الربيع العربي بعد خمسة عشر عامًا

20 ديسمبر 2025
20 ديسمبر 2025

ترجمة: أحمد شافعي -

في مطلع ديسمبر، اعتقلت السلطات التونسية ناشطًا شهيرًا في المعارضة؛ إذ أشارت منظمة هيومن رايتس ووتش إلى أن عياشي حمامي «المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان، تعرض للاعتقال في الثاني من ديسمبر في منزله بإحدى ضواحي تونس.

وفي وقت سابق من يوم اعتقاله، كان محامو حمامي قد تقدموا بطعن أمام محكمة النقض، وهي أعلى محكمة في تونس، وبطلب إضافي بوقف تنفيذ الحكم لحين صدور حكم نهائي».

وليست هذه الحملة التي تستهدف العديد من المنتقدين وعناصر المعارضة إلا خطوة أخرى من جانب الرئيس الحالي قيس سعيد لترسيخ قبضته على السلطة.

هذه الاعتقالات التونسية مثال لتحول إحدى دول الربيع العربي المحورية من ديمقراطية وليدة إلى شكل من أشكال الاستبداد. كان الربيع العربي قد بدأ بعد أن أضرم محمد بوعزيزي النار في نفسه في ديسمبر 2010.

وبعد شهر من ذلك، ومع اجتياح المظاهرات للبلد، هرب الرئيس التونسي بن علي إلى المنفى. وكان بن علي قد ظل في السلطة منذ عام 1987 حتى بات رمزا لا للنظام التونسي الحاكم وحده وإنما للقومية العربية والعلمانية اللتين ظهرتا في الشرق الأوسط بعد العصر الاستعماري.

أدى سقوط بن علي السريع إلى توالي الأحداث التي أسفرت عن سقوط الرئيس المصري حسني مبارك في فبراير 2011، والليبي معمر القذافي في أكتوبر 2011. ومع تقدم الربيع العربي، تغير شكله. ففي الوقت الذي بدت فيه تونس وكأنها تمر بتحول سلمي نسبيا إلى الديمقراطية، أنذرت التغيرات في مصر وليبيا بمستقبل أكثر اضطرابا.

في مايو من عام 2012، أجرت مصر انتخابات أسفرت عن فوز جماعة الإخوان المسلمين وتولي محمد مرسي الرئاسة. وكان حكمه قصير العمر. ففي يوليو 2013، إثر احتجاجات حاشدة، أطاح به الجيش، وتولى الفريق أول عبد الفتاح السيسي السلطة. ولا يزال الرئيس السيسي يحكم مصر حتى اليوم.

وفي ليبيا، كانت الإطاحة بالقذافي دامية للغاية، حيث قتل الثوار الديكتاتور السابق بوحشية. ثم غرقت ليبيا في صراعٍ بين النصف الشرقي من البلد بقيادة المشير خليفة حفتر وحكومة منافسة في طرابلس. وتكشفت المأساة في ليبيا تدريجيا. ففي عام 2012 على سبيل المثال، اغتال متطرفون السفير الأمريكي كريستوفر ستيفنز في بنغازي. وجاء صعود حفتر، بدعم مصر، وكأنه رد فعل على هذه الفوضى. وكانت مصر تسعى إلى التصدي للتطرف نفسه الذي رأى السيسي أنه هدد مصر في عام 2012.

وصارت دينامية الصراع الأهلي والتطرف والاستبداد سمة تطبع العقد ونصف العقد الماضيين منذ الربيع العربي. لقد كان الربيع العربي رد فعل شعبي على أنظمة الحكم الوطنية البالية التي ظهرت في ما بين خمسينيات القرن الماضي والسبعينيات منه في العالم العربي. وشملت هذه الأنظمة نظام الأسد في سوريا ونظام صدام حسين في العراق، كما شملت علي عبد الله صالح في اليمن.

وفي مواجهة الحكومات القومية، وقفت دول الخليج العربي والأردن والمغرب. وكانت كتلة إسلامية ثالثة قد ظهرت في ثمانينيات القرن الماضي فاستقطبت الشباب. وشملت هذه الحركات، التي ارتبط بعضها بجماعة الإخوان المسلمين، جمعا متنوعا من الأحزاب والجماعات الإرهابية. فعلى سبيل المثال، اغتال متطرفون الرئيس المصري أنور السادات عام 1981، وفي عام 1982، سحق حافظ الأسد تمردا للإخوان المسلمين في سوريا.

