نتعلّم درسَ المقاومة

05 نوفمبر 2023
05 نوفمبر 2023

يعيش العالم اليوم حراكا شعبيا غير مسبوق تفاعلا مع الحرب الإسرائيلية على غزة، وفيما بدأت هذه الحرب بمحاولات عالمية لتبرير فعل المحتل تأويلا لهجمته الوحشية على شعب أعزل عانى ما عاناه، عقودا من محاولات التهجير متضمنة كل أشكال الحصار والتضييق اليومي والقتل المجاني، والسجن غير المبرر.

تصل اليوم هذه الحرب إلى غير ما ترجوه من تحوّل التعاطف الشعبي العالمي ممن كانوا يجهلون تفاصيل الصراع الإسرائيلي العربي، ومن كانوا يستمرئون وَهْمَ القول بـ«العنف ردة فعل دفاعية ليست وحشية»، وبينما تعيش كبرى المنظمات الحقوقية والإنسانية سباتا مقصودا موجها لصالح إسرائيل وحلفائها نشطت جماعات إنسانية أخرى في كل بلدان العالم منددة بخرق القانون الدولي، والمعاهدات الإنسانية في قتل وتصفية المدنيين والأطفال حتى لو كانت حربا متكافئة الأطراف بعيدا عن كونها حرب الطرف الواحد مع حلفائهم دول عظمى على جماعات مدنية لا تملك من الأسلحة والموارد حتى أسباب واقعها اليومي المعاش. وما نشاط الجماعات المدنية عالميا إلا مؤشر وعي ومعرفة بأبعاد ما يحدث، وبعد نظر في إدراك ازدواجية المعايير ومطاطية المعاهدات والقوانين لتوجيهها وتوظيفها لصالح الأقوى اقتصاديا، بعيدا عن أي إنسانية مزعومة أو مواثيق مصنوعة لقمع الأضعف، وإخراس أي تعارضٍ ومصالح الدول العظمى لصالح الطرف القوي غير المعني حتى بقراءة هذه المواثيق والمعاهدات فضلا عن تنفيذها أو الاعتراف بأهميتها، ونكتشف هنا ثغرة الاعتراف دون المصادقة، فجوة تعمدها بعضهم لتوظيفها في مثل هذه الحرب. لم تعش الشعوب العربية واقعا معقدا كواقعها المعاش اليوم، بين قيم قومية نشأت وكبرت عليها أجيال وأجيال؛ حيث شعارات الجسد الواحد والمصلحة المشتركة، والمخاطر الواحدة، والتي كان على رأسها وما زال الوجود الإسرائيلي في الوطن العربي، ولا ينبغي لهذا الرفض التاريخي أن يتخذ شكلا دينيا قط، فهذا الوطن الكبير استوعب واحتوى وأذاب ديانات مختلفة وعرقيات متنوعة في أرضه التي وحدّت الجميع، واحترمت خصوصيات الكل مذ كانت هذه الأرض مهبطا للديانات السماوية أجمع، بل هو رفض لمحاولة تجار الحروب الخاسرة زرع كيان غاصب بأرض عربية في تمهيد تدريجي لاستيطان مجموعة من الدول العربية التي تتضاءل تدريجيا مساحة وقوة وإمكانات مع تعملق هذا الكيان الغاصب. ولا ينبغي أن يلتبس الأمر أكثر مما كان ملتبسا ليظن بأن تحالفات إسرائيل والدول الكبرى هي تحالفات دينية أو إثنية، يدل على ذلك ما نجد اليوم من أن مجموعة من اليهود أنفسهم في العالم يشكلون حركة رافضة لقيام الكيان الإسرائيلي على جثث الفلسطينيين العزّل من أصحاب الأرض، إنما هي لعبة سياسية اقتصادية بين أطراف لكل منها مصالحه بعيدا عن أي دين أو عرق، وما إذكاء نار الأديان إلا ورقة لكسب شعبيات أوسع تشرع لهذا الكيان وحلفائه حروبهم ومصالحهم.

