مستقبل إسرائيل!

27 أبريل 2024
27 أبريل 2024

كان من أهداف الأمم المتحدة منذ تأسيسها عقب الحرب العالمية الثانية نزع التوترات الدولية في العالم والحيلولة دون استقواء الدول الكبرى على حساب الدول الصغرى، وكانت القضية الفلسطينية من أولويات الأزمات التي واجهتها الأمم المتحدة، حينما قررت الدول الكبرى وفي مقدمتها بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية إقامة كيان جديد على الأرض الفلسطينية، وهي المأساة التي طالت لأكثر من خمسة وسبعين عاما، مارست فيها إسرائيل كل صنوف الاضطهاد والقتل تحت أعين وبصر العالم، وبرعاية أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، بعدها استقوت إسرائيل للدرجة التي أوصلتها إلى محاولة إبادة ما بقي من الفلسطينيين في منطقتي غزة والضفة الغربية، في حرب توفرت فيها كل مقومات الإبادة وفق ما شهدت به محكمة العدل الدولية.

رغم مرور 7 أشهر على هذه الإبادة، إلا أن الأمم المتحدة ظلت عاجزة عن منع هذا العدوان الذي راح ضحيته ما يقرب من أربعين ألفا معظمهم من النساء والأطفال، وأكثر من ضعفهم من المصابين والمشوهين، فضلا عن هدم المنازل على ساكنيها، بما في ذلك المستشفيات والمدارس وكل مؤسسات الحماية الاجتماعية، والغريب في الأمر أن الأمم المتحدة وقفت عاجزة عن صد هذا العدوان، بل كانت الولايات المتحدة الأمريكية هي أول القوى الداعمة للعدوان الإسرائيلي ومده بأحدث الأسلحة الفتاكة، بينما راح رئيسها بايدن يمارس دورا دعائيا فجا حينما يطالب إسرائيل بوقف استهداف المدنيين، لكنه لا يمانع قتل المقاومين من حماس، رغم أن العالم كله يشاهد صباح مساء أن حماس ليست جيشاً نظامياً منفصلاً عن الشعب الفلسطيني، ومن المستحيل استهداف المقاتلين بمعزل عن المدنيين، فجميعهم يعيشون على مساحة لا تتجاوز ٣٥٠ كيلومترا مربعا، يعيش عليها ما يقرب من 2.5 مليون ، معظمهم من الأطفال والنساء.

أعتقد أن إسرائيل ما كان باستطاعتها مواصلة هذه الحرب طوال سبعة أشهر إلا بدعم سياسي وعسكري من الولايات المتحدة وحلفائها، ولا بأس أن يظهر الجميع قدرا من التعاطف مع الضحايا المدنيين، وهي مشاعر تتسم بالنفاق الرخيص، فقد وقف العالم الحر عاجزا عن منع هذا العدوان، الذي لا سابق له في التاريخ، بينما جيَّشت أمريكا كل إمكاناتها الدفاعية، حينما قررت إيران الرد على العدوان الإسرائيلي الذي استهدف قنصليتها في سوريا، وقد راح ضحيته 7 من الدبلوماسيين الإيرانيين، ورغم ذلك فقد شنت الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل حربا دعائية على إيران بعد هجمة المسيرات التي ملأت سماء إسرائيل، إلا أن منظومة الدفاع الأمريكي والبريطاني والفرنسي حالت دون تحقيق خسائر، ورغم ذلك فقد قامت الدنيا ولم تقعد على إيران.

لعل الخلل الواضح في دور الأمم المتحدة كان بسبب انفراد أمريكا بمصير العالم، وقد تبين أن الأمم المتحدة ومنظماتها الدولية بما فيها محكمة العدل الدولية لا تملك قرارات عملية لمنع العدوان الذي يستهدف إبادة المدنيين في بيوتهم ومستشفياتهم ومدارسهم، وفي تحد واضح من الرئيس الأمريكي بايدن يعلن صباح مساء دعمه لإسرائيل بكل الوسائل، والمضحك في بياناته أنه غالبا ما يطالب بالحفاظ على أرواح المدنيين، وهو خطاب ينم عن نفاق رخيص بحكم الطبيعة الچيوسياسية لقطاع غزة، والتي يستحيل معها الفصل بين المقاتلين والمدنيين.

الخلل واضح في الأمم المتحدة، وخصوصاً في منظومة هياكلها التي تجاوزها الزمن، إضافة إلى افتقاد العالم للتوازن الدولي بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، الذي كان يشكل حائط صد لمنع تغول الغرب والولايات المتحدة على مصائر الدول الصغيرة، وقد لعبت سياسة التوازن الدولي دوراً فعالاً منذ بداية التاريخ الحديث خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر، حينما ظهر مفهوم التوازن كسياسة كانت تستخدمها مجموعة من الدول الأوروبية عندما تستشعر الخطر من دولة ما أو تكتل ما، بما يعد خطرا على السياسة الإقليمية في أوروبا، ابتداء من الحروب الإيطالية مع نهاية القرن الخامس عشر وحتى نهاية القرن السادس عشر، وبعد أن اجتاحت فرنسا وأسبانيا الولايات الإيطالية، وظهرت بريطانيا لكي تتولى قيادة القارة في سبيل عدم تغول فرنسا على إيطاليا وإسبانيا، وفي سبيل الحفاظ على هذا التوازن خاضت دول التحالف حروبا ضارية بهدف عدم استقواء الدول الكبرى على مصالح الدول الصغرى، على الرغم من أن هذه السياسات لم يكن يحكمها قانون ولا اتفاقات دولية، إلا أن هذه الفكرة قد حققت نتائج إيجابية.

الولايات المتحدة الأمريكية تدفع العالم إلى أتون حرب عالمية ثالثة، قد تفوق كثيراً أهوال الحرب العالمية الثانية، بسبب انفرادها بمصير العالم، بينما كان في استطاعتها أن تحول دون الحرب الروسية الأوكرانية، التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من القتلى وبسببها أصيب اقتصاد العالم في مقتل، والمتابع للسياسة الأمريكية يدرك أن بايدن وأتباعه ماضون في جر العالم إلى مصير مجهول، وخصوصاً في ظل تحالف أمريكي ياباني فلبيني كوري، بهدف تطويق الصين ومحاولة إلحاق الضرر بها، وهي نتائج لم تدرس الولايات المتحدة عواقبها على مستقبل العالم، ولعلها ذات السياسة التي تمضي عليها أمريكا في تعاملها مع القضية الفلسطينية، غير مدركة بأن مستقبل إسرائيل سيظل في خطر داهم مهما حظيت إسرائيل بدعم عسكري وسياسي. والسؤال الذي سيظل معلقا في عنق التاريخ: كيف ستعيش إسرائيل وسط محيط متلاطم من العداوات والكراهية ؟ وفي ظل موجات متوالية من القتل والاعتداء والإبادة؟ بينما العالم العربي يطوق إسرائيل من كل مكان، وبصرف النظر عن اللحظة التاريخية التي تحظى فيها إسرائيل بدعم من بعض حكامنا العرب، إلا أن الحكام زائلون والشعوب باقية، وأن الخطر قادم على إسرائيل لا محالة، وستبقى الشعوب العربية توّّرث لأبنائها مقدار الكراهية التي تسببت فيها إسرائيل بسبب ما أراقته من دماء طوال أكثر من سبعين عاماً، لا شك أن الأجيال القادمة لن تعتد بما أبرمه بعض الحكام العرب من اتفاقات صلح وسياسات تطبيع، وأعتقد أن حكامنا لو تصالحوا مع شعوبهم وأجروا استفتاء بشأن علاقاتهم بإسرائيل فإن النتيجة ستكون صادمة لكل المتصالحين المطبعين.

لو فكر قادة إسرائيل في مستقبل بلدهم فسوف يصدمون، فكيف لهم أن يعيشوا وسط شعوب عاشت وشاهدت بأعينها ما تعرض له إخوانهم في فلسطين من إبادة يراها الشيوخ والأطفال صباح مساء. هل يمكن للسياسة أن تصلح ما أفسدته الأسلحة الفتاكة التي راح ضحيتها عشرات الألوف من أبناء هذا الشعب الأعزل الذي تركه إخوانه لكي يواجه هذا المصير البائس. الدول لا تخطط لمستقبلها خلال عشر أو عشرين سنة أو ربما قرن من الزمان، وإنما تخطط لمستقبل أجيال ستعيش ربما مئات أو آلاف السنين، فكيف لقادة إسرائيل أن يستوعبوا الدرس وهم ماضون في عدوانهم دون مراعاة لدماء تسفك كل يوم ومن بيوت تدمر صباح مساء على ساكنيها، ومن حرمان شعب من أبسط حقوقه الطبيعية والإنسانية.