المطير.. هل بدأت مرحلة التقييم؟

27 أبريل 2024
27 أبريل 2024

‏هناك تعريفات كثيرة لمعنى «الأزمة» (Crisis) ومن تلك التعريفات: بأنها حالة غير مخطط حدوثها، ولها تأثيرات وخسائر غير متوقعة على الإنسان والبيئة والممتلكات. كما أن الأزمات ليس لها جدول زمني محدد وقد تكون لمدة ساعات، أو لأيام، أو شهور وقد تمتد لسنوات. والأزمات قد يفتعلها الإنسان ومنها الحروب والمقاطعات الاقتصادية والسياسية، التي تكون دون سابق إنذار. وغالبا تكون الأزمات طبيعية كما هو الحال في تغيير الطقس والأنواء المناخية المتقلبة. عليه وإن كانت الحالة الجوية أو منخفض «المطير» الذي ضرب البلاد قبل بضعة أيام والذي لم يصنف بأنه إعصار أو فيضان، إلا إنه بالنظر للتقلبات التي طرأت على توقيت وصوله غير المتوقع، والخسائر التي خلفها في الأرواح والممتلكات وكثافة الأمطار، فقد يصنف بأنه «أزمة» مناخية، ومن المحللين من يرى بأنه قد يصنف بـ«الكارثة»، وإن كنت لا أتفق مع تلك التسمية.

ومع التقدم العلمي في مجال أدوات الذكاء الاصطناعي التي قد تستخدم في التنبؤات العددية عن التغيير المناخي بغية الحصول على بيانات دقيقة عن درجة الأعاصير والحالات المدارية، إلا أنه من الصعوبة بمكان، التنبؤ والوصول إلى مرحلة اليقين إلى مستوى خطورتها، وهذا يدل على ضعف الإنسان أمام قدرة الله تعالى في التنبؤ بما يحدث في المستقبل. كما أن أغلب الحالات المدارية وخاصة التي تأخذ مسارها إلى سلطنة عمان فإن أغلبها تتلاشى وهذا من لطف الله. ‏مع ذك فإن المنخفض الجوي «المطير» سبقته تنبيهات مستمرة من الجهات المختصة برصد التنبؤات، ولكن الجميع لم يكن متوقعا أن يكون بهذا المستوى من غزارة الأمطار وشدتها حتى أن بعضا من الجسور والطرق التي استعصى عليها إعصار جونو الذي كان في (2007) وشاهين في (2021)، لم تصمد مع المطير. من باب المقارنة، فإن إعصار «شاهين» على قوته وشدته فقد نتج عنه (11) وفاة وإنقاذ ما يقرب من (654) شخصا، أما «المطير» فكان عدد الوفيات (21) بينهم أطفال وإنقاذ (1500) شخص تقريبا، حسب تصريحات بعض من المسؤولين في هيئة الدفاع المدني والإسعاف، والذين كان لهم دور بارز في إنقاذ العالقين جراء المنخفض. الأمر الآخر فإن منخفض المطير لم يُذكر بأن هناك وفيات حدثت داخل البيوت وإنما أغلبها أو كلها كانت في الأودية، مما قد يفهم بأن أغلب حالات الوفيات ناتجة بسبب عدم التقيد بالتعليمات والتنبيهات الرسمية.

في الجانب الآخر فقد أشار، التقرير الدولي عن المخاطر لعام (2024) الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، في تقييمه لأكثر المخاطر المحتمل وقوعها على مستوى العالم. حيث أشارت استطلاعات الرأي لعدد (1490) من الخبراء ورجال الأعمال والأكاديميين، بأن التغيير المناخي الناتج عن الطقس الشديد (Extreme Weather) متوقع أن يحتل المرتبة الأولى خلال السنوات العشر القادمة. حيث جاءت الأخطار البيئية المتعلقة بالطقس الشديد، والتغيير في أنظمة الأرض، وفقدان التنوع البيولوجي وانهيار النظام البيئي في المراتب الأولى. وبالتالي فإن التقرير العالمي على المخاطر المحتملة يعطي تصورا للحاجة نحو التخطيط المستقبلي في أهمية التغيير المناخي والاهتمام بالموارد الطبيعية. ولكن بالنسبة لسلطنة عمان وحسب ما ذُكر في أكثر من مناسبة بأنها معرضة لمخاطر الأعاصير والحالات المدارية، إلا أن استطلاعات الرأي التنفيذي للتقرير نفسه لم يُشر إلى ذلك، وإنما أشار إلى أن المخاطر المحتملة لسلطنة عمان تقع في جوانب أخرى هي: الانكماش الاقتصادي، البطالة أو الباحثين عن العمل، التضخم، الدين العام وأخيرا الأمراض المعدية. كما أن بقية دول الخليج العربية لم يذكر أيضا التقرير بتعرضها للمخاطر المناخية أو الطقس الشديد.

