هل ينطبق شعار «أميركا أولًا» على الصين؟
20 ديسمبر 2025
20 ديسمبر 2025
ديريك سيسرز / زاك كوبر
ترجمة: بدر بن خميس الظّفري
خلال نحو عشرة أشهر منذ عودته إلى البيت الأبيض، أطلق الرئيس الأميركي دونالد ترامب تهديدات عديدة ضد خصوم يراهم أعداءً؛ بل نفّذ بعض تلك التهديدات بالفعل، كما حدث مع إيران، على سبيل المثال. غير أن الرئيس أبدى سخاءً لافتًا تجاه أبرز خصمٍ للولايات المتحدة وهي الصين.
فمنذ أبريل، قدّم ترامب تنازلات متكررة لجمهورية الصين الشعبية، وكرّر ذلك قبل عدة أيام حين وافق على السماح بتصدير شرائح (إتش 200) المتقدمة إلى زبائن صينيين.
بدأت سياسة ترامب تجاه الصين في ولايته الثانية بنبرة هجومية، عبر سلسلة إعلانات عن رفع الرسوم الجمركية على المنتجات الصينية من 25 في المئة إلى 145 في المائة. لكن مع مطلع الربيع، تراجعت الرسوم بوصفها قضية مركزية في التجارة بين البلدين، وذلك بعدما ردّت الصين في 4 أبريل بفرض قيود تصدير جديدة وأكثر تشددًا على مواد العناصر الأرضية النادرة، شملت للمرة الأولى مغناطيسات العناصر النادرة.
وتُعد هذه العناصر ذات أهمية كبيرة لقطاعات واسعة من الاقتصاد الأميركي. وقد حذّرت صناعة السيارات، على وجه الخصوص، من أن خطوط التجميع قد تتوقف من دون مغناطيسات العناصر النادرة منخفضة الكلفة لكنها لا غنى عنها.
وكان هذا المأزق متوقعًا إلى حد بعيد، إذ طالما تفاخر بكين باحتياطياتها من هذه المعادن، واستخدمت قيود التصدير سابقًا في سياق نزاعات تجارية وسياسية.
ومع ذلك، بدا أن الإدارة الأميركية غير مستعدة تمامًا. فقد انخرطت في سلسلة من الاجتماعات التجارية التي اتضح لاحقًا أنها أقرب إلى المهزلة.
ففي مراحل مختلفة، ادّعى ترامب ووزير الخزانة سكوت بيسنت أن التوصل إلى اتفاق ممكن، من شأنه أن «يفتح السوق الصينية بالكامل» أمام الشركات الأميركية أو يعيد التوازن إلى العلاقة التجارية، وهي ادعاءات لم يعد أحد يكررها الآن، لأنها كانت غير واقعية منذ البداية.
وبحلول أوائل أكتوبر، أصبحت الصين هي من يمسك بزمام المبادرة، فأطلقت مجموعة ثانية وأوسع من القيود على صادرات العناصر الأرضية النادرة. وردّ ترامب بمزيد من التهديدات الجمركية، لكنه أقرّ في الوقت نفسه بأن حربًا تجارية ليست «قابلة للاستدامة»، في تباعد واضح عن موقفه قبل ستة أشهر.
وفي أواخر أكتوبر، التقى ترامب بالرئيس الصيني شي جينبينغ، وقيل إنهما توصلا إلى اتفاق. وعلى الفور، خفّضت الولايات المتحدة بعض الرسوم، وعلّقت فرض قيود تصدير جديدة ورسومًا على الموانئ. في المقابل، قدمت الصين تعهدات تتعلق باستئناف صادرات العناصر النادرة، إضافة إلى استيراد فول الصويا الأميركي.
لكن خطوات الصين جاءت جزئية فقط؛ فمشتريات فول الصويا تسير ببطء، واضطر بيسنت في 16 نوفمبر إلى الاعتراف بأن اتفاق العناصر النادرة لم يُنجز بعد. وفي أوائل ديسمبر، بدأت الصين إصدار تراخيص لتصدير هذه المواد، لكنها ظلت مشروطة بقيود متعددة، كما بقي حجم الصادرات الإجمالي محدودًا.
وفي هذه الأثناء، يبدو أن تحقيقًا أميركيًا طال انتظاره بشأن واردات أشباه الموصلات قد اختفى من المشهد، وتبدو إدارة ترامب وكأنها واقعة تحت وطأة الترهيب.
ولا يقتصر هذا الشلل شبه الكامل على ملف التجارة وحده؛ فالإدارة تبذل جهدًا بالغًا لتجنب إغضاب بكين، إلى حد أنها باتت تُمسك عن توجيه ضربات حقيقية حتى في سياستها الخارجية.
