نحن بحاجة إلى مقايضة كبرى حول الطاقة

23 مارس 2022
23 مارس 2022

ترجمة ـ قاسم مكي -

مدفوعة بفوضى الحرب في أوكرانيا تدرك أوروبا أنها بحاجة إلى مصادر طاقة صديقة وبسرعة. وعلى الجانب الآخر من المحيط الأطلنطي يلزم الرئيس جو بايدن أن يكون قادرا على التصدي للمحافظين الذين يزعمون أنه المسؤول عن التضخم.

من مصلحة أمريكا والاتحاد الأوروبي كليهما العمل معا بشأن الأمن الاقتصادي والتنافسية في عالم أكثر استقطابا. ذلك يتطلب ليس فقط خطة أذكى وأكثر أمانا للحصول على موارد الطاقة ولكن أيضا مسارا واضحا للحياد الكربوني والإستثمار في تقنيات الطاقة النظيفة الأهم استراتيجيَّا والتي ستقود الوظائف والنمو في القرن الحادي والعشرين.

في الأزمة الراهنة توجد فرصة يجب عدم تفويتها. إنها بالتحديد إمكانية عقد صفقة كبرى بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حول أمن الطاقة والتغير المناخي.

لنبدأ بالمشكلة الأكثر فورية. إنها اعتماد أوروبا على النفط والغاز الروسيين. لقد أدرك الاتحاد الأوروبي أخيرا، وهذا عين العقل، أنه لا سبيل للتفكير أو الحديث مجددا عن الاعتماد على موارد الطاقة الروسية. فهو يسرِّع انتقاله إلى بدائل الوقود الأحفوري. لكن في السنوات القليلة القادمة لن يكون هنالك التفاف حول حقيقة أن بلدان الاتحاد ستكون بحاجة إلى بعض الوقود الأحفوري لتجسير الفجوة. فهل يمكن أن تحصل من الولايات المتحدة على المزيد منه؟

يأمل البيت الأبيض أن يكون ذلك كذلك. ففي منتدى «سيراويك» قبل أيام قليلة أخطرت وزيرة الطاقة الأمريكية جينيفر جرانهولم مسؤولي شركات النفط بالشروع في حفر آبار النفط. فالبلد الآن حسب تعبيرها «في حالة استعداد للحرب» وعلى صناعة النفط «إنتاج المزيد الآن حيثما وإذا أمكنها ذلك». كما ذكرت الوزيرة أيضا أن الإدارة الأمريكية ستخفف من تشددها في ترخيص إنشاء خطوط أنابيب جديدة. وهذا شيء طالبت به شركات النفط الكبرى. من الواضح أن هذه انعطافة كاملة (180 درجة) من جانب الرئيس بايدن الذي بنى حملته الانتخابية حول الانتقال إلى الطاقة الخضراء.

لكن الديمقراطيين يتوصلون إلى فكرة أن الحرب في أوكرانيا وتداعياتها الدولية أكثر أهمية من الحدود البيئية التي لا ينبغي تخطيها على الأقل في الأجل القصير.

وذكر الجمهوريون أن القيود السابقة التي فرضها بايدن على أعمال الحفر الجديدة لموارد الوقود الأحفوري وراء رفع أسعار الغاز إلى عنان السماء. وذلك ما قد يلحق ضررا بليغا بالديمقراطيين في انتخابات نصف الفترة البرلمانية في نوفمبر.

الآن بعدما أبلغ شركات الطاقة بإنتاج المزيد، على البيت الأبيض أن يأمل بألا يعرقل التقدميون في الكونجرس أي تشريع جديد يعينُها على القيام بذلك.

هنالك تحدٍّ آخر يتمثل في المستثمرين. فمؤسسات التمويل في وول ستريت (شارع المال والأعمال في نيويورك) كانت نظرتها حتى وقت قريب سلبية تجاه قطاع الطاقة الذي يمر عبر دورات ازدهار وانحسار منتظمة فيما يتعلق بالإنفاق الرأسمالي وذلك بناء على سعر النفط. وكان قد ترتب عن آخر أعمال استشكاف وإنتاج لموارد الطاقة انفجار للديون هزَّ الأسواق قبل أعوام قليلة مضت.

ذلك، بالإضافة إلى الانتقال الحتمي نحو التقنية النظيفة، جعل المنتجين يفضلون توزيع الأرباح واسترداد رأس المال على حفر الآبار. فحسب «جلوبال إنيرجي مونيتور» توقف تنفيذ مشروعات بقيمة 244 بليون دولار لإنتاج الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة لأن هذه المشروعات» تصارع كي تجد ممولين ومشترين». والمستثمرون غير راغبين لأسباب منها تراجع أهمية الوقود الأحفوري.

