من بولتافا والحرب الشتوية إلى بولتافا و«الشتاء النووي»

12 يوليو 2022
12 يوليو 2022

الترجمة عن الروسية - يوسف نبيل -

لا ينعقد عدد كبير من الاجتماعات بخصوص الانضمام المرتقب للسويد وفنلندا إلى حلف الناتو، لكن الأمر واضح على نطاق ضيق، أقصد إنه لن تكون هناك حرب شتوية مثل معركة بولتافا، أمر مضحك بالطبع أن يتقلب التاريخ ويدور هكذا، بشكل عام بدأت قصة الحياد السويدي في بولتافا منذ أكثر من قرنين، واستفادت البلد من كبح جماح الطموحات الإمبراطورية، والآن في بولتافا حطمت الأعمال العسكرية في أوكرانيا هذا الحياد.

تسيطر وسائل الإعلام إلى درجة كبيرة على السياسة المعاصرة، ومنها بالطبع السياسة الخارجية. إذا تناولنا تحديدًا المسألة الأوكرانية التي لم تغادر الصفحات الأولى للصحف، خاصة في الأسابيع الأولى، نجد أن الرأي العام في السويد وفنلندا تحول إلى رغبة عارمة -كما لو إنها خميرة قوية- في الانضمام أخيرًا إلى حلف الناتو. قبل ستة أشهر، أو ربما قبل عام مضى، لم يتجاوز عدد مؤيدي الانضمام إلى الناتو في البلدين 30%. اليوم نجد الفنلنديون حازمين بشكل خاص، حيث وصل عدد مؤيدي الانضمام إلى أكثر من 70%. العدد أقل قليلا في السويد، لكنه يماثل تقريبًا أكثر من نصف السكان. من الجدير بالذكر أن السويديين منذ بداية الأمر (أي بعد 24 فبراير) قالوا: «سنفعل ما يفعله الفنلنديون» الذين يُعتبر المتخصصين الرئيسيين فيما يتعلق بروسيا وروحها الغامضة في أوروبا والغرب بشكل عام، يعني ذلك إنه في حالة انضمام الفنلنديين إلى الناتو، سيكون حوالي 70% من السويديين مستعدين للانضمام إليهم.

بصراحة، ما يتعلق بحياد الفنلنديين يثير الأسف أكثر من السويديين. إنه جديد نسبيًا بالنسبة للفنلنديين ولم يتقدم في العمر، لكنه مليء بالحنين.

لم يؤد خط «باسيكيفي كيكونين» الذي دُعي على اسمي رئيسي البلدين إلى وجود علاقات ودية بين الطرفين (خاصة في فترة الحرب الباردة حيث أدى إلى تعاون غير رسمي لكنه فعّال في مجال بعض الخدمات الخاصة) والقبلات المتبادلة مع بريجنيف وحسب، بل أدى أيضًا إلى أن صارت فنلندا النافذة الرئيسة والوحيدة لبلدنا على الغرب، ولنضف إلى ذلك الأحذية الفنلندية التي ترتديها نساء الاتحاد السوفييتي!

لنضف إلى ذلك الجبن المطبوخ (فيولا) وقد انتهى أمره الآن، والجبن الفنلندي المعبأ في عبوات بلاستيكية لم تُر من قبل خلال أولمبياد موسكو! ويمكننا أن نتحدث أيضًا عن الاختراق السياحي في أوروبا الذي حدث في أواخر الحقبة السوفييتية بالنسبة للبعض من خلال تجارة الفودكا السوفييتية من تحت طاولة الماركات الفنلندية الراقية! فلنضف إلى ذلك مضاعفة المبلغ المسموح به لتبادل العملات! الآن يرفضون حتى شراء وشرب الفودكا بشكل قانوني! يا لها من أزمنة!

بدأ التقارب النشط مع الناتو في البلدين بعد 2014، حينها بدأت المناورات المشتركة وازدادت المشاركة في عدد من العمليات المشتركة، في الواقع صارت فنلندا والسويد حليفتين بالفعل للناتو بدون عضوية رسمية حتى الآن.

