حزب ترامب الجمهوري كونفدرالية المزيفين

21 فبراير 2024
ترجمة: أحمد شافعي
21 فبراير 2024

لديَّ اقتراح لبرنامج جمع التبرعات القادم لحزب ترامب الجمهوري. تعرفون بالطبع أن بعض متاجر التذكارات الرياضية تبيع كرات سلة عليها توقيعات جميع لاعبي فريق في دوري المحترفين؟ إذن، أتخيل أن بوسع دونالد ترامب أن يبيع أعلاما بيضاء بسعر ألف دولار للعلم وعليها جملة هذا هو نصها: «لقد سلمنا أوكرانيا لروسيا» وعليها توقيعه وتوقيعات أذلاء شعار «أعيدوا عظمة أمريكا» من أعضاء غرفتي الكونجرس الذين جمعهم ترامب لمنع الأوكرانيين من الحصول على الأسلحة التي يحتاجون إليها لصد هجوم فلاديمير بوتين.

وفي مقابل خمسمائة دولار إضافية يمكنك الحصول على علم أبيض عليه توقيع منفرد لترامب وكلمات السناتور جيه دي فانس الخالدة: «الحق أنني لا أكترث لما يحدث لأوكرانيا». أو الحصول على علم بتوقيع رئيس مجلس النواب مايك جونسون ويكون كبيرا بقدر يسمح بإيجاز رؤيته للعالم: لقد كنت مع مساعدة أوكرانيا إلى أن أصبحت ضدها، لكنني قد أعود فأكون معها إذا لم يعد ترامب ضدها. وهذه مسألة مبدأ عندي. وفي كل الحالات، هي غلطة بايدن.

ثم البند الأخير للمقتنين. في مقابل ألف دولار إضافية، علم استسلام أبيض عملاق، مصنوع من أرقّ أقطان (سي آيلاند) وعليه كلمات ليندسي جراهام: «لقد تخليت عن مبادئ جون مكين وأوكرانيا الحرة لأن ترامب طلب هذا مني. لكنني فزت بمباراة جولف في ملعب (ويست بالم بيتش) الخاص بترامب. فهل لا يزال بإمكاني المشاركة في برنامج «لقاء مع الصحافة»؟

والهدية الأخيرة تكون مصحوبة بحذاء تنس يحمل علامة ترامب التجارية، وبضمان ترامب واختبار من جراهام شخصيا، ليكون أسرع حذاء في السوق للفرار من حليف أو خصم أو أي شيء سبق لك قوله انطلاقا من مبدأ.

والأفكار لا تنتهي، لأن حزب ترامب الجمهوري أصبح بلا قاعدة. وهو يبدي الآن عزما لانهائيا على الاشتراك في أي شكل من أشكال أكل الموتى، ولعق الأحذية، والطعن في الظهر، للبقاء في جنته مهما كان من مدى جنون ما يطلبه أو أنانيته أو منافاته لطبيعة أمريكا. يقرر ترامب التخلص ببساطة من أوكرانيا؟ مع السلامة يا زيلينسكي. ترامب يقرر إهمال أشهر من العمل بين الحزبين لصياغة صفقة كبيرة لإصلاح قوانين الهجرة؟ انتهت، دونما طرح أسئلة.

لم أر قط في حياتي كل هذا الكم من البشر في حزب واحد يتصرفون بهذا القدر الضئيل من الاحترام لأنفسهم ولمصالح الأمة في وقت واحد.

لنلق نظرة على أوكرانيا. أنا لا أناصر حربا بلا نهاية في أوكرانيا. وعلينا دائما أن ننقب عن احتمال تسوية تفاوضية بين كييف وموسكو. ولقد أظهر العام الحالي لأمريكا وأوربا أمرين: لن يستطيع الغرب أن يستمر في صب النقود في أوكرانيا تمويلا لحالة جمود، ويبدو الانتصار الواضح لأي من أوكرانيا أو روسيا أبعد منالا من ذي قبل.

