فرنسا تطالب بدخول الجنائية الدولية إلى غزة

09 ديسمبر 2023
09 ديسمبر 2023

نطالب رئيس الجمهورية بدعم الدخول العاجل لمحقّقين من المحكمة الجنائية الدولية إلى قطاع غزة من أجل وضع حدّ لحالة الإفلات من العقاب. يجب أن يكون بمقدورنا التحقّق على نحوٍ محايد وموضوعي من الوقائع على الأرض، وأن نتمكن من الوقوف على مسؤوليات الأطراف المتصارعة بخصوص طريقة إدارتهم للحرب. ويتعيّن على فرنسا أن تمدّ يد العون لمحقّقي المحكمة الجنائية الدولية مثلما تفعل ذلك في أوكرانيا.

إن إنهاء حالة الإفلات من العقاب يشكّل ضرورة أخلاقية وسياسية، فهو يتعلق بتذكير الأطراف المتحاربة بالالتزامات القانونية التي تقع على عاتقها، وبأن تجاهل هذه الالتزامات لا يمكن أن يمرّ من دون عواقب. ويجب علينا أن نضغط من خلال كل الوسائل الممكنة من أجل وقفٍ فوري لإطلاق النار. وهو أمر ضروري من أجل إنهاء معاناة الرجال والنساء والأطفال الفلسطينيين المحاصرين تحت القنابل، وكذلك إنهاء معاناة الرهائن المدنيين الذين أسرتهم حركة حماس.

لا يُفترض أن يشكّل رفض إسرائيل المصادقة على معاهدة المحكمة الجنائية عائقا أمام تطبيق القانون. أما فلسطين من جهتها، فلقد أعلنت أنها خاضعة للقانون الدولي. أصبحت المحكمة الجنائية الدولية سلطة مؤهلة وصاحبة اختصاص في الأراضي المحتلة كما في غزة منذ عام 2021. وبالتالي فإن التحدي يكمن في إمكانية الوصول إلى هذه الأراضي بغرض التحقيق. من شأن مطالبة فرنسا بدخول المحكمة الجنائية الدولية إلى غزة أن يجعل صوت بلادنا مسموعا مرة أخرى على المستوى الدولي، وخاصة في الدول العربية والبلدان الصاعدة. ويجب أن يكون هذا الطلب مصحوبا بطلب آخر يتعلق بالوقف الفوري لإطلاق النار والرفع الحقيقي للحصار عن غزة.

هذا الصوت الفريد الذي كان من الممكن أن نسمعه بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، قد تلاشى للأسف منذ حوالي خمسة عشر عاما. وصورتنا الآن أمام العالم هي صورة قوة تطبّق بشكل انتقائي معايير ومبادئ القانون والديمقراطية التي تزعم مع ذلك على أنها عالمية.

لقد ساهمت سياسة فرنسا بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قبل السابع من أكتوبر إلى حدّ كبير في إيجاد هذه الصورة السلبية. تفتقد سياستنا للفعّالية، فهي لا تقوم باستثمار أيٍّ من الأدوات الملموسة الموجودة في نطاق إمكانياتنا، والتي من المحتمل أن تؤثر بشكل جديّ على سياسة الاستيطان والتمييز التي تنتهجها إسرائيل ضد السكان الفلسطينيين.

أصبح هذا النقص في ممارسة التأثير الفرنسي أسوأ بعد السابع من أكتوبر. إن ازدواجية المعايير بين سياستنا تجاه أوكرانيا منذ التدخل الروسي من جهة، وتلك المتعلقة بفلسطين من جهة أخرى أمر غني بالدروس، حتى لو رأى البعض عدم جواز عقد المقارنة لاختلاف السياقين.

في الحالة الأولى، أدانت فرنسا - عن حق - وبسرعة وقوة عدوان روسيا على أوكرانيا وجرائم الحرب التي ارتكبها جيشها، ولا سيما باستهداف السكان والمنشآت المدنية التي يحميها القانون الإنساني الدولي. فقامت بالتالي باتّخاذ تدابير ملموسة وقوية، وربطت هذه الإدانة بعقوبات قوية ضد روسيا. كما أنها قدّمت دعما نشطا للأوكرانيين وللمحكمة الجنائية الدولية على مستوى تحديد الوقائع المتعلقة بجرائم الحرب المرتكَبة منذ شهر فبراير من العام 2022.

لكن في الحالة الأخرى، منحت فرنسا طيلة ما يزيد عن شهر شيكا على بياض للعملية العسكرية الإسرائيلية، مكتفية ببعض التذكيرات العامة بضرورة امتثال إسرائيل للقانون. وإلى غاية اليوم، لم تتخذ فرنسا أي إجراء ضدها من أجل وقف المذبحة والقصف المستمر للمدنيين في غزة، واستهداف المستشفيات وغيرها من المنشآت التي تحميها قوانين الحرب، والتهجير الجماعي القسري، أو للمطالبة برفع الحصار الكامل عن القطاع.

وفي ضوء هذه الفجوة الكبيرة، إننا على قناعة بأن ممارسة الضغط الدبلوماسي بغرض دخول المحكمة الجنائية الدولية إلى فلسطين المحتلة، مصحوبا باقتراح لتقديم الدعم المادي لهذه التحقيقات، أصبح أمرا ضروريا اليوم. من شأن هذه الإجراءات، المدفوعة قبل كل شيء بالحاجة الملحة إلى إثبات الوقائع بشكل موضوعي من أجل وضع حدّ لحالة الإفلات من العقاب، أن تساهم في وضع بلدنا في المكان الذي ينبغي أن يكون فيه: إلى جانب جميع الشعوب المضطهدة، أيًّا يكن أصل الانتهاكات التي تُرتكب في حقها. ويجب على فرنسا أن تعمل على تطبيق القانون الدولي وقوانين الحرب بنفس الطريقة على الجميع دون أي تمييز.

إن التنكّر لمبادئنا وقيمنا من أجل مصالح قصيرة المدى يعني فقدان المصداقية على المدى الطويل.

وفي الوقت الذي تتبنّى فيه أغلب البلدان الغربية مواقف داعمة وتكاد تكون غير مشروطة لإسرائيل، توحي بأننا نسينا أن سياسة الاستيطان الإسرائيلية تنتهك القانون الدولي في الأراضي المحتلة منذ عقود عديدة، يتعيّن على فرنسا أن تمنح لنفسها كل الوسائل اللازمة لكي تلعب دورا مركزيا في دعم العدالة واحترام القوانين. وحده هذا الموقف بإمكانه أن يدفع الطرفين المتنازعين إلى العمل على إيجاد حل سلمي وعادل للصراع. أجل، إن ذلك يمرّ عبر المطالبة بوقف فوري لإطلاق النار وممارسة الضغوط الدبلوماسية اللازمة من أجل دخول المحكمة الجنائية الدولية إلى غزة وإلى كامل الأراضي المحتلة. من شأن مثل هذا الخطاب أن يسمح لفرنسا بأن تحظى من جديد بالصوت الفريد الذي عُرفت به فيما مضى على مستوى الدبلوماسية العالمية ، وخاصة في الشرق الأوسط.

روني برومان رئيس سابق لمنظمة أطباء بلا حدود

فرونسوا روفان نائب برلماني عن حزب فرنسا الأبية

مارين توندولييه الأمينة العامة لحزب البيئة الأوروبي

عن صحيفة لوموند الفرنسية