فرص السلام في الشرق الأوسط لا تزال قريبة

10 يناير 2024
ترجمة: أحمد شافعي
10 يناير 2024

الآن وقد انطمرت الآمال جميعا أسفل ركام غزة وهجرت إسرائيل الكيبوتزات، يصعب ألا ينتابنا اليأس حيال آفاق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. لا بد من إعادة الرهائن فورا ولا بد من إيقاف قتل المدنيين، غير أن إيقاف إطلاق النار وحده لن يكون حلا جذريا لتحدي تحقيق تسوية دائمة، وفي حين أنه يصعب وضع خطة وسط الصدمة القائمة، فمن المستحيل إنهاء سنين من العنف دونما هذه الخطة.

وعلى أرض الواقع، ثمة مخطط فعلا لبديل لحلقة التدمير والانتقام المميتة هذه. جهود عملية أوسلو (التي لم يتحقق قط جدولها الزمني ذو السنوات الخمس لحل الدولتين)، ومحادثات كلينتون- عرفات- باراك في كامب ديفيد ومبادرات أوباما التعيسة في 2013-2014 كلها موثقة توثيقا جيدا. لكن هناك خطة سلام 2007-2008 الأقل شهرة. وبعد الحديث مع بعض أنصارها البارزين في الأيام القليلة الماضية، أعتقد أنها عاجلا أم آجلا سوف تطرح من جديد أفضل منطلق لتحقيق سلام دائم.

بعد أن توليت رئاسة الوزراء في عام 2007، التقيت بالزعيم الفلسطيني محمود عباس وأجريت نقاشا ثنائيا مكثفا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي في تلك الفترة إيهود أولمرت والملك السعودي عبدالله، وذلك في مقر رئاسة الوزراء البريطانية، وفي بيت أولمرت في القدس، وتحت أحواض سمك القرش الضخمة في قصر الملك بالرياض: فربما كان ذلك مجازا ملائما للتحدي. قبل اللقاء المباشر، عمل أولئك القادة الشجعان بعون من وسطاء على معايير للوصول إلى اتفاقية للاعتراف بإسرائيل تضم الدول العربية الاثنتين والعشرين، بما يتيح لإسرائيل تأمين حدودها، بجانب إقامة دولة فلسطينية مستقلة وقادرة اقتصاديا وعاصمتها في القدس الشرقية.

بحلول صيف عام 2008، كان الجانبان «منكبين على الخرائط» بحسب محاضر فريقي. وكتب أحد كبار المفاوضين في تقرير قائلا «إننا تجاوزنا كامب ديفيد وطابا [يقصد المحادثات الإسرائيلية الفلسطينية سنة 2001]». وفي خطبة لي أمام الكينيست، كنت بها أول رئيس وزراء بريطاني يفعل ذلك، أكدت الدعم الغربي لمثل هذه الاتفاقية، غير مجتنب القول إن عددا من المستوطنات سوف تخلى وأن القدس الكبرى سوف تقسَّم.

يكتب أولمرت في مذكراته قائلا: «لقد كنا على مسافة بوصات، بل على مسافة شعرة من تحقيق أحلام ملايين الإسرائيليين التواقين إلى السلام». والحق أن استطلاعا للرأي في عام 2009 قد توصل إلى أن 78% من الإسرائيليين يؤثرون ذلك الحل. ولكن حدث آنذاك، مثلما يحدث كثيرا، أن تآمرت أحداث على السلام، فتغيرت القيادة في إسرائيل، ثم في الولايات المتحدة، ثم في المملكة العربية السعودية، وأعقبت ذلك أزمة مالية عالمية وبعدها عقد من صعود السياسات الحمائية، وإذا بنافذة فرصة الدبلوماسية توصد.

غير أن لدينا وثيقتين من تلك اللحظة الواعدة، ولهما إلى الآن أهمية عظيمة محتملة. الأولى هي نسخة الخطة الأصلية وفيها حل تفصيلي للأراضي بناء على حدود 1967، ويقبل التعديل بما بين 4.6% و6% من خلال تبادل أراض بالدرجة الأساسية، على أن تكون أحياء العرب في القدس جزءا من دولة فلسطينية مستقبلية. وفقا لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندليزا رايس: «منح أولمرت لعباس سببا للاعتقاد بأنه عازم على تقليل الرقم إلى 5.8%» بجانب بناء نفق أو جسر يكون تحت السيطرة الفلسطينية ويربط غزة بالضفة الغربية.

كان من شأن تمويل دولي أن يعوض الفلسطينيين والإسرائيليين ممن اقتلعت جذورهم. وتجري إعادة تعريف المدينة القديمة بما فيها من مواقع مقدسة لدى الأديان التوحيدية الثلاث بوصفها منطقة دولية. وتسيطر الدولة الفلسطينية على جزء من ساحل البحر الميت. ومثلما قالت رايس آنذاك: «لقد قتل إسحق رابين بسبب تقديمه أقل من ذلك». وتقوم قوة دولية يجري الاتفاق عليها بالتمركز في وادي الأردن لحماية الحدود بين الأردن والدولة الجديدة. وتوافق إسرائيل على «حق العودة» لعدد من اللاجئين الفلسطينيين لم يحدد آنذاك، وأشار الرئيس بوش إلى أن الولايات المتحدة سوف تمنح الجنسية لمائة ألف لاجئ فلسطيني.