‏وعند انتهاء الأزمات والبدء في مرحلة التقييم والمراجعة، عادة يتجه القادة وأعني بهم المسؤولين وأيضا أفراد المجتمع إلى نوعين. الأول وهو القائد الذي يبادر بتقديم «الاعتذار» عما حدث، وهذا النمط لا يلقي اللوم على الآخرين وليس ذلك وحسب، فقد يلجأ بعضهم إن كانوا مسؤولين إلى تقديم استقالات طوعية من مناصبهم الوظيفية، في حال تولد لديهم إحساس بأنهم لم يقوموا بتأدية واجباتهم ولم يستطيعوا التعامل مع الأزمة حسب متطلبات الحالة الماثلة أمامهم. هذا النوع من القادة - مع الأسف - يكثر في الدول والشركات غير العربية، وإن كان بدأ يشاهد قليلا في بعض دول الخليج العربية. والنوع الثاني وهم الأكثر، يبدأ بالمعاتبة ويتشبث برأيه ويُحمل الآخرين الأخطاء ولا يقدم أية اعتذارات. وهذا النوع ليس قياديا حيث ينتابه الخوف من أن تصل الأمور إلى مرحلة المساءلة في حال وجود تقصير في تنفيذ الواجبات والصلاحيات المفوض له القيام بها. وخلال منخفض «المطير» - ومع التقدير الذي أبداه جميع المسؤولين بالجهات المختصة التي تعاملت مع الأزمة - فلم نشاهد أيا من المسؤولين بادر بتقديم اعتذار عام للمجتمع ليخفف من وطأة ما حدث، بل لعل الأغلب منهم يأتي بالتحليل الذي يراه مناسبا بالجهة التي يعمل بها. بيد أن في الجانب الآخر، فإن ما ذهبت إليه اللجنة العمانية لحقوق الإنسان من بيان بأنها سوف تقوم - حسب اختصاصها - بالتحقيق للوقوف على المسببات للوصول إلى نتيجة لهذه الكارثة المؤسفة لحالات غرق الطلبة بنيابة سمد الشأن سوف يكون إيجابيا في معرفة الخلل. علما بأن اللجنة أعطيت الصلاحية برفع تقارير للمقام السامي حسب ما أشار إليه نائب رئيس اللجنة العمانية لحقوق الإنسان. أيضا فإن اعتزام مجلس الشورى نحو مناقشة وزيرة التربية التعليم عن حالات غرق الطلبة يؤكد قمة الشفافية والتوجه الصحيح في التعامل مع تلك الأحداث لكي تتضح الحقيقة والاستفادة من لجان تقصي الحقائق، في تجويد العمل ومعرفة أوجه القصور والتعلم من الأخطاء - إن وجدت - وما من إنسان معصوم من الوقوع في الأخطاء.

‏أيضا مرحلة التقييم والمراجعة، يجب أن تشمل ما قبل حدوث الأزمة، حيث إنها مهمة للتأكد من وجود بروتوكولات نظامية بالجهات الحكومية كافة سواء تلك المختصة بمتابعة الحالات الجوية أو غيرها من الجهات. في هذه البروتوكولات يتم التوضيح بكيفية التعامل مع الأزمات والمخاطر المحتملة حسب مستوى تصنيف تلك المخاطر، والتأكد من فاعلية إجراءات الأمن والسلامة لحماية الأطفال والعاملين أثناء الأزمات أو بدونها. فتصنيف درجة المخاطر بأنها: عالية، متوسطة أو منخفضة، من شأن ذلك أن يحدد طبيعة التجهيزات والاستعدادات المطلوبة من حيث نشر الوعي لدى أفراد المجتمع عن طبيعة الأنواء المناخية وآليات التحوط وقنوات التواصل وأخذ المعلومات من المصادر الرسمية. هذه البروتوكولات من شأنها أن تعطي جوانب تقييمية هل الجهات قامت بالدور المنوط بها؟، أم أن هناك من المسؤولين أو من أفراد المجتمع من قام باتخاذ قرارات فردية قد تكون أدت إلى إلحاق الضرر بالآخرين؟.

وبالنسبة للممتلكات العامة فإن الصيانة الوقائية للطرق والجسور والمدارس الحكومية، يجب إعطاؤها الأهمية نظرا للخسائر المالية الكبيرة في البنية الأساسية. وبالتالي يتطلب ذلك اعتماد موازنات مالية إضافية لجميع المحافظات مع وضع برامج ومشروعات سنوية لعمليات التجديد والصيانة، وخاصة الجسور والطرق العامة. ولتقريب الصورة فإن هناك متطلبات ومعايير للصيانة الدورية للمحافظة على الأصول والممتلكات، فعلى سبيل المثال فإن الطائرات والسفن يتم صيانتها بجدول زمني محدد مع تغيير بعض من قطع الغيار، حيث إن تلك القطع لها عمر افتراضي وهو ما يسمى في المحاسبة (Depreciation). هذا ينطبق أيضا على الطرق والجسور ففي حال ظلت لفترات طويلة دون صيانة وقائية فإن مقاومتها للتأثيرات المناخية وتغيير الطقس سوف تنخفض.

عليه خلال الأنواء المناخية، فقد سطرت سلطنة عمان نموذجا صلبا من التكاتف والتعاضد بين الجهات الحكومية وخاصة القوات المسلحة والمواطنين والقطاع الخاص. كما أن الحكومة بقيادة جلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله ورعاه - وبعد انتهاء الأنواء المناخية التي مرت بالبلاد، لا تدخر جهدا في التقييم الشامل للمنظومة الحكومية المتكاملة التي لها علاقة بالتغيير المناخي لمعرفة المتطلبات المستقبلية في رصد التنبؤات الدقيقة وتصحيح أية انحرافات - لا سمح الله - في بيئة العمل الحكومي لمنع الخسائر ودرء الأضرار عن المواطنين والبيئة. وهذا ملاحظ من خلال التواصل السريع من قبل المسؤولين بالدولة كلٌ حسب اختصاصه في تفقد ما خلفته الأنواء المناخية من أضرار على البلاد والعباد. وقد يكون مناسبا الاستفادة من تجارب الدول في التعامل مع هكذا أنواء مناخية مع تنفيذ استراتيجيات وطنية لإعادة النظر في التصاميم الهندسية للمساكن والمباني الحكومية والطرق والجسور. مع إيجاد مسارات وجسور بديلة عن الطرق الحالية التي تمر بعضها بالأودية، لتقليل المخاطر وما قد تسببه الأنواء المناخية من كوارث على الإنسان والبيئة. كل هذا لتكون «عمان مستعدة» في الشدة وفي الرخاء.