانية إلى أن الإعلام العُماني ومنذ تأسيسه في العهد الحديث، بُني على أساس متين يحافظ عليه من الانجراف خارج حدود الهوية العمانية مع قابليته للتطور الذي تتيحه التقنيات، والانفتاح على العالم وثقافاته المتنوعة، وقال: «طوال العقود الخمسة الماضية سار الخطاب الإعلامي على نهج متوازن، مستلهما ذلك من مرتكزات وسياسة الدولة، التي ركزت على التنمية وقاعدتها الأساسية وهي الوصول إلى الإنسان العماني أينما وجد على ترابه أرضه، وبجانب متابعة التطور الذي شهدته سلطنة عمان في جميع المجالات ورصده من قبل الإعلام العماني، إلاّ أنّ الخطاب لم يغفل قضايا المجتمع وقضايا الأمة العربية والعالم أجمع، ولكنه لم يستورد أنماطا سائدة، أو أجندات تحكمها قوى أو منظمات، بل كان لهذا الخطاب رسائل سامية، أهمها الحفاظ على وحدة واستقرار الدولة، والتمسك بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف، والتشبث بالهوية العمانية، والتعريف بتاريخ عمان وحضارتها ونهضتها، ودعم جهود السلام ونبذ العنف ومحاربة الإرهاب».
وأضاف: «كان للإعلام العماني دورٌ كبير على مدى أكثر من خمسين عاما في دعم مطالب المواطنين وقضاياهم، وبخاصة الجوانب التنموية، وتحسين المعيشة والتوظيف، ودعم الإبداعات الشبابية والتعريف بها، وعلى المستوى الإقليمي والدولي كان للإعلام العماني كلمته فيما يخص القضية العربية الأساسية قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وإدانة الانتهاكات الإسرائيلية وخير دليل على ذلك قوة الخطاب الإعلامي العماني في التعامل مع حرب الإبادة الأخيرة في قطاع غزة، إلى جانب دعم القضايا العربية والإسلامية والإنسانية المختلفة، ولمن أراد التعرف على سقف الحريات والشفافية الإعلامية فما عليه إلا قراءة مواد قانون الإعلام ولائحته التنفيذية التي صدرت مؤخرا، وهو قانون تمت حياكته ليكون الإعلام مواكبا للتطور دون التفريط في ثوابته الراسخة».
وعن تقديم محتوى وطني جذاب ومسؤول في الوقت ذاته مع ازدياد تأثير منصات الإعلام الجديد أكد العزري أنهم في وكالة الأنباء العمانية كانوا في أشدّ الحرص، وكما قضت التعليمات العليا بذلك، أن يكون للوكالة حضور في ساحة الإعلام الإلكتروني، برسم خارطة طريق واضحة للاستفادة من نشر الخبر العماني على منصات التواصل الاجتماعي، من خلال إنتاج محتوى خاص لبثه على حسابات الوكالة عبر التطبيقات الذكية. وقال: «تم الاعتماد على الأساليب الإبداعية وأهمها القوالب التي تجمع معلومات مهمة من الخبر وتحمل رسوم بيانية وتصاميم تعتمد على الابتكار ، لتكون هذه القوالب أسرع في الوصول والتداول، إضافة إلى إنتاج مقاطع الفيديو القصيرة التي تتناول إبداعات الشباب، والإنجازات العلمية والطبية والرياضية، وإبراز المواقع التاريخية والسياحية في ربوع سلطنة عمان، واليوم دخلنا في حقبة الذكاء الاصطناعي، الذي تم الاستعانة به في إنتاج المحتوى الإلكتروني لوكالة الأنباء العمانية وخصوصا الأخبار الاقتصادية وفي نشرات أخبار المحافظات والنشرات الثقافية، وقد حققت وكالة الأنباء العمانية نجاحا بالوصول إلى مئات الآلاف من المتابعين على منصات التواصل الاجتماعي والأرقام آخذة في الارتفاع بسبب التطوير المستمر الذي يخضع له المحتوى الإلكتروني للوكالة».