حلفاء إسرائيل اليوم هم ذاتهم أولئك الذين ألقوا بها في الشرق الأوسط في محاولة للتخلص منها بينهم من جهة، ولتحويلها لعصا يهددون بها دول الشرق الأوسط، حين حولوها من مجرد أشتات متفرقة لفزّاعة عسكرية اقتصادية يستهدفون بها دول المنطقة، ويجعلون منها عدوا دائما حاضرا لتسويق أوهام أخرى في التسليح المعتمد على عدة الحلفاء وعتادهم من طرفي المعادلة، العدو المصنوع «إسرائيل» وهي الحليف الدائم، وتحالفات أمنية عسكرية مؤقتة مع دول المنطقة، خصوصا تلك التي تملك موارد بشرية أو موارد طبيعية، أو حتى موقعا استراتيجيا يمكنه تيسير عمليات تسويق الرعب والحرب، أداة الحلفاء الدائمة للبقاء، إذ لن يكون هنالك مبرر حينها للاستعانة بهم، وما إسرائيل إلا أداة في أيدي تجار الحروب كذلك موظفين كل همجية الكيان ووحشيته لتخويف وتركيع الدائرة المستهدفة، ثم لا بد من صنع أعداء محليين كذلك توفيرا لمورد آخر لتسويق السلاح وعملقة الرعب اليومي، فكان أن عملت إسرائيل وحلفائها على تهويل حجم المختلفات بين الدول الإسلامية( العرب- إيران)، (العرب- تركيا) وحتى بينها وبين دول أخرى تقوى اقتصاديا حد منافسة هؤلاء الحلفاء أنفسهم مثل الصين وروسيا. تورطت الكثير من الدول عبر عقود من التعاملات الدولية في اتفاقيات مبرمة لصالح إسرائيل، وإيهام هذه الدول بمصلحتها المشتركة مع إسرائيل عبر نفخ وتعظيم مقدرات إسرائيل الحضارية والعسكرية وغيرها، ورغم سقوط هذا الوهم يوم 7 أكتوبر الماضي إلا أن هذه الدول لا يمكنها الفكاك من هذا الشرك بسبب الصيغ القانونية لهذه الاتفاقيات التي قد تكلفها وشعوبها الكثير. بعيدا عن كل تلك التشاركات والتحالفات والمعاهدات فيما لا تملك الشعوب تغييره ولم تستشر في تقريره، ومع الانتفاضة الإنسانية عالميا ضد هجمات إسرائيل وحلفائها على شعب عربي أعزل، اغتصبوا أرضه ثم أذاقوه فنون العذاب وأصناف التهجير والتصفية، وله يقينا كل الحق في البحث عن وسائل للمقاومة ومنافذ للبقاء والعيش انتعشت مجددا الدعوات إلى استخدام المقاطعة الاقتصادية سلاحا ناعما تملكه الشعوب في كل مكان، ولا تملك الحكومات مصادرته أو تقييده؛ إذ أن المقاطعة هي نشاط واع من قبل المستهلك في الامتناع الاختياري المتعمد عن الاستخدام أو الشراء أو التعامل مع شخص أو شركة أو منظمة أو بلد، لأسباب أخلاقية أو اجتماعية أو سياسية أو بيئية في محاولة إجبارهم لتغيير سلوك مرفوض أو فعل منبوذ، وهو ما نستطيعه جميعا وما يتطلب مساحة من الوقت التي قد تطول لتصل مبتغاها، دون أي نشاط عنف أو فعل مُجرّم، خصوصا إن كانت هذه المقاطعة في أغلبها لكثير من المنتجات الاستهلاكية الممكن الاستغناء عنها أو إيجاد بدائل لها في سوق عالمي مفتوح مليء بالبدائل الممكنة، مستذكرين أن ثمة شعوبا مارستها مع بدائل محدودة ومقاومة أصعب. ختاما، لا بد من يقين بأن قد نختلف في طرق تعبيرنا عن تعاطفنا مع قضية إنسانية عامة، لكن ذلك لا يعني أن ننشغل باختلافنا اليومي عن أبعاد قضيتنا الأهم، ولا ينبغي في هذا الوقت من الصدامات والصراعات السماح بريح الفرقة أن تنتشر بيننا، ولا ريح العداء والعنف فنحن أحوج اليوم إلى اجتماعٍ منّا إلى فرقة، وإلى توحد منّا إلى شتات، متمنين استيعاب دروس هذه المرحلة في أن التصفيق لغاصب سيكون خطوة في طريق طويل نهايته أن أهدافه أبعد مما قد نظن، وأقرب إلينا من كل الضمانات المادية، فها نحن نشهد ونرى لعقود كما نراه اليوم ناقضا كل العهود والمواثيق، وسيكون أكثر نقضا لها أوان قوته بنا وبغيرنا من جسور المرحلة.

حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية