خطر الحرب يزداد على أمريكا وبايدن يعلم

09 مايو 2022
09 مايو 2022

ترجمة: أحمد شافعي

لو أنكم تابعتم فقط التقارير الإخبارية المتعلقة بأوكرانيا، فلعلكم تحسبون أن الحرب استقرت على وتيرة طويلة طاحنة ومملة بعض الشيء. ولكنكم تكونون مخطئين.

فالأمور في الواقع تزداد خطورة من يوم إلى يوم. ابتداء، كلما يطول أمد هذه الحرب، تزداد فرصة وقوع أخطاء مأساوية في الحسابات، وتتراكم المواد الخام اللازمة لهذا في سرعة واهتياج. وانظروا إلى التسريبين رفيعي المستوى الخاصين بمسؤولين أمريكيين في الأسبوع الماضي بشأن التدخل الأمريكي في الحرب الروسية الأوكرانية:

الأول: كشفت التايمز أن "الولايات المتحدة قدَّمت معلومات استخباراتية متعلقة بالوحدات الروسية أتاحت للأوكرانيين أن يستهدفوا ويقتلوا الكثير من الجنرالات الروس الذين ماتوا في أعمال حرب أوكرانيا، بحسب مسؤولين أمريكيين كبار". والثاني: أن التايمز تتبعت تقريرا لـ(إن بي سي) استند إلى مسؤولين أمريكيين وذكرت أن أمريكا "قدمت معلومات استخباراتية ساعدت القوات الأوكرانية على تحديد موقع موسكفا، بارجة الأسطول الروسي في البحر الأسود،

ومهاجمتها". وقد أسهمت هذه المساعدة الاستهدافية في "الإغراق النهائي" لموسكوفا بفعل صاروخي كروز أوكرانيين.

بوصفي صحفيا، أحب أخبار التسريبات الجيدة، والصحفيون الذين انفردوا بهذين الخبرين قاموا بتنقيب قوي. في الوقت نفسه، من كل ما استطعت تجميعه من كبار المسؤولين الأمريكيين الذين تكلموا معي مشترطين عدم الإفصاح عن هوياتهم فإن هذين التسريبين ليسا جزءا من أي استراتيجية مدروسة وإن الرئيس بايدن غضب منهما. وقيل لي إنه اتصل بمدير المخابرات الوطنية، ومدير المخابرات المركزية الأمريكية ووزير الدفاع ليسمعهم بأوضح لغة ممكنة أن مثل هذا الحديث المتسيب ينم عن تهور ولا بد من إيقافه فورا قبل أن ننتهي إلى حرب غير مقصودة مع روسيا.

الخلاصة المذهلة من هذين التسريبين هو أنهما يشيران إلى أننا لم نعد في حرب غير مباشرة مع روسيا بل إننا ندنو حثيثا من حرب مباشرة دون أن يهيئ أحد الشعب أو الكونجرس في أمريكا لذلك.

من المؤكد أن فلاديمير بوتين غير غافل مطلقا عن مدى تسليح الولايات المتحدة والناتو لأوكرانيا سواء بالسلاح أو بالمعلومات، ولكن حينما يبدأ مسؤولون أمريكيون في التباهي علنا بلعبهم دورا في قتل جنرالات روس وإغراق بارجة روسية وقتل كثير من البحارة فلعلنا نمنح بوتين فرصة للرد بطرق قد تؤدي إلى توسيع نطاق الصراع توسيعا خطيرا، وتستدرج الولايات المتحدة إلى أعمق مما تريد.

يقول مسؤولون أمريكيون كبار إن الأمر مضاعف الخطورة لأنه يزداد وضوحا لهم أن سلوك بوتين لا يمكن التنبؤ به مثلما كان الحال في الماضي. والخيارات تنفد من بوتين سواء لتحقيق نجاح يحفظ ماء الوجه أو حتى للعثور على مخرج يحفظ ماء الوجه.

ليس من المبالغة في شيء القول بأن هذه الحرب كانت وبالا على بوتين حتى الآن. والحق أن بايدن أوضح لفريقه أن بوتين حاول صد توسع الناتو فإذا به يضع الأساس لتوسع الناتو. إذ تتخذ كل من فنلندا والسويد الآن خطوات إلى الانضمام للحلف الذي بقيتا خارجه طوال سبعة عقود.

ولكن ذلك هو ما يجعل المسؤولين الأمريكيين متخوفين كثيرا مما قد يفعله بوتين أو يعلنه في احتفال يوم النصر في موسكو "أمس الاثنين" الذي يحيي ذكرى انتصار الاتحاد السوفييتي على ألمانيا النازية. والمعهود في هذا اليوم أنه يوم مواكب عسكرية واحتفال بقوة الجيش الروسي. قد يحشد بوتين المزيد من الجنود، ويقوم باستفزازات أخرى وقد لا يفعل أي شيء على الإطلاق. لكن من يدري؟

للأسف علينا أن نتعايش مع حقيقة أن الروس ليسوا وحدهم الراغبين في توريطنا بمزيد من العمق. فلا شك لديَّ في أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يحاول أن يفعل مثل ذلك منذ البداية ـ فيجعل أوكرانيا عضوا مباشرا في الناتو أو يحمل واشنطن على صياغة اتفاقية أمنية ثنائية مع كييف. وأنا معجب كثيرا ببطولة زيلينسكي وزعامته، ولو كنت مكانه لحاولت مثلما يحاول أن أورط الولايات المتحدة معي.