مترجم للرؤية والسياسة
وعزت الدكتورة أمل النوفلية المديرة العامة للإعلام الإلكتروني نجاح الخطاب الإعلامي في تحقيق هذا التوازن لكونه ينطلق من نهج إعلامي قائم على ثوابت وطنية راسخة، مشيرة إلى أن الشفافية والمصداقية في تناول القضايا هو أحد الركائز التي يتبناها الإعلام العماني في سبيل تشكيل الوعي المجتمعي. وأضافت: «طرح القضايا وتحليلها، وتبيان تفاصيلها من منظور إعلامي يُسهم بلا شك في تبيان الحقائق والتعرف على أبعاد وزوايا كل قضية، وبالتالي يصبح أمام المتلقي أو الجمهور الفرصة في الوصول للمعلومات الصحيحة، والتحليلات الدقيقة، وفهم معطياتها. وبطبيعة الحال هذا النهج يعزز من تماسك المجتمع».
وحول تعزيز الحضور الرقمي والإسهام في تعزيز التبادل الثقافي قالت النوفلية: «ندرك أهمية توظيف هذه المنصات لترسيخ حضور الرسالة الإعلامية بأنماط متعددة، ولمد جسور التواصل مع الجمهور، مع الأخذ بعين الاعتبار الاستخدام الأمثل لهذه المنصات. وفيما يخص الأساليب نحرص في المديرية العامة للإعلام الإلكتروني بوزارة الإعلام على تقديم محتوى إعلامي رصين يترجم رؤية وسياسة الإعلام العماني، ويتسم بالمعايير الإعلامية، ويتوافق مع الهوية والثقافة العمانية، ويواكب المستجدات في عالم الإعلام والاتصال من حيث التقنيات الحديثة، ويلبي تطلعات الجمهور. لذلك نسعى دائما لمواكبة التطورات والمتغيرات في صناعة المحتوى الإلكتروني، ولكن دون المساس بجودة وعمق الطرح في المحتوى. كما نستند في صناعة المحتوى على الإحصائيات والتحليلات التي تقدمها تلك المنصات، وحجم وصولها للجمهور، وبالتالي هذه المعلومات تُسهم في اتخاذ قرار، وبناء الرسائل القادمة وآليات بثها ونشرها إلكترونيا».
تمكين الخطاب المتوازن
وحول دور «رؤية عمان 2040» وانعكاسه على الرسالة الإعلامية لبناء شخصية عمانية فاعلة ومبتكرة، قال الإعلامي عبدالله السعيدي: «عندما نبحث عن الإعلام في «رؤية عُمان 2040» نجده ضمن أهداف أولوية المواطنة والهوية والتراث والثقافة الوطنية التي أكدت على أهمية وجود إعلام مهني معزز للوعي المجتمعي، ومساهم في التنمية الاجتماعية والاقتصادية وهذا يمنح الإعلام مساحة أوسع للعمل ضمن منظومة وطنية تدرك أثر الكلمة والصورة والسرد الإعلامي في بناء الشخصية العمانية الواعية والحفاظ على قيم المجتمع وصون هويته».
وأضاف: «بالنسبة لي كإعلامي أرى أن حضور الإعلام في وثيقة الرؤية هو اعتراف بدوره الطبيعي في تعزيز الوعي بالإضافة إلى دوره في المتابعة والنقد والرقابة ولا عجب أن نجد صراحة ما أشارت له الرؤية في أهداف أولوية التشريع والقضاء والرقابة إلى دور رقابي بصير وفاعل للإعلام في مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية؛ فالإعلام اليوم لا ينقل فقط ما يحدث بل يساعد على بناء وعي عام متزن وتشجيع التفكير النقدي وتعزيز الانتماء الواعي وهي كلها ركائز أساسية في تكوين الشخصية العمانية الواعية والفاعلة».
وفي حديثه عن التحديات قال: «التحديات في عالم متغير تتصدره منصات التواصل الاجتماعي بخوارزمياتها وضجيجها وتزييفها لمعاني الحرية التي أصبحت أضيق بسبب السيطرة على اتجاهات الرأي العام ما يجعل إيصال الآراء المتزنة أكثر صعوبة، ويعرض الهويات الوطنية لتحديات قيمية وثقافية متزايدة ومع ذلك فإن سلطنة عُمان بما تمتلكه من إرث حضاري وتماسك اجتماعي قادرة على التعامل مع هذه المتغيرات شريطة استمرار العمل على رفع الوعي وتمكين الخطاب المتوازن وتعزيز ثقة المجتمع بمصادره ومكتسباته الوطنية الثمينة».