كان العنصر الواعد الثاني يتمثل في اتفاقيات أمنية مقترحة وافقت عليها إسرائيل والولايات المتحدة. وبمفادها كان كل من الإسرائيليين والفلسطينيين ليحظوا بحق الدفاع عن أنفسهم في مواجهة الإرهاب. ولا ينضم الفلسطينيون إلى معاهدات أمنية أو عسكرية مع من لا يعترفون بدولة إسرائيل. وتوضع محطات تحذير على قمم جبلية في الدولة الفلسطينية. وفي حال اقتراب جيش أجنبي من حدود القدس، بوسع الجيش الإسرائيلي أن يعبر الحدود بالتنسيق مع فلسطين.

ولا مفر من أن السنين المنصرمة منذ عام 2008 تستوجب بعض التعديل لتفاصيل وسوف يستغرق ذلك وقتا قبل استرداد أي قدر من الثقة. لقد اقترح وزير الدفاع الإسرائيلي الآن من قد يتولى الأمن في غزة ما بعد الحرب، لكن لا بد من اتفاقية دولية واضحة على ذلك، وعلى وضع السلطة الفلسطينية التي لم تجر انتخابات منذ ثمانية عشر عاما وتبدو فاقدة للبوصلة في ظل اتهامات بالفساد. وفي ضوء أن الوعود الدولية لغزة بعد الأعمال العسكرية في 2002 و2008-2009 و2021 لم تتحقق قط تحققا كاملا، فسوف تلزمنا ضمانات موثوقة تجاه من سيدفع ثمن إعادة الإعمار وكيف سيتم إنفاقها دونما تجاوزات.

لقد تسارع التوسع الاستيطاني، من أقل من ثلاثمائة ألف شخص في 2008 إلى سبعمائة ألف. وقد كتب أولمرت أخيرا أنه «حينما تصبح الضفة الغربية وطنا لمليون مستوطن يهودي، سوف يستحيل انسحاب إسرائيل» ولكن من خلال التحرك الآن «لا يزال من الممكن أن يعاد توطين الغالبية العظمى من المستوطنين في كتل استيطانية لا تشغل سوى مساحة ضئيلة من الأرض».

لكن التغيرات الجذرية في وضعنا الجيوسياسي قد تعزز إمكانية إبرام اتفاق عربي. فمن الواضح الآن أن التطبيع بين العالم العربي وإسرائيل (الذي كان بعيد المنال يوما وحلم به أولمرت وعبدالله، وكان يكتسب زخما في ما قبل السابع من أكتوبر) لا يزال في متناول أيدينا، ما دام غير منفصل عن حل لفلسطين. لكن في ضوء أن القضية الفلسطينية اليوم أشد مركزية وسط نضال الجنوب العالمي من أجل تقرير المصير والمساواة، فلا بد أن تعلم إسرائيل أنها لا يمكن أن تستوعب الفلسطينيين في دولة واحدة أو ترجع إلى خطة دونالد ترامب المزعومة للسلام في الشرق الأوسط.

لقد أوضحت الأحداث الأخيرة أيضا أن الغرب- وبخاصة الولايات المتحدة- لا يستطيع الآن أن ينجح في أي مبادرة سلام من خلال العمل منفردا. فلا بد من أن يعمل مع بقية العالم، مقيما أوسع تحالف عالمي ممكن بهدف عزل أشد المعارضين اليوم لحل الدولتين.

ولا مجال للنظر أصلا في عواقب التقاعس المؤلمة، لا على غزة فقط وإنما على سلام المنطقة كلها. فعلى بعد سنة من الآن، وفي ظل إيقاف إطلاق نار من عدمه، سيكون مئات آلاف الفلسطينيين النازحين والجياع والمرضى في مخيمات لاجئين شديدة الازدحام بجوار أزقة مليئة بالأنقاض ومبان مبقورة الأحشاء وبنية أساسية مهشمة من جراء القصف بلا نهاية تلوح في الأفق، وسوف تهدد حلقة العنف بالتصاعد من جديد لتطوق المنطقة، ناصبة شراكها لجيل جديد من الشباب الساخط الذي سوف يسهل تجنيده على حماس 2.

نادرة هي الفتوح في المجال الجيوسياسي، لكن في أبعد الأوضاع احتمالا- مثلما قلت للسعوديين والإسرائيليين في 2008- توصل كينيدي وخروتشوف إلى أول معاهدة لحظر التجارب النووية، وتفاوض ريجان وجورباتشوف على أكبر تخفيض للأسلحة النووية في التاريخ. وها هو عام 2024 يبدأ مقبضا، لكن في ظل قيادة بصيرة، وبناء على خطة 2007-2008، قد يلوح ضوء في نهاية هذا النفق شديد الظلام الذي لا يزال يهدد بمزيد من العتمة ما لم نتحرك.