جائزة نيفيل تشامبرلين لترامب
24 نوفمبر 2025
ترجمة: أحمد شافعي
24 نوفمبر 2025
أخيرا، وبعد طول انتظار قد يحصل الرئيس ترامب على جائزة سلام تضمن له مكانًا في التاريخ، غير أنها لسوء الحظ ليست جائزة نوبل للسلام التي يتوق إليها، بل هي «جائزة نيفيل تشامبرلين للسلام» التي يمنحها التاريخ لزعيم البلد الأكثر بيعًا لحلفائه وقيمه أمام طاغية عدواني.
ويجدر بهذا الجائزة أن يتقاسمها وزراء خارجية ترامب الكثيرون ـ أي ستيف ويتكوف وماركو روبيو ودان دريسكول ـ الذين تفاوضوا مجتمعين على استسلام أوكرانيا لمطالب فلاديمير بوتين دونما استشارة لأوكرانيا أو للحلفاء الأوروبيين، ثم قولهم لأوكرانيا: إن عليها أن تقبل الخطة بحلول «عيد الشكر»، أي الخميس القادم.
وفي حال إرغام أوكرانيا حقًا على الاستسلام لشروط «الصفقة» المحددة بحلول هذا التاريخ فلن يكون عيد الشكر إجازة أمريكية كما هو، وإنما سيصبح إجازة روسية. سيصبح يوم الشكر على النصر في حرب بوتين الهمجية غير الشرعية ضد شعب أوكرانيا التي حققت فشلا ذريعا ـ على المستوي الأخلاقي والعسكري والدبلوماسي والاقتصادي ـ وهو نصر لم يتحقق لروسيا لتفوقها في السلاح أو لعدالة مطالبها، وإنما تحقق لها على يد الإدارة الأمريكية.
ترى ما معنى «عيد الشكر» باللغة الروسية؟
إلى جميع السادة الذين أهدوا هذا الديك الرومي لموسكو.. ليس لديَّ من أجلكم إلا نصيحة واحدة: لا تتوهموا. لن يكون أي من فوكس نيوز أو متحدثة البيت الأبيض كارولين ليفيت هما كاتبا تاريخ هذه الصفقة. ولو أنكم فرضتموها على أوكرانيا كما تفعلون فكل اسم من أسمائكم سوف يكلله العار بجانب اسم تشامبرلين الذي لا يتذكره التاريخ اليوم إلا بأمر واحد: أنه كان رئيس وزراء بريطانيا الذي ناصر سياسة الاسترضاء الرامية إلى اجتناب الحرب مع ألمانيا في ظل حكم أدولف هتلر من خلال الاستسلام لمطالبه.
وقد تجسد هذا في اتفاقية ميونخ 1938 التي سمح فيها تشامبرلين وآخرون في أوروبا لألمانيا بأن تضم أجزاء من تشيكوسلوفاكيا.
لقد تباهى تشامبرلين بأنه ضمن «السلام في عصرنا». وبعد سنة تعرضت بولندا للغزو، وبدأت الحرب العالمية الثانية بما أفضى إلى استقالة تشامبرلين وبقاء اسمه مكللا بالعار إلى الأبد.
وسوف تفعل خطة ترامب ـ حال تنفيذها ـ معادل ذلك في العصر الحديث؛ فبمكافأة بوتين على غزوه المجاني لأوكرانيا بناء على هوسه بأن يجعلها جزءا من روسيا الأم سوف تضع الولايات المتحدة الاتحاد الأوروبي كله تحت رحمة بوتين. وسوف تكون رسالة ترامب لحلفائنا واضحة: لا تستفزوا بوتين؛ فطالما أنا القائد الأعلى لن تدفع الولايات المتحدة ثمنًا، ولن نحتمل عبء الدفاع عن حريتكم.
ولهذا؛ ففي حال فرض هذه الخطة على أوكرانيا سوف نحتاج إلى اشتقاق فعل من اسم ترامب لكي نضيفه إلى المعجم الدبلوماسي بمعنى: قيام رئيس أمريكي بالبيع بناء على أسباب لا يفهمها أحد من مواطنيه (ولو أن هناك أسبابًا ولا شك). ولن ينسى التاريخ أبدا الرجال الذين فعلوا ذلك ـ وهم دونالد ترامب، وستيف ويتكوف، وماركو روبيو، ودان دريسكول ـ؛ لأن عارهم سوف يبقى خالدا.
ومثلما جاء في افتتاحية لوول ستريت جورنال يوم الجمعة: «قد يتصور الرئيس ترامب أن بوسعه أخيرا أن يغسل يديه من أمر أوكرانيا في حال رفض أوروبا وأوكرانيا عرضه؛ فقد سئم فعلا من التعامل مع الحرب، لكن استرضاء الرئيس بوتين سوف يسيطر على بقية رئاسته.
ولو أن الرئيس ترامب يظن أن الناخبين الأمريكيين يكرهون الحرب فلينتظر حتى يعلم كم تبلغ كراهيتهم للعار؛ فإبرام صفقة سيئة في أوكرانيا سوف يوجه رسالة إلى أعداء الولايات المتحدة مفادها أن بوسعهم الاستيلاء على ما يريدون بالقوة أو بالابتزاز النووي أو بالاستمرار في الضغط إلى أن تفقد أمريكا اهتمامها».