لكن سبيل التوصل إلى تسوية تفاوضية لائقة لا يكون بقطع المعونات عن كييف بلا تمهيد، وهو النهج الذي يناصره جوهريا الكثير من الجمهوريين في مجلس النواب وبعضهم في مجلس الشيوخ. فهذا ليس عارا وحسب لكنه أيضا جنوني من الناحية الاستراتيجية. والسبيل الوحيد إلى التوصل إلى صفقة الآن أو في المستقبل، وأعني صفقة تكون في صالح أوكرانيا وفي صالح الغرب، هو بتجديد تأكيد مساعدتنا العسكرية والاقتصادية لكييف مع مضاعفة الجهد الدبلوماسي لإنهاء الحرب.

نعم، هذا عمل مخاتل، وهكذا هو إنهاء الحروب على الدوام. سوف يتحتم تقديم بعض التنازلات من كلا الجانبين. وذلك يعني، في رأيي، وفي الحد الأدنى، أن تخرج أوكرانيا من هذه الحرب بطريق واضح لعضوية الاتحاد الأوروبي. ولو أن أوكرانيا، بجيشها المتطور، وقدرتها الزراعية العملاقة وقطاعها التكنولوجي الشاب المزدهر، قدرت على الانضمام يوما ما إلى الاتحاد الأوروبي، فإن ذلك يجعل أوروبا الكاملة الحرة أقرب إلى الواقع ويجعل الاتحاد الأوروبي لاعبا أقوى في المسرح العالمي، داعما للديمقراطية وللسوق الحرة وللتعددية ولسيادة القانون. وذلك خير لنا.

ولو أن ثمن ذلك هو أن تتنازل أوكرانيا عن بعض مقاطعاتها الشرقية الناطقة بالروسية وتعتمد لوقت على الضمانات الأمنية واستمرار الأسلحة من أمريكا وأوروبا -بدلا من عضوية رسمية في الناتو- فسوف نتعامل مع ذلك. لأن أوكرانيا بوجودها في الاتحاد الأوروبي، حتى بدون مقاطعاتها الشرقية، سوف تصبح قوة حقيقية.

أما روسيا مع بوتين فليست كذلك كثيرا. قد يكون بوتين راميا إلى وضع سلاح نووي في الفضاء وإنفاق أكثر من مئة مليار دولار على الحرب الأوكرانية، لكن في ظل أن بنيته الأساسية على الأرض تتداعى فإن المزيد والمزيد من الروس يتجمدون في البيوت هذا الشتاء.

ولقد قال بوريس ناديجدين، المرشح الرئاسي القديم الذي حاول الترشح ضد بوتين، إن «المدن تتجمد، فذنب من هذا؟». ونقلت عنه فايننشال تايمز أخيرا قوله إن «كميات هائلة من النقود أنفقت وخصصت لعملية عسكرية خاصة وكان يمكن استثمارها في تحسين جودة حياة إخواني المواطنين».

لن يتسنى التوصل إلى اتفاقية لائقة للأوكرانيين في حال سمحنا لترامب وحزبه بنزع قابس المساعدات لكييف الآن. فالجيش الأوكراني الآن -بحسب ما أفادت تقارير لزملائي في نيويورك تايمز الأسبوع الماضي- «مشتبك في قتال يائس لصد الهجوم الروسي، وعلى طول جبهة ممتدة لستمائة ميل، أوكرانيا تعاني نقصا في الذخيرة بدون تجديد المساعدة العسكرية الأمريكية، وتناضل من أجل تجديد قواتها المنهكة بعد عامين من القتال الضاري».

ولا ينتابكم الشك في أننا لو سلمنا أوكرانيا فإن وجهة بوتين التالية يمكن أن تكون دول البلطيق أو بولندا. والاثنتان من أعضاء الناتو، بما يعني أننا مضطرون بموجب المادة الخامسة في معاهدة الناتو على الدفاع عنها بجنودنا وخزانتنا. وإذن فتسليم أوكرانيا الآن قد يكون من أبهظ أفعالنا تكلفة.