ومن جراء تلك التوجهات، من قومية وملكية وتطرف ديني، أن باتت خيارات المشاركة السياسية أمام عامة الناس محدودة للغاية. وبدا الربيع العربي في أول الأمر سبيلا للخلاص من هذه التوجهات التاريخية وإنشاء ديمقراطيات وأنظمة سياسية جديدة في الشرق الأوسط. غير أن فراغ السلطة أدى إلى حرب أهلية وصعود جماعات متطرفة من قبيل داعش. ففي عام 2014، غزت داعش مساحات واسعة من سوريا، ثم العراق، مرتكبة مجازر وإبادة جماعية في حق الأقليات.

جوهريا، كان العقد الماضي في الشرق الأوسط كفاحا طويلا لإغلاق باب الجحيم الذي فتحه الربيع العربي. وقد انتهجت الأنظمة العربية ثلاث استراتيجيات مختلفة لتحقيق ذلك. تمثلت إحدى هذه الاستراتيجيات في العودة إلى نوع من الاستبدادية التي سادت في ما قبل عام 2011،، وتجل ذلك في مصر وتونس. وفي الخليج، شهدت بعض الدول انفتاحًا متدرجًا في بعض القضايا مع الحفاظ على بقاء نظامها الملكي.

أما الاستراتيجية الثالثة، فقد نجدها في سوريا، التي سقط فيها نظام حكم الأسد أخيرا في الثامن من ديسمبر 2024. والفرصة سانحة الآن لسوريا كي تحقق أمل الربيع العربي إذا ما استطاعت دمشق العثور على سبيل للانتقال إلى الديمقراطية.

ومن ثم فإن السؤال الذي يواجه الشرق الأوسط اليوم هو عما إذا كان نموذج دمشق سوف يفضي إلى تغيير طويل الأمد؟ فلهيئة تحرير الشام، التي وصلت إلى السلطة في ديسمبر 2024، جذور ضاربة في الجماعات المتطرفة من قبيل القاعدة.

غير أن الهيئة أعادت رسم صورتها على مدار السنين. ومع ذلك، لا تزال سوريا منقسمة؛ فقوات سوريا الديمقراطية، المدعومة من الولايات المتحدة في شرق سوريا، هي قوة يقودها الأكراد في الغالب، وقد أسهمت في دحر تنظيم داعش. وهي أيضا ذات توجه يساري، بينما حكومة دمشق أكثر إسلامية وميلا إلى المحافظة. فهل بوسع سوريا أن توحد هذين الفصيلين المختلفين؟

وثمة تحدٍّ آخر للمنطقة يتركز على مرحلة ما بعد حرب غزة. فقد دخل وقف إطلاق النار في غزة حيز التنفيذ في أكتوبر 2025. ولم يشهد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني تغيرا كبيرا منذ الربيع العربي. ويرجع ذلك جزئيا إلى حدة الصراع، بما يعني أن تأثير الربيع على السياسة الفلسطينية لم يبلغ قدر تأثيره على بلاد أخرى. ومع ذلك، فقد أثرت التغيرات الأوسع في المنطقة على إسرائيل، فمن المرجح أن الأسلحة المهربة من ليبيا عبر مصر قد غذَّت حربي 2012 و2014 بين إسرائيل وحماس.

لقد كان الربيع العربي نقطة تحول في المنطقة، لأنه عجل بنهاية أنظمة الحكم القومية العربية التي هيمنت على العالم العربي منذ انسحاب القوى الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية. وقد اعتمدت هذه الأنظمة القومية طويلا على خطابات جوفاء ووهمية، ولم تكن مؤهلة لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين.

وكان معنى بقاء الأنظمة الملكية هو انتقال مركز القوة والثقل من العواصم العربية التاريخية من أمثال القاهرة ودمشق وبغداد إلى الدوحة وأبوظبي والرياض. وعلى الصعيد الاقتصادي، ساد الاتجاه نفسه، فالخليج العربي هو المركز الاقتصادي الأقوى في المنطقة. وبعد مرور خمسة عشر عاما على بدء الاحتجاجات، لا تزال الدول العربية الكبرى تتعافى من عقد ونصف العقد من الصراع والاضطراب. وسوف تستغرق عقدا آخر قبل أن يكتمل تعافيها.

سيث جيه فرانتزمان زميل مشارك في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، ورئيس تحرير الأخبار بالإنابة وكبير مراسلي ومحللي شؤون الشرق الأوسط في صحيفة جيروزاليم بوست، ومؤلف كتاب «حروب الطائرات المسيرة: الرواد، وآلات القتل، والذكاء الاصطناعي، ومعركة المستقبل».

الترجمة عن ذي ناشونال إنتريست