«حفيت للقطارات» بين عُمان والإمارات

28 أبريل 2024
28 أبريل 2024

لا بد من تأكيد وتوثيق العلاقات الدولية الراسخة وفقا لمشتركات الماضي وتعاقدات المستقبل التي تقضي بتفعيل كافة الوسائل التواصلية خدمة لمصالح الشعوب واستثمارا لموارد الدول، فإن لم تكن ثمة مشتركات حقيقية سعى حكام وسياسيو كل دولة إلى خلق علاقات ومشتركات وصولا لتجسير العلاقات الدولية وتحقيق أقصى الممكن من توظيف مختلف الطاقات الدبلوماسية وصولا لذلك، أما حين تكون المشتركات أكثر من أن تحصى وأوسع من أن تعد فهي بالعناية أولى وبالتوثيق أحرى. ضمن هذا السياق تأتي زيارة جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- إلى دولة الإمارات العربية المتحدة تجسيدا لعلاقات تاريخية لا يمكن فصلها، ومشتركات اجتماعية لا بد من تفعيلها لصالح شعبي البلدين وشعوب المنطقة بأكملها. الزيارة السلطانية التي استغرقت يومين هي زيارة دولة التقى خلالها جلالة السلطان المعظم بأخيه الشيخ محمد بن زايد، مؤكدَيْن معا عمق العلاقات الاستثنائية بين البلدين، وقوة المشتركات بينهما تاريخيا، تماما كقوتها استراتيجيا، ووضعها موضع الأولوية والتفعيل من قبل القيادتين الحكيمتين، وبمتابعة وحرص على التنفيذ من القائمين على ذلك في الجهتين.

حينما نحاول كتابة المشترك بين سلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة فإننا لا نتجاوز فكرة التكرار إن أردنا تسمية المشتركات من تاريخ وجغرافيا وعادات وتقاليد، وفنون شعبية وأزياء تقليدية ومعطيات ثقافية متضمنة ما هو أعمق من الشكليات العابرة، وغيرها كثير مما لا تتسع هذه المقالة ولا مقالات أُخَر لذكره وتسميته؛ لذلك لم يكن مستنكرا ولا غريبا تعزيز كل ما سبق من علاقات شعبين هما أسرة واحدة حقيقة لا مجازا؛ لما يربط بين الشعبين من أواصر قربى ووشائج نسب.

تبادل تجاري تاريخي يعززه واقع اليوم باستثمارات ثنائية من الطرفين تزيد من رقعة خريطة المشتركات بينهما، ثم جسور تعاون وشراكات تسعى لتلبية طموح الشعبين إضافة إلى النهوض بأدوار الحكومتين في تحقيق أمن البلدين أمنيا واقتصاديا، متضمنا سعيهما لأدوار أخرى لا بد منها اليوم في خضم متغيرات المرحلة التاريخية التي تعيشها شعوب المنطقة ضمن صراعات تستهدف أمنها ورخاء شعوبها، حيث يقوى الفرد بتعزيز ذاته ثم بتعزيز صداقاته ضمانا مستقبليا لحصون لا تتهاوى ولمتاريس لا تُدَك، ولا يتأتَّى ذلك بغير التحالفات الدولية وبناء جسور العلاقات الدولية؛ ثنائية كانت أو ثلاثية أو أكثر من ذلك وفقا لمرئيات المرحلة ومتغيرات الواقع.

يأتي مشروع شبكة السكك الحديدية «عمان والاتحاد للقطارات» الذي أعلِن عنه في سبتمبر من عام 2022 لربط سلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة تعزيزا لعمق العلاقات التاريخية المشتركة بين البلدين، المشروع الذي حملت هويته التجارية اسم «حفيت للقطارات» هوية مستوحاة من جبل حفيت الذي يمتد بين البلدين مؤكدا قوة وثبات ترابط البلدين جغرافيا وتاريخا حضاريا تماما كثبات هذا الجبل، وإذا تجاوزنا الجبل إلى حضارة حفيت التي تعود آثارها إلى نهاية الألفية الرابعة، هذه الحضارة التي تعد بداية الاستقرار البشري وتشكل المدن بعد الحياة البدائية بين الصيد وجمع الثمار والتي تؤكد آثارها ومقتنياتها تواصلا حضاريا بينها (حضارة حفيت) وبلاد الرافدين تستعيد مجدها الحضاري اليوم عبر هذه التسمية لهذا المشروع التواصلي الحضاري بين البلدين والذي نأمل توسعته مستقبلا ليشمل رقعة أكبر من دول الخليج أو حتى من الوطن العربي الكبير.

«حفيت للقطارات» طموحات كبرى لآفاق أرحب لا في التنقل المستثمر وقتا وجهدا وحسب، بل إنها رؤى تتجاوز ذلك إلى تحسين تكامل منظومة النقل والمواصلات لوجستيا، وفتح أبواب الفرص الواعدة لمختلف القطاعات الاقتصادية كالنقل والتعدين والبناء والتشييد، ومجالات أخرى استثنائية لفرص العمل والتنمية السياحية، فضلا عن إسهام المشروع في الحفاظ على البيئة وتعزيز الاستدامة عبر شبكة قطارات متطورة مخففة الضغط على شبكة الطرق التقليدية استهلاكا وصيانة، دون إغفال دورها الأهم في تعزيز التواصل الإنساني اجتماعيا وثقافيا.

لقاء ثنائي واعد بالكثير من الخير يقينا، وهو المرجّى والمأمول من قيادتين آمنتا بالإنسان روحا وطاقات وعلاقات، وبتسخير كل ممكنات الواقع لخدمة هذا الإنسان ورفعة شأنه.

حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية