التجارة المستترة.. معضلة الاقتصاد

04 سبتمبر 2023
04 سبتمبر 2023

تتعدد أشكال التجارة المستترة وطرق ممارستها إلا أنها تشترك في المفهوم الذي أوضح بأنها تمكّن غير المواطن في ممارسة الأعمال والأنشطة التجارية لمصلحته الشخصية رغم عدم وجود تراخيص رسمية تجيز له ممارسة ذلك، وتسهم كثيرا في تحفيز الاقتصاد الموازي الذي يقوم على أنشطة غير مرخصة بهدف عدم دفع رسوم التراخيص مما يربك احتساب بعض المؤشرات الاقتصادية مثل أعداد الباحثين عن عمل ومساهمة بعض القطاعات في الناتج المحلي الإجمالي إضافة إلى صعوبة احتساب حجم الاقتصاد الرسمي.

ورغم الجهود التي تبذلها بلدان العالم للحد من التجارة المستترة إلا أنها لا تزال تمارس في كثير من البلدان النامية خاصة في القطاعات التي تنشط فيها التجارة البينية بين الأشخاص مثل القطاع الزراعي عبر قيام الأيدي العاملة المقيمة ببيع بعض المنتجات الزراعية، وبالرغم من صعوبة ضبط المتورطين في التجارة المستترة وذلك لتعدد أشكالها وطرق ممارستها، بات من الضروري ابتكار طرق جديدة لضبط المواطنين المساهمين في تفشي ظاهرة التجارة المستترة، وذلك لحماية المجتمع من الأضرار الناجمة عن تفشي هذه الظاهرة مع زيادة عدد جرعات التوعية والتثقيف حولها في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.

في هذا المقال سأركز على التجارة المستترة التي يكون المواطن فيها متسترا على المقيم لممارسة الأعمال والأنشطة التجارية، وخاصة تلك الأعمال ذات التكلفة المالية المنخفضة والدخول المنخفضة ويقوم العامل المقيم بممارستها والاشتغال عليها. حقيقة رغم الجهود الحكومية المبذولة للقضاء على ظاهرة التجارة المستترة؛ إلا أن فاعليتها تتطلب جهودا أخرى تكاملية من قبل المواطنين للحد من هذه الظاهرة التي تسهم في إنعاش الاقتصاد الموازي وتربك عملية احتساب مؤشرات الاقتصاد الرسمي، وهذه الجهود يجب أن تبدأ بالرفض القاطع لفكرة أن يقبل مواطن بأن يكون متسترا على عامل مقيم، بل ينبغي عليه إبلاغ الجهات المختصة في حال إلحاح العامل المقيم للتستر عليه، وما يزيد الأمر خطورة هو طرق الإقناع التي يقوم بها العامل المقيم، وتكون غالبا مغرية مثل ضمان توفير موارد بشرية دون دفع تكلفة الاستقدام وتحمل تكلفة تخليص المعاملات ودفع التراخيص اللازمة للبدء في المشروع التجاري في المقابل يحصل المواطن على مبلغ رمزي شهريا وربما يراه مبلغا كافيا ومغريا، كونه لم يسهم ولو بريال واحد، وهناك طرق أخرى ينتهجها العامل المقيم للحصول على مواطن يتستر عليه وما ذكرته هو مثال واحد فقط، وكلنا أمل أن يدرك المواطن خطورة التجارة المستترة على الاقتصاد الوطني وآثارها السلبية التي تتلخص في تشغيل الأيدي العاملة السائبة أو الهاربة، وتزايد حالات الغش التجاري بسبب عدم وجود ضمانات بين البائع والمشتري تكفل حقوقهما وواجباتهما من السلع المباعة والمشتراة أو من الخدمات المقدمة، والتأثير على سوق العمل من خلال عدم وجود إحصاءات دقيقة بأعداد الباحثين عن عمل وإحصاءات صحيحة بعدد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

كذلك تؤدي التجارة المستترة إلى المنافسة غير المتكافئة مع رواد الأعمال والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتساعد على التهرب الضريبي وذلك بعدم وجود قوائم مالية توضح حجم التدفقات النقدية لأعمال التجارة المستترة وذلك بسبب عدم توفّر حسابات بنكية توضّح الإيرادات والنفقات؛ فالقرار الوزاري رقم (412 /2023) الذي أصدرته وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار بشأن مكافحة التجارة المستترة أوضح في مادته رقم 7 بأنه يجب على كل شخص يصل إلى علمه قيام أي شخص بالتجارة المستترة إبلاغ الوزارة فورا وهنا تبرز خطورة هذه الظاهرة ووجوب مكافحتها بأي شكل من الأشكال.

ونظرا لضرورة القضاء على التجارة المستترة حتى لا تنتشر في المجتمع أو ينتهجها البعض وسيلة للحصول على دخل شهري إضافي غير قانوني فإن وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار أجازت تكليف بعض موظفيها المختصين بمراقبة المنشآت والتأكد من أحكام تطبيق القرار واتخاذ ما يلزم من إجراءات إزاء المخالفات المرتكبة.

إن عزم وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار في مكافحة التجارة المستترة لم يقتصر على الكشف عن مآربها وممارسيها وحسب بل حدّدت مخالفات وجزاءات صارمة في حال عدم الالتزام بأحكام القرار الوزاري بشأن مكافحة التجارة المستترة، وفي ظني أن الوزارة لا تسعى فقط لمكافحة هذه الآفة الاقتصادية فقط، بل تأمل في وقاية أفراد المجتمع عموما وروّاد الأعمال والراغبين في تأسيس مشروعات تجارية خصوصا من مضار التجارة المستترة، وذلك من خلال تحديد بعض الجزاءات الصارمة وفقا للقرار الوزاري الذي حدّد 4 جزاءات في حال عدم الالتزام بالقرار، وهي شطب النشاط من السجل التجاري وفرض غرامة إدارية مقدارها 5000 ريال عُماني وتضاعف إلى 10000 ريال مع وقف النشاط في السجل التجاري لمدة 3 أشهر وتضاعف إلى 15000 ريال مع وقف النشاط في السجل التجاري لمدة عام، وهنا نستطيع القول إن وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار ستنجح في إجراءاتها لمكافحة التجارة المستترة كون أن العقوبة صارمة مما يجعل الشخص في حال رفض تام لأي مشروع تجاري غير قانوني أو التستر على شخص آخر وإن كان المبلغ المتحصل عليه شهريا مجزيا.

أخيرا.. أنصح كل شخص أن يبادر للتخلص من التستر على الأشخاص بهدف الحصول على منفعة مادية شهرية وإن كانت مجزية، وإن لم يفعل فهو شريك في انتشار ظاهرة التجارة المستترة؛ فوزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار أوضحت من خلال القرار الوزاري رقم (412 /2023) بشأن مكافحة التجارة المستترة في المادة رقم (12) بأنه يجوز للوزارة تخفيف الجزاءات المنصوص عليها في القرار أو الإعفاء منها إذا بادر المتستر أو المتستر عليه بالإبلاغ عن حالة التستر، وهذه بحد ذاتها رسالة اطمئنان لكل من أراد التخلص من التستر على الأشخاص.