بايدن تَبَنَّى رسوم ترامب الجمركية وذلك قد يؤذيه

17 أبريل 2024
ترجمة ـ قاسم مكي
17 أبريل 2024

ظل معدل التضخم في الولايات المتحدة أعلى من المتوقع للشهر الثالث على التوالي مما يوحي بأن بنك الاحتياط الفدرالي سيجد صعوبة في خفض أسعار الفائدة. هذا من شأنه أن يبطئ الاقتصاد وبالتالي يشكل خطورة على إعادة انتخاب الرئيس بايدن.

الاقتصاديون غير متأكدين من سبب استمرار التضخم. جزء منه يعود إلى الآثار المستمرة التي خلَّفتها الجائحة. لكن من الممكن جدا أن يُعزَى جزء آخر منه إلى حقيقة أن أحدَ ملامح السياسة الاقتصادية الأخيرة (لإدارتي ترامب وبايدن كلتيهما) مطالبةُ المستهلكين بدفع المزيد مقابل السلع والخدمات.

كلا الإدارتين الأمريكيتين عززتا الاقتصاد ببرامج مساعدات كبيرة في مواجهة الجائحة والتي دون شك أسهمت في الضغوط التضخمية. لكن بخلاف هذه الإجراءات التشريعية التي ربما ظهرت آثارها الآن في النظام الاقتصادي هنالك سبب آخر محتمل. دونالد ترامب كان لديه عدد قليل من الإنجازات المحسوسة إبان إدارته. لكن يمكن له أن يحاجج بتخليه عن عقودٍ من سياسة الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) حول الرسوم الجمركية. زاد ترامب هذه الرسوم على الصين وأيضا على العديد من أقرب حلفاء الولايات المتحدة في الغرب.

عندما كان بايدن مرشحا للرئاسة انتقد تلك الرسوم، لكن بعد توليه الحكم أبقى على معظمها. إضافة إلى ذلك تشددت إدارة بايدن في فرض بنود سياسة «اشترِ من أمريكا» ضمن تشريعات تقنِّن لإنفاق كبير مثل قانون خفض التضخم وقانون البنية التحتية. كل هذه السياسات تطلب من الأمريكيين دفع المزيد لتحقيق أهداف سياسية معينة هي تقليل الاعتماد على الصين وإيجاد المزيد من المرونة ودعم الطاقة الخضراء وتعزيز الصناعة التحويلية المحلية. حتى قانون خفض التضخم، كما أوضح ثلاثة اقتصاديين على نحو مقنع، أكثر تكلفة بحوالي خمسة أضعاف كوسيلة لخفض انبعاثات الكربون مقارنة بضريبة الكربون.

كل الأهداف السياسية التي يروج لها بايدن قد تكون مفيدة حقا لكنها مكلفة. ويتساءل المرء إذا ما كانت التكلفة تعني تضخما مرتفعا بشكل دائم.

الرسوم الجمركية هي الأكثر شناعة من بين كل هذه السياسات، وعلى الرغم من أن خطاب ترامب يقول بعكس ذلك إلا أنها ضريبة على المستهلك. تقدر إدارة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية أن الأمريكيين دفعوا حتى الآن ما يزيد على 230 بليون دولار من هذه الضرائب. بالإضافة إلى ذلك تم تسليم عشرات بلايين الدولارات للمزارعين لتعويضهم عن خسائرهم في الصادرات الزراعية (نتيجة للرسوم الجمركية الانتقامية التي فرضتها الصين).

من الصعب أن تجد أي أحد يعتقد أن التعريفات الجمركية كانت فعالة، فهي لم تغير شيئا البتة من سياسات الصين وكلفت الاقتصاد الأمريكي أموالا ووظائف مفقودة. فوفقًا لمركز أبحاث السياسات الضريبية في واشنطن (تاكس فاونديشن) في كل عام تكلف الرسوم الجمركية اقتصاد الولايات المتحدة ما يقرب من 200 ألف وظيفة و0.25% من ناتجها المحلي الإجمالي أو ما قيمته حوالي 70 بليون دولار من الإنتاج السنوي. أو بعبارة أخرى، من شأن تشريع مجموعة متواضعة من سياسات تحرير التجارة اقترحها معهد بيترسون للاقتصاد العالمي في عام 2022 أن يخفض التضخم بحوالي 1.3%. وهي نسبة تشكل تقريبا 800 دولار من المدخرات لكل عائلة أمريكية.