هذا الموقف يُهاجَم الآن باعتباره مفتقرا إلى الروح الوطنية. تقول جرانهوم: «أتمنى أن ينصت المستثمرون. لا يمكن أن يقف عنصرٌ واحد حجرَ عثرة أمام العالم». لكن حتى إذا أوجدت الإدارة الأمريكية مناخا أكثر ترحيبا بالوقود الأحفوري سيحتاج الإنتاج إلى وقت.

ورغم أن الأوروبيين ليسوا مرتاحين للقبول بموارد الوقود الأكثر تلويثا للهواء مثل الفحم الحجري أو النفط الصخري لكن سيسعدهم شراء المزيد من الغاز الطبيعي الأمريكي الذي يتهيأ لقفزة في إمداداته بحلول عام 2024.

لقد التزمت ألمانيا ببناء محطات استقبال للغاز المستورد. وفي الأوضاع المثالية يمكن أن تتعاون الشركات الأمريكية مع البيت الأبيض لتوظيف المزيد من العاملين في الولايات المنتجة للوقود الأحفوري في وظائف تزيد من طاقة التكرير في المصافي.

بالطبع يجب ألا تطيح الأزمة في الأجل القصير بالهدف العام المتمثل في الانتقال إلى الطاقة النظيفة، حيث توجد وظائف وابتكارات المستقبل.

لكن ذلك يتطلب من الولايات المتحدة وأوروبا الاتفاق بشأن المقاييس. أي بمعنى كيفية قياس غازات الاحتباس الحراري وتسعير الكربون على أساس السوق. فبدون معرفة الحد الأدنى لذلك لن يحدث الانتقال إلى صافي صفر كربون (وقف تزايد الانبعاثات).

رغم أن هذه القضايا مثار نزاع هنالك تحرك بدأ سلفا لتحقيق مثل هذا التناغم عبر الأطلنطي. ففي الاتفاق حول الرسوم الجمركية بموجب الفقرة 232 والذي توصلت إليه الولايات المتحدة مع أوروبا في أكتوبر الماضي يوجد بند حول «الترتيبات الدولية» ينص على وجوب اتفاق الطرفين على أسلوب مشترك للتعامل مع كثافة الكربون خلال 12 إلى 18 شهرا من بداية التوقيع على الاتفاق.(في 31 أكتوبر 2021 أعلن الطرفان أنهما توصلا إلى اتفاق برفع الرسوم الجمركية الأمريكية بنسبة 25% على واردات الاتحاد الأوروبي من الألمنيوم و10% على وارداته من الصلب والتي فُرِضت بموجب البند 232 من قانون التوسع التجاري الأمريكي لعام 1962 وذلك مقابل رفع رسوم الاتحاد المضادة على المنتجات الأمريكية وقبول الأوروبيين بالحد من صادراتهم من الصلب والألومنيوم إلى الولايات المتحدة - المترجم).

في مثل هذه المفاوضات على أوروبا أن تظل مرنة. قد لا يكون ممكنا النظر في سعر مشترك للكربون على الفور. لكن يمكن للجانبين على الأقل الاتفاق على منهجية واحدة لقياس غاز الاحتباس الحراري.

يمكن للولايات المتحدة وأوروبا التعهد بإجراء أعمال بحث وتطوير مشتركة حول الموارد المتجددة. بل يمكنهما حتى الاتفاق على استراتيجية صناعية للبطاريات الخضراء (وبدون ذلك سيتنازلان عنها للصين).

كما يجب أيضا أن تكون هنالك خطة للكيفية التي يتم بها في آخر المطاف نقل الأمريكيين العاملين في قطاع الوقود الأحفوري ممن يحصلون على 50 دولارا إلى وظائف مجزية في التقنية النظيفة وليس في تلك التي تدفع لهم أجورا تساوي نصف ما يكسبونه أصلا. (ترتب الشركات الأوروبية أحيانا لتعهيد أداء هذه الأعمال لجهات في الولايات المتحدة لأنها أرخص هناك).

يوجد الكثير الذي يجب القيام به. لكن التخطيط الطموح هو الأسلوب الوحيد لعبور هذه الأزمة دون التضحية بمستقبل الكوكب.

رَنَا فوروهار محررة مشاركة وكاتبة عمود عن التجارة العالمية بالفاينانشال تايمز