توجهات التواصل الاجتماعي في العام 2026

27 ديسمبر 2025
27 ديسمبر 2025

يُظهر تقرير (الرقمية 2026: نظرة عالمية عامة) أن هناك الآن أكثر من 6 مليارات مستخدم للإنترنت عبر العالم، وأن 2 من كل 3 أشخاص على وجه الأرض يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي كل شهر؛ حيث شهد استخدام الإنترنت عموما زيادة بنسبة 5% خلال العام 2025، وقد رافقه تصاعد في نمو استخدام كافة منصات وسائل التواصل الاجتماعي. والمدهش هنا أن التقرير يكشف أن (العثور على المعلومات) لا يزال أهم سبب للناس لاتصالهم بالإنترنت؛ إذ يمثل الشغف إلى المعرفة والأفكار والإلهام السبب الأبرز لمضيِّهم الوقت في المنصات المختلفة إضافة إلى أسباب التواصل مع الأهل والأصدقاء. 

يرجع التقرير ذلك إلى أن السلوكيات الرقمية في العالم تتطوَّر من حيث الوعي بأهمية منصات التواصل الاجتماعي والإنترنت بشكل عام. اللافت هنا أن الصفحات الشخصية التي ظهرت خلال هذه المنصات قدَّمت (تجربة متميِّزة ومقنعة) الأمر الذي يكشف الوعي العالمي بأهمية التحولات الرقمية، وقدرة هذه المنصات على الإفادة في مناحي الحياة سواء أكانت اجتماعية، أم اقتصادية أم غير ذلك بناء على طريقة استخدامها، وتعظيم إمكاناتها بما يفيد المستخدمين، ويُسهم في تحقيق أهداف المجتمعات. 

إن ذلك الوعي العالمي اليوم يفتح آفاق الاستفادة من التطورات التقنية الهائلة التي يمكن أن تمثِّل منطلقا لهُويات مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، والكشف لمدى فهمهم لغايات هذه المواقع والإمكانات التي يمكن أن تقدمها إذا استخدمت بشكل واع. ولعل ما تقدمه التقارير العالمية خاصة تلك التي نشرتها مؤسسة (ميلت واتر) (Meltwater) خلال الأشهر القليلة الماضية تكشف تحولات الاستخدام القائم على الاستفادة منها في التسويق الإلكتروني، ودعم المؤسسات الخيرية، وكذلك التواصل المجتمعي العائلي. 

فلقد شكَّلت وسائل التواصل الاجتماعي خلال العام المنصرم أساسا جوهريا في استثمار الشركات، ودعم التوجهات المؤسسية باعتبارها منصات تسويق وتجارة إلكترونية؛ حيث يخبرنا تقرير (الحالة العالمية لوسائل التواصل الاجتماعي 2026) أن المشهد الرقمي يستمر في الخضوع للعديد من المتغيرات على رأسها انتشار برامج الذكاء الاصطناعي، ووسائل التواصل الاجتماعي. إلاَّ أنه رغم التدفق المستمر والتحوُّل الرقمي المتسارع فإن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ما زال يرتفع بشكل مطَّرد ليصل إلى 5.66 مليار في عام 2025 بزيادة قدرها 4.5 على أساس سنوي. واللافت هنا أن التقرير يكشف القوة الشرائية الكامنة خلف هذه الزيادة؛ حيث يستخدم 72% من مستخدمي الإنترنت وسائل التواصل الاجتماعي للبحث عن العلامات التجارية. 

ولهذا فإنه من المتوقع أن يستمر هذا التصاعد خلال العام 2026، غير أن استطلاع التقرير يكشف أن نسبة كبيرة من المستهدفين عبَّروا عن عدم اليقين بشأن مستقبل برامج شركاتهم في صفحات وسائل التواصل الاجتماعي. وعلى الرغم من أن إجمالي الشركات التي تتطلع للاستثمار قد انخفض، إلاَّ أن هناك 31% منها يأمل زيادة موازنات استثماره في تلك الصفحات، فهي وسائل ما زالت ناجعة لزيادة الوعي بالعلامات التجارية، ونجاح الوصول إلى العملاء المحتملين. 

إن الاتجاهات التي يظهرها التقرير ترتكز على ذلك الاستثمار الذي تقدمه الشركات في وسائل التواصل الاجتماعي باعتباره قوة إعلانية وأدوات تواصل فاعلة مع المستهلك، غير أن الاستثمار في منصة قيادة الفكر في لينكدن ظهر بشكل أقل، الأمر الذي يدفع إلى التفكير في أسباب الإقبال على وسائل التواصل الاجتماعي الأقل تخصصية والأكثر ميلا إلى الفردية؛ فمنصة إكس والتيك توك وغيرها تُعد أكثر شعبية بين المستخدمين مدفوعة بإقبال الشباب خاصة من جيل زد وجيل الألفية. 