هذا، ولست معارضا على الإطلاق لأي حل تفاوضي. بل إنني في واقع الأمر منذ بداية الحرب أوضح أنها لن تنتهي إلا بـ«صفقة رديئة»، لكنها لا يمكن أن تصل إلى حد أن تكون صفقة قذرة، وخطة ترامب هي ما سيسميه التاريخ صفقة قذرة.
حتى قبل الخوض في التفاصيل الأساسية تصوروا عبثية أن يبرم ترامب صفقة مع بوتين دون أن تتضمن المفاوضات أوكرانيا أو حلفاء أوروبيين إلى أن تكتمل تقريبا. ثم يعلن ترامب أنه لا بد من قبولها بحلول يوم الخميس، وكأن الرئيس زيلينسكي ـ وبرلمانه الذي ينبغي أن يظفر بموافقة منه ـ قادر على أن يفعل ذلك بحلول هذا الوقت إن كان أصلا يريد ذلك.
ومثلما قال زميلي في نيويورك تايمز ديفيد سانجر في تحليله لمحتوى الخطة: «كثير من النقاط الثماني والعشرين في خط السلام الروسي الأوكراني المقترحة من البيت الأبيض تبدو وكأنما صيغت مسودتها في الكرملين. وتكاد تعكس كل مطالب الرئيس بوتين القصوى».
سيكون على أوكرانيا أن تعطي لروسيا رسميًا الأرض التي أعلنتها لنفسها في منطقتي دونيتسك ولوجانسك بشرق أوكرانيا، وستعترف الولايات المتحدة بهذه الأراضي أراضي روسية. ولن يتسنى تمركز قوات تابعة للناتو في أوكرانيا لضمان ألا تغزوها روسيا مرة ثانية. ويكون الحد الأقصى للجيش الأوكراني هو ستمئة ألف فرد، أي 25% من مستوياته الحالية، وسيحظر عليه امتلاك أسلحة بعيدة المدى يمكن أن تطال روسيا. وتتلقى كييف ضمانات مبهمة من الولايات المتحدة بعدم وقوع أي غزو روسي جديد، لكن من في أوكرانيا أو في موسكو سيثق في هذه الضمانات وهي مقدمة من ترامب؟
وبموجب خطة ترامب سوف يتم توجيه مائة مليار دولار من الأصول الروسية المجمدة في جهود تقودها الولايات المتحدة لإعادة بناء أوكرانيا والاستثمار فيها، ثم تتلقى الولايات المتحدة 50% من أرباح هذه الاستثمارات. (نعم، نحن نطالب بنصف أرباح تمويل إعادة إعمار بلد مدمر).
وفي مواجهة انتقادات مريرة من حلفائه ومن الكونجرس ومن أوكرانيا قال ترامب يوم السبت: إن هذا ليس «العرض الأخير»، وأضاف أنه في حال رفض زيلينسكي القبول بهذه الشروط «فإن بوسعه أن يواصل بذل أقصى جهده الضئيل». وكشأن ترامب دائما فهو حاضر في كل مكان، ومستعد كدأبه للضغط على زيلينسكي الذي يقاتل من أجل حرية بلده، لا على بوتين الذي يحاول أن يسلب أوكرانيا حريتها.
فأي شكل ذلك الذي يمكن أن تتخذه صفقة رديئة مقبولة؟
من شأن صفقة رديئة مقبولة أن تجمد القوات في مواضعها، لكنها لا تتنازل رسميا عن أي أرض أوكرانية، وأن تصر على تمركز قوات أمن أوروبية بدعم لوجستي من الولايات المتحدة بطول خط النار لتكون حدا رمزيا أمام أي غزو روسي جديد، وأن تطالب روسيا بدفع قدر كبير من المال لتغطية جميع المجازر التي ألحقتها بأوكرانيا ـ وتبقي موسكو معزولة تحت العقوبات إلى أن تفعل ذلك ـ، وتحتوي التزاما من الاتحاد الأوروبي بالاعتراف بأوكرانيا عضوًا فيه فور أن تكون مستعدة لذلك دونما تدخل من روسيا.
والنقطة الأخيرة حيوية؛ لأنها تبقى الشعب الروسي مرغمًا إلى الأبد على النظر إلى إخوتهم السلافيين الأوكرانيين وقد باتوا جزءا من الاتحاد الأوروبي المزدهر بينما هم عالقون في قبضة حكم بوتين (الكلبتوقراطي). وهذا التناقض هو أشد عقاب لبوتين على حربه وهو الشيء الذي سوف يتسبب له في أكبر المتاعب بعد انتهاء الحرب.
ستكون هذه صفقة رديئة يمكن أن يثني التاريخ على ترامب بسببها؛ بوصفه استطاع استغلال ورقة غير مثالية من خلال استغلال النفوذ الأمريكي على كلا الجانبين، كما فعل في غزة.
أما استغلال النفوذ الأمريكي على أوكرانيا وحدها فصفقة قذرة، واستسلام منا لزعيم روسي يلعب أوراقه بطريقة شديدة السوء.
وفي لعبة البوكر ثمة كلمة للتعبير عن ذلك كله: الخسارة.