إذا تحدثنا فقط عن العواقب الجغرافية المحتملة سنقول إن إجمالي الحدود البرية بين روسيا وحلف شمال الأطلسي الآن هو 1233 كم. بعد دخول فنلندا التي لدينا حدود مشتركة معها تصل إلى 1340 كم، سيزيد طول الحدود المشتركة مع الناتو إلى أكثر من الضعف. بشكل عام، تبلغ المسافة من بطرسبرج إلى فنلندا 148 كم. يمكننا تقدير وقت الرحلة، أما مع السويد فالحدود المشتركة تقتصر على بحر البلطيق، أي بضعة مئات من الكيلومترات.

بطبيعة الحال سيضيف المجندان الجديدان قوة عسكرية للحلف، لكنها ليست قوة ساحقة. تتكون القوات العسكرية للبلدين من «فلاحين متوسطي الصلابة»، وربما الأفضل أن نسميها «مكسرات صلبة». إنهم عنيدون حقًا حتى أكثر من كتائب المتطوعين الأوكران، ووفقًا للترتيب السنوي الذي تصدره Global Firepowe تحتل القوات العسكرية الفنلندية في العام الحالي المركز 58 وسط 128 جيشا في العالم، بينما تشغل القوات المسلحة السويدية المركز رقم 25.

يُقدّر عدد قوات الدفاع الفنلندية بـ 22.5 ألف جندي مسلح، وفي وقت الحرب يمكن حشد عد يصل إلى 280 ألف مقاتل في 30 يوما. يبلغ العدد الإجمالي لقوات الاحتياط 900 ألف، وعدد السكان يصل تقريبًا إلى 505 ملايين إنسان، بينما في السويد يصل إلى 10 ملايين. تشكل الميزانية العسكرية لفنلندا الآن أكثر من 5 مليارات يورو، وهذا يُعد حوالي 2% من إجمالي الناتج المحلي للبلد. وفقًا لهذا المؤشر تفي هلنسكي (عاصمة فنلندا) الآن بمعايير الناتو. يعتبر الأفراد العسكريون في جارتنا الشمالية من بين أكثر الأفراد تحفزًا في العالم، ويرى ثلاثة أرباع الرجال إنه من الضروري أن يشاركوا في الخدمة العسكرية، وهم إما شاركوا فعلا أو سيشاركون، بالرغم من أن البلاد لديها نظام تجنيد مختلط قائم على التجنيد الإجباري والتعاقد على السواء، وتتراوح مدة الخدمة العسكرية بين ستة أشهر وعام، للسويد نظام مماثل، لكنها بعد أن أعادت نظام التجنيد الإجباري تخلت عن التجنيد بالتعاقد في عام 2017.

في هذا السياق ركز التدريب العسكري لجيراننا الفنلنديين الطيبين تاريخيًا على صد العدوان الروسي، وبشكل عام على الاستعداد لحرب كبيرة وليست عمليات مكافحة إرهاب صغيرة كما فعلت دول غربية عديدة أخرى في العقود الأخيرة.

تمتلك القوات المسلحة الفنلندية مدفعية مجهزة جيدًا: أكثر من 900 وحدة مقابل 268 في السويد، ووحدات مدرعة: حوالي 200 دبابة وأكثر من 1800مركبة مدرعة مقابل 120 دبابة و2.7 مركبة مدرعة في السويد، كما تمتلك قوات جوية جيدة: حوالي 208 مقاتلات جوية تضم بينها مقاتلات F 35 متعددة الأغراض مقابل 240 في السويد. علاوة على ذلك يشيرون في الغرب إلى الجودة العالية جدًا للاستخبارات العسكرية الفنلندية، ففي كل الأحوال لم يمض الجوار الطويل بين فنلندا والاتحاد السوفييتي هكذا بلا طائل. علينا أن نتذكر إن فنلندا واحدة من أغنى دول العالم. في العام الماضي اشترت من Lockheed Martin 64 طائرة مقاتلة من الجيل الخامس طراز F 35 بـ10 مليارات يورو دون ضغوط كبيرة على الميزانية.

لدى الجيش السويدي 24 ألف فرد مقاتل طوعي بالإضافة إلى ما يقرب من 32 ألف جندي احتياط، حتى وقت قريب للغاية كانت الميزانية العسكرية للسويد متخلفة كثيرًا عن معايير الناتو: حوالي 2% من إجمالي الناتج المحلي (في عام 2020 كانت 1.2% فقط)، ومع ذلك استطاعت السويد خلال عامين أن تحقق زيادة قوية. السويديون أقوياء كعادتهم في الأسطول، لديهم أكثر من 200 سفينة حربية في الخدمة مقابل 64 فقط لدى الفنلنديين، وسيعزز هذا الأسطول بشدة القوة البحرية لحلف شمال الأطلسي في بحر البلطيق. علاوة على ذلك يؤكد المحللون الغربيون أن السويديين مدربون جيدًا على البحث عن الغواصات لأنهم يصطادون غواصات روسية بالقرب من شواطئهم، سواء كانت حقيقية أو خيالية، حيث إن هذا النشاط يُعد نوعًا من أنواع المتعة الشعبية السويدية القديمة.

الأهم من ذلك هو أن السويد تحظى بمجمع عسكري صناعي متطور خاص وتنتج أحد الأنواع الثلاثة لمقاتلات الجيل الرابع من Grifen المتوفرة في أوروبا. تعمل الشركات السويدية SAAB وBofors و Ericsson في تطوير وتصنيع أنواع مختلفة من الأسلحة، وبالرغم من صغر الدولة إلا أنها تحتل مكانة متقدمة في سوق مصدري السلاح في العالم. تنتج السويد بنفسها غواصات بمحركات دون هواء وصواريخ واسعة المدى وطرادات تستخدم تقنية التخفي.

بقي أن نشير أخيرًا إلى أن السويد شيّدت ملاجئ عميقة للأسطول والغواصات على المنحدرات الساحلية السويدية خلال أعوام الحرب الباردة، ويمكن أن تكون تحت تصرف القوات البحرية لحلف شمال الأطلسي، من المهم أيضًا أن نشير إلى الخبرة العالية التي يتمتع بها البحارة في السويد وفنلندا في القطب الشمالي، وسيكون ذلك مفيدًا لهم في معركة «القطب الشمالي» القادمة وموارده.

هل تُشكِّل عضوية هذين البلدين أمرًا مهمًا من منظور أمن روسيا؟ نعم ولا. إذا كنت تخطط لحرب واسعة المدى بالأسلحة التقليدية فالإجابة بالطبع: نعم؛ فعندما يصير خط المواجهة بهذا الطول لابد أن يكون الأمر خطيرًا، إذا فكرنا بشكل مختلف سنجد أن أي حرب واسعة النطاق بين روسيا وحلف الناتو -إذا اندلعت لا قدر الله- ستجري بشكل مختلف تمامًا، وبأسلحة تختلف تمامًا عن الأسلحة المستخدمة الآن في أوكرانيا، أقصد تحديدًا الأسلحة النووية، ولن يكون الصراع العسكري بين روسيا وحلف شمال الأطلسي باستخدام الأسلحة التقليدية سوى مقدمة لحرب نووية قصيرة بالرغم من التفاوت الواضح في القوات التي تستخدم أسلحة تقليدية، في هذه الحالة لن يهم ما إذا كان عدد أعضاء التحالف 30 أو 32، ولكن من المؤكد أننا سنفقد إطارات Nokian الفنلندية، وكذلك الأحذية الفنلندية والجبن من نوع فيولا وكذلك فرقة آبا.

جيورجي بوفات خبير سياسي ورئيس تحرير سابق لصحيفة ازفستيا الروسية.