لكنني مواطن أمريكي، وأريد أن نتوخى الحذر. فقد كانت أوكرانيا، ولم تزل، بلدا يخترقه الفساد. لا يعني ذلك أننا لا ينبغي أن نساعدها. بل يسعدني أننا نفعل هذا. وأصر على أن نستمر فيه. ولكن فهمي هو أن إدارة بايدن تسير على الحبل في علاقتها بزيلينسكي أكثر مما يبدو في ظاهر الأمر، فهي تريد أن تفعل كل ما من شأنه أن يضمن له الانتصار في هذه الحرب على أن تفعل ذلك بطريقة تبقينا على مسافة ما من القيادة الأوكرانية، فلا تنفرد كييف بالمسؤولية ولا نجد نحن أنفسنا في حرج من فوضى السياسة الأوكرانية في أعقاب الحرب.

إن رؤية بايدن وفريقه ـ بحسب جهودي الصحفية ـ هي أن على أمريكا أن تساعد أوكرانيا على استرداد سيادتها والتغلب على الروس، مع عدم السماح لأوكرانيا بتحويل نفسها إلى محمية أمريكية على حدود روسيا. علينا أن نبقى في حالة تركيز قصوى على ما هو في مصلحتنا الوطنية ولا نضلّ عنه فنتعرض لمخاطر لا نريدها.

ثمة أمر أعرفه عن بايدن ـ وقد سافرت معه إلى أفغانستان في 2002 وهو سيناتور يرأس لجنة العلاقات الخارجية ـ وذلك أنه لا يسهل على قادة العالم إغراؤه. فقد تعامل على مدار حياته المهنية مع الكثير والكثير منهم ولديه إحساس جيد تماما بالحدود التي تنتهي عندها مصالح أمريكا أو تبدأ. واسألوا عنه الأفغان.

وإذن فأين نحن الآن؟ خطة بوتين الأساسية ـ وهي الاستيلاء على كييف وتنصيب زعيمه عليها ـ فشلت. وخطته الثانية ـ محاولة الاكتفاء بالسيطرة الكاملة على قلب أوكرانيا الصناعي القديم المعروف بمنطقة الدونباس الناطقة بالروسية إلى حد كبير ـ لم تزل موضع شك. القوات البرية التي عزَّزها بوتين أخيرا أحرزت بعض التقدم، لكنه لم يزل محدودا. ولأن الدونباس لم تزل في الربيع، بما يعني أن الأرض تكون موحلة وزلقة في بعض الأحيان، فيجب على المدرعات الروسية أن تبقى على الطرقات والطرق السريعة في كثير من المناطق بما يجعلها معرضة للخطر.

وفي ظل حيطة أمريكا وحرصها على عدم الوقوع في شرك في أوكرانيا وروسيا، فإن من النقاط المضيئة في الجهود المبذولة لعدم توسيع الحرب ما يتمثل في نجاح الإدارة في منع الصين من تقديم دعم عسكري لروسيا. وذلك كان نجاحا هائلا.

فلقد حدث في الرابع من فبراير فقط، في نهاية المطاف، أن استضاف الرئيس الصيني شي جينبنج نظيره الروسي بوتين في افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتائية لعام 2022، وكشف الاثنان عن جميع أنواع الاتفاقيات في التبادل التجاري والطاقة وأصدرا إعلانا مشتركا يؤكد أن الصداقة بين روسيا والصين "لا حدود لها".

ذلك ما كان آنذاك. ولكن بعد أن بدأت الحرب، شرح بايدن شخصيا للرئيس شي في مكالمة هاتفية مطولة أن مستقبل اقتصاد الصين يعتمد على وصولها إلى الأسواق الأمريكية والأوربية ـ أكبر شركائها الاقتصاديين ـ وفي حال قيام الصين بإمداد بوتين بالدعم العسكري، ستكون لذلك آثار شديدة السلبية على تجارة الصين مع كلا السوقين. وأجرى شي الحسابات وارتدع عن مساعدة روسيا بأي شكل عسكري، فزاد ذلك بوتين ضعفا. وقد بدأ الحظر الغربي لتصدير الرقائق إلى روسيا في تعطيل بعض مصانع بوتين، والصين لم تتدخل حتى الآن.

إن ما أؤكد عليه أشد التأكيد هو أن علينا أن نتمسك قدر الاستطاعة بهدفنا الأصلي المحدد شديد الوضوح وهو مساعدة أوكرانيا على طرد القوات الروسية بقدر الإمكان أو التفاوض على انسحابها حينما يشعر القادة الأوكرانيون بأن الوقت مناسب للتفاوض.

ولكن بين أيدينا بعض العناصر غير المستقرة بشكل لا يصدق، وبخاصة بوتين الجريح سياسيا. والتباهي بقتل جنرالاته وإغراق سفنه، أو الوقوع في غرام أوكرانيا بما يورطنا معها إلى الأبد هو قمة الحماقة.

• توماس فريدمان كاتب عمود في مقالة الشؤون الخارجية بنيويورك تايمز، فاز بثلاث جوائز بوليتزر، مؤلف كتاب "من بيروت إلى القدس".