ومثلما قال ألكسندر جابويف، مدير مركز كارنيجي أوروآسيا في روسيا، أخيرا عن بوتين في فايننشال تايمز: «مع غياب ضوابط تحد قدرته على اقتراف أخطاء قاتلة، وإحاطة الحاكم الروسي المسنّ نفسه بمتملقين، فإنه قد يشرع في خطوات طائشة في السنين القادمة تفوق أي شيء مما شهدناه حتى الآن. ولو أن الكرملين يعتقد أنه لا توجد قوة غربية كبيرة تمتلك الموارد والإرادة للمحاربة من أجل حلفاء صغار مثل دول البلطيق، فقد يكون من المغري اختبار التزام مادة الناتو الخامسة بالدفاع الجماعي». وبخاصة إذ «يخلق خطاب ترامب وهما بأن أمريكا لن تتدخل في حال استعمال بوتين القوة العسكرية لتقسيم الناتو» حسبما أضاف.

إننا نشهد مدرستين في السياسة الخارجية الأمريكية في ما يتعلق بأوكرانيا. واحدة هي نهج القوة العظمى الأمريكي الكلاسيكي، بقيادة رئيس نضج في الحرب الباردة وبنى على أساس قيم أمريكا ومصالحها التي أحسنت خدمتنا منذ أن دخلنا الحرب العالمية الثانية: سنتفاوض نحن وحلفاؤنا مع بوتين، ولكن من موقع القوة وحده، وليس من موقع الضعف. وقوتنا ليست مستمدة فقط من مالنا وسلاحنا ولكنها مستمدة أيضا من حقيقة أن بايدن لا يزال قادرا على جمع ائتلاف غربي بشأن أوكرانيا يضاعف قوة الولايات المتحدة وحلفاءها عشر مرات.

ترامب في المقابل كثيرا ما يتصرف وكأنه تعلم السياسة الخارجية لا في وارتن وإنما عبر مشاهدة مباريات المصارعة العالمية. فالكثير للغاية مما يفعله استعراضي، يريد به إظهار القوة، وحدَّة الكلام والضربات الزائفة التي تنطلي على الجميع ما عدا أعدائنا.

فعلى سبيل المثال، أطاح ترامب باتفاقية إيران النووية في مايو 2018، زاعما أنها كانت هبة من باراك أوباما. لكنه فعل ذلك بلا خطة دبلوماسية لتأمين صفقة أفضل أو خطة استراتيجية أو حلفاء يواجهون إيران إذا ما استغلت خطوة ترامب لمزيد من التقدم إلى القنبلة النووية. ولذلك فإن إيران التي بقيت في ظل حكم أوباما على بعد قرابة عام من امتلاك مواد انشطارية كافية لصنع قنبلة نووية هي الآن على بعد أسابيع قليلة. وهذا ما تثمره الدبلوماسية الاستعراضية.

وقد حدث ذلك قبل أن يدرك حلفاؤنا ضآلة ما يعرفه ترامب أو ضآلة تقديره للتحالف الغربي. وفي المرة التالية، لن يثق به أحد، ولذلك فإن استراتيجية «أمريكا أولا» الترامبية ستنتهي بصورة شبه يقينية إلى أمريكا وقد باتت وحدها. ولو أنكم تحسبون اليوم أن مساعدة أوكرانيا باهظة التكلفة، فجربوا الدفاع عن أمريكا ضد روسيا والصين وإيران، وذلك ونحن وحدنا تماما.

إنني أخشى مما يحمله المستقبل، يا إخواني الأمريكيين، لأن ترامب زائف، وكذلك ليندسي جراهام، ولأن الحزب الجمهوري بات جماعة بلا منصة متماسكة إلا السرير الذي ينام عليه ترامب، أي أنه أيضا زائف. وليس من هؤلاء من سيقاتل من أجل أي شيء، عدا البقاء في جنة ترامب بقول ما يأمر ترامب بقوله.

كلهم واقعون في شرك الاستعراض المهلك الذي لا علاقة له بالعمل من أجل مصالحنا. الأمر كله استعراض من أجل ترامب وقاعدته وحصوله على المزيد من التفاعل في وسائل التواصل الاجتماعي والمزيد من التبرعات والمزيد من الأصوات، والفوز بالانتخابات ثم الاستعراض من جديد من أجل المزيد من التفاعل في وسائل التواصل الاجتماعي. وهكذا دواليك، واللعنة على العالم الفعلي.

زيف في زيف. أعداؤنا فقط هم الحقيقيون.