وعد مكتب الممثل التجاري الأمريكي بمراجعة الرسوم الجمركية للحكم على فعاليتها. وهو يعكف على هذه المراجعة منذ حوالي سنتين. ولا يبدو أن ثمة نهاية وشيكة لها في الأفق على الرغم من المكتب ليس لديه ما يشغله هذه الأيام (بالنظر إلى تخليه عن مهمته الأساسية والمتمثلة في الترويج للتجارة). اعترف لي مسؤول كبير في الحكومة بالسبب وهو أن مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة إذا أقر بفشل الرسوم الجمركية سيتوجب عليه أيضا التوصية برفعها وهذا ما لا يريد فريق بايدن أن يفعله.

هنالك أيضا تكلفة على صعيد السياسة الخارجية للحمائية المتصاعدة في الولايات المتحدة. لقد اجتمع بايدن مع نظيره الياباني في الأسبوع الماضي في محاولة لتقوية التحالف بين الولايات المتحدة وواحدة من أقرب حليفاتها. مع ذلك أعلنت إدارته عن معارضتها الشديدة لشراء شركة يابانية شركة «يو إس ستيل» الأمريكية لإنتاج الصلب والتي ظلت تتعثر لسنوات وهي الآن مجرد ظل شاحب لعظمتها السابقة. تَعِد شركة الصلب اليابانية «نيبون ستيل» بالاستثمار في «يو أس ستيل» والوفاء بعقود العمل الخاصة بها والاحتفاظ بعامليها حتى عام 2026. إنها باختصار ستنقذ شركة أمريكية سيئة الأداء. لكن المظهر يبدو أكثر أهمية من الجوهر في نظر إدارة بايدن.

الاعتقاد السائد في السنوات الأخيرة أن أمريكا أفرغت قاعدة صناعتها التحويلية بتبنّي العولمة والكفاءة، وذلك بدوره قاد إلى صعود الشعبوية اليمينية.

لكن هذا الاعتقاد لا يصمد أمام التدقيق لأن بلدانا سعت إلى حماية العاملين واستثمرت بكثافة في إعادة التدريب كألمانيا وفرنسا شهدت أيضا ازدهارا للشعبوية اليمينية.

تدهور الصناعة التحويلية جزء من الصعود الاقتصادي للبلدان. لاحظوا حتى الصين التي كانت تُجِلُّ مصانعَها أكثر من أي شيء آخر شهدت تراجعا في صناعاتها التحويلية كحصة من اقتصادها من 32% في عام 2011 إلى 28% في عام 2022.

تعوَّد الناس حول العالم وخصوصا في أمريكا على تراجعات مثيرة في التكلفة التي جلبتها لهم العولمة خلال العقود الثلاثة الماضية. فتكلفة الملابس والأدوات المنزلية والاتصالات والسفر الجوي كلها انخفضت بشدة في تلك الفترة.

لقد أصبح من اليسير الانتفاع من هذه المكاسب وفي الوقت ذاته الشكوى من الجوانب السلبية للتجارة. لكن التضخم يصيب كل أحد وليس فقط النسبة المئوية الصغيرة من غير العاملين. وعندما يُجبر الناس على تحمُّل تكاليف ارتفاع الأسعار يميلون إلى انتقاد أولئك الذين يتولون السلطة. و يا لها من مفارقة إذا كانت السياسات التي أعدت للحد من تمدد الشعبويين ينتهي بها الأمر إلى معاقبة الساسة التقليديين بدلا عن ذلك.