الأسماء التي يسميها أهل الهوية

21 يونيو 2022
21 يونيو 2022

عرفت البشرية الأسماء منذ خلق آدم عليه السلام، حيث بينت الآيات من سورة البقرة أن المولى عز وجل قد علم آدم الأسماء كلها في إعجاز منه سبحانه للملائكة عند خلقه لآدم مستخلفا إياه على الأرض. وتعتبر الأسماء تلخيصا للدلالة على الأشياء أيا كانت؛ أشخاصا أم مخلوقات أم جمادات بل وحتى ما قد يعد من علم الغيب. ويمكن القول إن وظيفة الأسماء تتلخص في قدرتها على اختزال المعاني المرتبطة بالمسمى، وأنها تختصر في المجمل ما يمكن أن يستخدمه الناس من توصيف للمسميات.

وللقارئ أن يقترب من ذلك المعنى عبر تصور بديل اسم أداة مثل القلم، فبدون وجود اسم القلم كان فإن أقرب البدائل المحتملة أن تتم الإشارة إليه على أنه الأداة التي تستخدم للكتابة باليد. وحتى مسمى اليد ذاتها والتي يمكن أن يشار إليها على أنها الجزء المعني بإمساك الأشياء في جسم الإنسان. بل وحتى مسمى الإنسان ذاته الذي يمكن الإشارة إليه على أنه الكائن العاقل الذي يمشي على قدمين ويسعى في إعمار الأرض. وما إلى ذلك من الأسماء والتوصيفات المحتملة للمسميات.

وبالرغم من أن شريحة كبيرة من المهتمين والمشتغلين بعلم الهوية المؤسسية تركز على الجانب البصري منها - ما يعرف بالهوية البصرية Visual Identity بما في ذلك الشعارات - إلى جانب اهتمام شريحة لا بأس بها منهم بالجوانب الاستراتيجية للهوية - أو ما يمكن تسميته بالهوية الاستراتيجية Strategic Branding - إلا أن هنالك مستوى أدنى من الاهتمام بدراسة العناصر المتعلقة بتسمية الهوية Brand Naming. في المقابل فإن تلك العناصر عادة ما تكون حاضرة بشكل بديهي - وليس علميا - في النقاشات التي تحدث عن التطرق لمشروعات وممارسات الهوية المؤسسية سواء كان ذلك متعلقا بتسمية شركات كبرى، أو منتجات تجارية، أو مبادرات وطنية، أو حتى تسمية شركات ناشئة في قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

إن بالإمكان القول بأن الجوانب المتعلقة بتسمية الهوية قد بلغت مستوى معينا من النضج على الصعيد العالمي ما يؤهلها لتكون مجالا للبحث والتخصص بالنسبة للمهتمين. وحيث إن هنالك العديد من الاقتصادات حول العالم التي تطور فيها قطاع الهوية المؤسسية بشكل عام؛ فقد صاحب ذلك التطور التخصصية والنضج المشار إليهما أعلاه. فبينما تسعى وكالات الهوية المؤسسية في العديد من الدول حول العالم إلى أن تصبح محطة واحدة للخدمة One-Stop Shop تقدم لمختلف شرائح المؤسسات كافة الخدمات المتعلقة بالهوية المؤسسية والإعلان والتواصل وغيرها، برزت في دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وكالات متخصصة في تسمية الهوية التجارية، لديها مقرات متكاملة وموظفون بدوام كامل ونماذج تشغيلية تجارية وأعداد متزايدة من المؤسسات التي ترغب في أن تميز منتجاتها ومشروعاتها بأسماء يخلدها التاريخ، أو على الأقل تعلق في أذهان الجمهور المستهدف في عصر الضوضاء المعلوماتية والمدى القصير للانتباه Short Attention Span وازدحام العلامات التجارية.

في عام 1993 قامت شركة إنتل المتخصصة في إنتاج معالجات الحواسيب وأشباه الموصلات بتطوير الجيل الخامس من معالج الحواسيب الشخصية. غير أن الشركة ارتأت أن منتجا مميزا وثوريا - آنذاك - يستحق اسما مميزا وثوريا كذلك، لذا فقد توجه القائمون على تسويق المنتج إلى شركة تدعى ليكسيكون Lexicon تأسست عام 1982 وتتخصص في تسمية الهوية، والتي بدورها أطلق الاسم الشهير للمعالج بينتيوم Pentium. وتروي الشركة قصة التسمية واصفة إياها بأنها كانت غاية في الصعوبة حيث يصعب أن يستوعب المتلقي اسما لجزء غير مرئي من الحاسوب الشخصي بحيث قد لا يتمكن المتلقي من تكوين أي مشاعر تجاهه. وتوضح الشركة أن الاسم هو مزيج بين كل من كلمة Penta وهو الرقم خمسة باللغة اليونانية (تعبيرا عن الجيل الخامس من معالجات إنتل) وكلمة ium التي عادة ما ترتبط بالعناصر الأساسية مثل الصوديوم والمغنيسيوم والتيتانيوم (إشارة إلى أهمية دور المعالج ضمن الحاسوب الشخصي). إلى جانب ذلك فقد عملت الشركة على تطوير الكثير من الأسماء المألوفة لدى الجمهور حتى في هذا الجزء من العالم، مثل تسمية أجهزة بلاكبيري وملطفات الجو فيبريز ومياه داساني وسيارات آوتباك من شركة سوبارو وشاشات بورتال من فيسبوك ومنصة ليفت لحجز سيارات الأجرة وسماعات سونوس الشهيرة ومؤخرا سيارات لوسيد الكهربائية وغيرها.

وتتبع الشركات المتخصصة في تسمية الهوية منهجية علمية تبدأ من البحوث المتعلقة بالمنتج ذاته والمنتجات المنافسة وتفضيلات الجمهور وآخر توجهات التسمية، إلى جانب الاستناد إلى علوم اللغويات والأبعاد الثقافية ذات الارتباط بالجمهور المستهدف، مرورا بأبحاث العلامات التجارية المسجلة وشهادات الملكية الفكرية وانتهاء بدراسة وتشخيص الإيقاعات الصوتية للأسماء والشعور الذي يتولد من قراءتها ونطقها وسماعها.

وتلخص شركة كاتشوورد المتخصصة هي الأخرى في تسمية الهوية الخصائص التي يجب توفرها في الأسماء الناجحة في أنها يجب أن تكون قابلة للتذكر سواء عبر ارتباطها بأبعاد تاريخية مثل سيارات تيسلا وآيسكريم هاجن داز ومنصة آسانا للعمل المشترك، أو الإيقاع الصوتي للأسماء بما يسهل حفظها واستذكارها. كما يشترط أن يكون الاسم فريدا ولا يشبه الأسماء الشائعة، وأن يكون محفزا للتفكر فيه، ومتناسبا مع شخصية هوية المؤسسة ككل وعلى مستوى جيد من الاستمرارية بحيث لا يرتبط بعوامل زمنية معينة، إلى جانب الاهتمام بسهولة التهجئة والنطق، والشكل العام لتركيبة الحروف والكلمات بما يخدم الهوية البصرية، إلى جانب مراعاة الأبعاد الثقافية للاسم.

وبالحديث عن أهمية العنصر الأخير يمكن الاستشهاد بالمسمى الذي أطلقته شركة ميتسوبيشي على سيارتها ذات الدفع الرباعي في الأسواق الناطقة باللغة الإسبانية «مونتييرو» والذي تمكن ترجمته إلى (محارب الجبل) في محاولة منها لتدارك الخطأ الفادح الذي ارتكبته باستخدامها للاسم العالمي للسيارة ذاتها «باجيرو» الذي أثار حفيظة جمهورها في تلك الأسواق لأنه وبكل بساطة كان يعني بالإسبانية: إخرس أيها البذيء!.

بدر بن عبدالله الهنائي عضو مجلس Forbes لخبراء التواصل