الاقتصاد العُماني والسياسات الاقتصادية

03 يوليو 2023
03 يوليو 2023

تبذل سلطنة عمان جهودا كبيرة في تنظيم أمورها الاقتصادية وتعزيز مركزها المالي بهدف إرساء قدر أكبر من المرونة في مواجهة تقلبات أسعار النفط العالمية ولتكون وجهة استثمارية جاذبة على المدى القريب والمتوسط، وبفضل الإصلاحات المالية والسياسات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة حديثا لتحقيق التوازن المالي خلال السنوات القادمة أدى ذلك إلى تجويد الإنفاق الحكومي وتعظيم الإيرادات وتوجيه الإنفاق نحو المصروفات الاستثمارية بدلا من المصروفات الاستهلاكية لتوفير بيئة استثمارية جاذبة على المستويين المحلي والخارجي، أيضا تواصل الجهات الحكومية المعنية تسهيل الإجراءات الحكومية وتبسيطها بهدف تذليل الصعاب وتسريع وتيرة الاستثمارات، ومع تحقيق المالية العامة للدولة مؤشرات إيجابية عبر تقليل نسبة الدين العام وتحسّن التصنيف الائتماني للاقتصاد العماني منذ 3 أعوام فإن ذلك يشير إلى نجاح السياسات الاقتصادية التي اتخذتها سلطنة عمان حديثا لتجاوز كافة التحديات الاقتصادية والمالية التي واجهت الاقتصاد العالمي عموما وتأثر بها الاقتصاد العماني خلال مرحلة تفشّي فيروس كورونا (كوفيد-19)، وقد اطلعت حديثا على مقالات عدة تحدّثت عن نجاح السياسات الاقتصادية التي انتهجتها سلطنة عمان لإعادة التوازن المالي للاقتصاد وساهمت في وقف ارتفاع الدين العام للدولة عبر تجويد الإنفاق الحكومي، ومن بين تلك المقالات، نشر عبر الموقع الإلكتروني لمعهد دول الخليج العربية في واشنطن مقال لروبرت موجيلنيكي بعنوان «سلطنة عُمان تسير في المسار الصحيح حتى الآن فيما يتعلّق بصُنع السياسات الاقتصادية»: فإن حكومة سلطنة عمان تدعم الاقتصاد العماني المتنوّع عبر إنشاء صندوق استثماري بقيمة 5.2 مليار دولار، أيضا أعلنت عن مدينة السلطان هيثم خلال الفترة الماضية؛ إذ من المتوقّع أن يحصل ما يصل إلى 100 ألف مواطن من منخفضي الدخل على وحدات سكنية وغيرها من الخدمات الأساسية، كذلك أوضح الكاتب بأن متوسط العجز المالي الإجمالي في المالية العامة لسلطنة عمان بلغ 12.8٪ من الناتج المحلي الإجمالي في الفترة من 2015-2020، ووصل إلى حوالي 3.6٪ في عام 2021. وتمتّعت عُمان بفائض في الميزانية بنحو 5٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022، وهو أول فائض للبلاد منذ عام 2013 إضافة إلى انخفاض نسبة إجمالي الدين العام للحكومة العُمانية إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 40٪ في عام 2022، مقارنة بـ 61٪ في عام 2021، وذلك بعد أن قفزت من 4٪ في عام 2014 إلى حوالي 70٪ في عام 2020، إضافة إلى قيام جهاز الاستثمار العُماني باتخاذ خطوات ممنهجة لتعزيز دخل الشركات المملوكة للدولة في البلاد وتعظيم إيراداتها، وتقليل أوجه القصور والهدر، أيضا قامت كل من وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية وستاندرد آند بورز العالمية برفع النظرة المستقبلية للسلطنة إلى إيجابية من مستقرة. وفي وقت سابق من العام، أصدرت عُمان سندات التنمية التي تمثّلت في الأدوات التي تمول مشاريع التنمية في خطط التنمية الخمسية للبلاد، إذ جمعت ما يقرب من 195 مليون دولار، وأن أسعار الطاقة المرتفعة أدّت دورًا مهمًا في هذه المؤشرات الاقتصادية الإيجابية لاقتصاد العماني، حيث قفز سعر خام برنت من 70.89 دولار للبرميل في عام 2021 إلى 100.94 دولار للبرميل في عام 2022، وتتوقع إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن تستقر الأسعار حول 78.65 دولار للبرميل في عام 2023 و74.47 دولار للبرميل في عام 2024. وسيتباطأ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي من 4.3٪ في عام 2022 إلى أقل من 2٪ في عام 2023.

وعلى الرغم من تباطؤ النمو في عام 2023 إلا أن صندوق النقد الدولي يتوقّع أن يرتفع النمو إلى 5.2٪ في عام 2024، بفضل الاستثمارات الضخمة في الهيدروجين ومصادر الطاقة المتجددة. فمن المتوقع أن تصبح سلطنة عمان واحدة من أكبر منتجي الهيدروجين الأخضر ومصدريه على مستوى العالم؛ إذ تولي اهتمامًا كبيرًا من شركات الطاقة الدولية والمستثمرين، وفي السياق نفسه، وقّعت شركة الهيدروجين العُمانية Hydrom، وهي شركة تابعة لشركة تنمية طاقة عُمان، اتفاقيات مع مطورين لمشاريع هيدروجين خضراء متكاملة واسعة النطاق تُقدر قيمتها بعشرات المليارات من الدولارات على مدى السنوات العديدة القادمة. وفي الوقت نفسه، تمضي الشركة العُمانية لشراء المياه والطاقة قدمًا في مشاريع كبرى في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، أيضا أشار الكاتب إلى أن سلطنة عمان تمتلك خيارات مختلفة لزيادة تدفقات الإيرادات غير النفطية بنسبة كبيرة من خلال التخفيضات الكبيرة في دعم الكهرباء والمياه أو زيادة الضرائب والرسوم. ومن الناحية العملية، ستتبنى الحكومة نهجًا شديد الحذر في تنفيذ أي جهود إصلاحية تؤثر تأثيرًا مباشرًا على الرفاه الاقتصادي للمواطنين والشركات.

يواصل الاقتصاد العماني وضعه المستدام في ظل الالتزام بالإجراءات المالية المتخذة وتحقيق الفوائض المالية جراء تعظيم الإيرادات المالية وتوجيهها لتقليل المديونية العامة للدولة، وسيواصل الاقتصاد النمو والازدهار بفضل الرؤية الحكيمة لمولانا جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- وتوجيهاته السديدة للنهوض بالاقتصاد العُماني إلى آفاق أرحب.

راشد بن عبدالله الشيذاني باحث اقتصادي