وعي وخصوصية
مثل الإعلام العُماني مساحة متزنة لحماية الهوية الوطنية وسط صخب المحتوى العالمي، وحول إسهام هذا الخطاب في تعزيز الخصوصية الثقافية للشخصية العمانية، وبناء الوعي، وترسيخ الارتباط بالهوية، وأثر ذلك لدى جمهور المتابعين، رأت جميلة الزيدية -حاملة ماجستير الإعلام في الإذاعة والتلفزيون- أن وسائل الإعلام العمانية استطاعت الحفاظ على خصوصية الثقافة العمانية من خلال اتباع النهج الهادئ والمتزن والمرتبط بالقيم الوطنية، والسياسة العمانية بالإضافة إلى سعيها في التوازن بين الانفتاح وحماية الثقافة، والتركيز على المنجزات الوطنية.
وقالت: «تحتل منصات الإعلام الرقمي المشهد في أغلب الأحيان، ومع ذلك أرى بأن اتزان الإعلام العماني فيما يقدمه سواء على الشاشات أو الصحف أو الوسائل السمعية والمنصات الرقمية كان له دور في التأثير عليّ كمتابع ومهتم في الوسط الإعلامي، فنستمد منها الاتزان في الطرح و التعامل مع الأحداث بحكمة وعدم الاندفاع والانحراف وراء خطابات التطرف والكراهية، كما أستطيع التمييز بين ما تقدمه وسائل الإعلام عالميًا من مبالغة أو تحيز أو غيرها من نماذج الطرح الإعلامي».
وتضيف مروة يعقوب -حاملة ماجستير الإعلام في الإذاعة والتلفزيون-: «على الرغم من تنوّع المحتوى العالمي وسهولة الوصول إليه، لا يزال الإعلام العُماني يحافظ على مساحة واضحة لـهُويته، من خلال إبراز مجموعة من الخصائص التي تميّز الشخصية العُمانية؛ سواء عبر الأزياء وطريقة الظهور أو من خلال اللهجة والموضوعات التي يتم تقديمها. وخلال السنوات الماضية ظهرت اجتهادات مختلفة من القنوات الرسمية والخاصة لتقديم محتوى يركز على هذه سمات الهُوية بما يعزز خصوصيـتها، ومنها البرامج المتخصصة مثل بودكاست «مِلح» الذي انطلق مؤخـرًا والذي يسلّط الضوء على المأكولات العُمانية. كما برزت تعاونات بين بعض الجهات الإعلامية ومؤثرين مهتمين بتوثيق التراث والحِرف والأكلات التقليدية، وتقديمها بأسلوب يناسب تفضيلات الجمهور الحالي الذي يميل إلى المحتوى السريع والحيوي والمباشر».
وتابعت: «بالنسبة لي كمشاهدة تتعرض لمحتوى متنوع قد يحمل أحيانًا رسائل متطرفة أو مُقسِّمة، فإن وجود محتوى محلي متزن يعزز ارتباطي بالهُوية، ويخلق لي نقطة اتزان واضحة وسط هذا الكم من الرسائل المتباينة».
دور الشباب
وعن دور الشباب في تقديم محتوى يصون الهوية ويرسخ القيم قال عمر البلوشي -اختصاصي إعلام أجنبي-: «ينبغي على الشباب اليوم فهم أدوات الإعلام الجديد بوعي، وإدراك دورهم في تقديم محتوى مسؤول يفتح النقاش، ويطرح الأسئلة. والحراك يبدأ من المبادرة في التعلم، والتطوّع، والحوار. بهذه الروح، يصبح الإعلام منصة للشباب ليقودوا التغيير، ويغرسوا في المجتمع ثقافة التفكير النقدي بأدوات عصرهم».
وعن تجربته في تمثيل شباب سلطنة عُمان في منتدى الشباب العالمي بالأمم المتحدة، قال: «رأيت الدبلوماسي العُماني يجسّد أخلاق بلاده في كل حوار، أدركت حجم الدور الملقى على عاتقنا في صناعة امتداد مشهد المستقبل، والمسؤولية في الإسهام بتحقيق رؤية عُمان المستقبلية، التي استثمرت في الإنسان، وتمضي بطاقات الشباب نحو الريادة التي نطمح».