خلال جلسة استماع حول الموازنة في البرلمان الياباني في 7 نوفمبر، صرّحت رئيسة الوزراء الجديدة ساناي تاكاييتشي بأن أي غزو صيني لتايوان أو فرض حصار عليها قد يشكّل «تهديدًا لبقاء اليابان»، في إشارة واضحة إلى احتمال انخراط طوكيو في المواجهة. وهو موقف طالما سعى مسؤولون في وزارة الدفاع الأميركية، خلال إدارة ترامب، إلى دفع اليابان وحلفاء آخرين لتبنّيه. وفي الظروف العادية، كان يُفترض أن تكون هذه اللحظة مناسبة للرئيس الأميركي ليؤكد متانة التحالف الأميركي- الياباني. غير أن ترامب لم يفعل شيئًا من ذلك.
وبالاستناد إلى أسلوبها المعتاد القائم على الإكراه، ردّت الصين على اليابان بوقف معظم حركة السياحة، وتقليص واردات المأكولات البحرية، وسمحت لما وُصف بـ«دبلوماسي» صيني في أوساكا أن يهدد علنًا بأن رقبة تاكاييتشي «ستُقطع» إذا واصلت هذا النهج. ولم يصدر أي رد من البيت الأبيض.
وبعد أكثر من أسبوع، اكتفت وزارة الخارجية الأميركية بتغريدة فاترة، ولم تعلن التزامها «الراسخ» تجاه اليابان إلا بعد أن قامَت طائرة صينية بتوجيه رادارها نحو مقاتلات يابانية.
وفي 24 نوفمبر، أجرى ترامب وشي جينبينغ اتصالًا هاتفيًا. وفي منشور مقتضب عقب المكالمة، وصف ترامب الحديث بأنه «جيد جدًا»، مشيرًا إلى أن الزعيمين «ناقشا العديد من القضايا».
أما الرواية الصينية فجاءت أكثر تحديدًا، إذ قالت: إن ترامب «يدرك مدى أهمية قضية تايوان بالنسبة إلى الصين». ويزداد القلق بين قادة آسيا من أن ترامب قد يسعى إلى استرضاء شي عندما تنشب خلافات بين الصين وأي من شركاء الولايات المتحدة، تمامًا كما يبدو أنه يتقارب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ملف أوكرانيا.
كثيرًا ما يُشار إلى عام 2027 بوصفه عامًا خطيرًا على تايوان، غير أن عام 2026 يبدو، في الواقع، أكثر إشكالية؛ فقد وافق ترامب بالفعل على زيارة الصين في أبريل، وربما في نوفمبر أيضًا. كما عرض استضافة شي في زيارة دولة، بل وحتى في منتجعه «دورال» بولاية فلوريدا في ديسمبر المقبل. وهو ما يمنح شي ومساعديه فرصًا متعددة للضغط على ترامب وانتزاع تنازلات تتعلق بتايوان وغيرها من القضايا الحساسة.ثم تأتي قضية تيك توك؛ فعلى الرغم من كثرة الحديث عن صفقة تفضي إلى تخارج شركة «بايت دانس» من حصتها في التطبيق، تواصل إدارة ترامب انتهاك القانون الأميركي بالسماح للتطبيق بالعمل داخل الولايات المتحدة من دون التوصل إلى اتفاق. ومرة أخرى، يبدد ترامب أوراق الضغط من دون أن يحصل على مقابل.
إن الجمع بين الاقتصاد والأمن القومي يقود، في هذه الحالة، إلى أسوأ النتائج الممكنة. فقد مارست الصين ضغوطًا على شركة إنفيديا لدفعها إلى بيع شرائح إلكترونية أكثر تطورًا، عبر رفض التقنيات الأقدم التي سمحت الولايات المتحدة في البداية بتصديرها. وبدورها، ضغطت «إنفيديا» على البيت الأبيض للموافقة على تصدير شرائح أكثر تقدمًا. وبالسماح بتصدير شريحة (إتش 200)، يكون الرئيس قد خضع فعليًا لمطلب صيني جديد في قضية محورية أخرى. وهكذا، يبدو أن هذا العام شهد انقلابًا كاملًا في مسار سياسة ترامب تجاه الصين.
ديريك سيسرز: كبير الاقتصاديين في مؤسسة (تشاينا بيج بوك)، وهي مؤسسة بحثية متخصصة في الاقتصاد الصيني.
زاك كوبر: محاضر في الشؤون العامة والدولية في جامعة برينستون
الترجمة عن واشنطن بوست