ولذلك فإن هذه المنصات اليوم تمثِّل قوة استثمارية وتسويقية مهمة على مستوى العالم تعتمد في إنتاج محتواها على الثقة المتبادلة مع الجمهور. ومع انفتاح هذه المنصات وتسارع منصات الذكاء الاصطناعي وقدرتها على الإنتاج فإن محور التحدي الذي تركِّز عليه مجمل التقارير التقنية في توجهات العام القادم هو (الأصالة) باعتبارها أساسا للمحتوى الرقمي والعلامات التجارية سواء على مستوى الصور والفيديوهات أو على مستوى النصوص الأمر الذي يتطلَّب بذل الجهد من قِبل المبدعين للتصميم والإنتاج، وكذلك البحث عن المحتوى النصي الذي يقدِّم الحقائق والبيانات الصادقة. 

إن هذا التوجه العالمي في التركيز على الاستفادة من إمكانات منصات التواصل الاجتماعي لم يأتِ سوى من تلك التحديات والمخاطر التي حُذر منها طوال السنوات الماضية الأمر الذي يجعل من مستخدمي هذه المنصات أكثر قدرة على الإبداع، والحث على الابتعاد عن المحتوى الركيك الذي لن يمثِّل إمكاناً وكشفا لقدرتهم بقدر ما يجعلهم عاجزين عن المضي قدما في تطوير مواقعهم من ناحية، وإفادة مجتمعهم من ناحية أخرى. 

فتزايد أعداد مستخدمي الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي يكشف أهميتها في حياة المجتمعات، إلاَّ أن هذه الأهمية يجب أن يرافقها وعي وقدرة على تحمُّل المسؤولية الاجتماعية؛ فلم تعُد هذه المنصات من أجل التواصل مع العائلة والأصدقاء، أو للترفيه، أو للتغرير بالمجتمع واختلاق المشكلات والإثارة ولفت الانتباه، وإن كان هناك من يضِّيع جهده وطاقته لتلك الأهداف الهدامة، إلاَّ أن هذه المنصات اليوم تمثِّل أهمية على المستوى التجاري والتسويقي إضافة إلى أهميتها الاجتماعية والثقافية. 

إنها منصات تقدِّم فضاءات واسعة للإبداع والابتكار يجب العمل على تعظيم قيمتها من خلال المحتوى الرقمي الإيجابي والهادف الذي يكشف الوعي العميق والفكر المستنير لدى المستخدمين خاصة من فئات الناشئة والشباب الذين يتميزون بالطاقات الإبداعية على المستوى التقني. إن توجهات هذه المنصات للعام 2026 ترتبط مباشرة بمدى الوعي الذي يقدمه المستخدمون، بما يكشف إمكاناتهم، ويُسهم في تطوير مجتمعهم، ويدعم توجهاته وأهدافه. 

لذا فإن المحتوى الرقمي الإبداعي هو محور تلك التوجهات، وهو ما يقود التحولات التقنية الخاصة بمنصات التواصل الاجتماعي؛ ولذلك فإن الاستثمار الناجح هنا يرتبط بتلك المخرجات الإبداعية التي تنتجها عبر الوسائط المختلفة والمتعددة سواء عن طريق التبادلات الاجتماعية والثقافية، وأنماط التفاعل القائمة على الإيجابية، وتمثيل الثقافات، ونشر البيانات والمعلومات والآراء التي تدعم التطوير والتنمية إضافة إلى أهميتها في تعزيز أنماط التعلم والتدريب، وتبادل الخبرات، ودعم الهُويات المجتمعية الوطنية، وتعزيز دورها في مجالات السياحة والتجارة والإعلام وغير ذلك ما يعظِّم من إمكانات الإفادة منها. 

ولأننا مجتمع يتصف بالتطوُّر والانفتاح وحُرية الرأي، ويسعى إلى التمكين الإبداعي، وتعزيز الدور الإيجابي للتقنيات والمنصات؛ فإن علينا ألا نتأخر عن توجهات العالم. علينا الاستفادة من منصات التواصل الاجتماعي فيما يفيدنا ويفيد مجتمعنا، ويدعم توجهاتنا الوطنية، ويكشف مدى وعينا وقدراتنا الإبداعية. علينا أن ننظر إليها باعتبارها قيمة مضافة لما نقدمه من إبداعات تفيد مجتمعنا، وتقدم جوهرا للمواطنة الإيجابية التشاركية. 

عائشة الدرمكية باحثة متخصصة فـي مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة