الاقتصاد العماني والجدارة الاستثمارية

15 ديسمبر 2025
15 ديسمبر 2025

عادت سلطنة عُمان مجددًا إلى مرحلة الجدارة الاستثمارية بعد أن تجاوز اقتصادها مرحلة صعبة من التحديات الاقتصادية والمالية المتتالية، التي امتدت إلى ما يقارب عقدٍ من الزمان، منذ أزمة انخفاض أسعار النفط عالميا عام 2014، وتعمّقت في عام 2020 مع تفشي مرض فيروس كورونا «كوفيد19».

وصول سلطنة عُمان إلى مرحلة الجدارة الاستثمارية في جميع التصنيفات الائتمانية لم يتحقق بمحض الصدفة أو بمجرد ارتفاع أسعار النفط رغم أنّها ما زالت في حدود 60 دولارا أمريكيا، وهي أقل بنحو 50% مقارنة بالأعوام قبل 2014 التي كانت الأسعار حينها تتجاوز الـ120 دولارًا أمريكيا.

لكن العودة مجددًا إلى مرحلة الجدارة الاستثمارية، رغم انخفاض أسعار النفط، يعد إنجازًا للاقتصاد العُماني، ومؤشرًا لنجاح الخطط المالية والاقتصادية وفاعليتها التي استطاعت أن تقود سلطنة عُمان واقتصادها إلى بر الأمان في مرحلة تشهد ضبابية في المشهد الاقتصادي والسياسي العالمي.

سلطنة عُمان الآن في المسار الصحيح بعد وصولها إلى الجدارة الاستثمارية؛ بفضل التحصن المستمر في المؤشرات المالية العامة للدولة، وتحسن مركزها المالي خارجيا، وتراجع حجم الدين العام إلى نحو 14 مليار ريال عُماني مقارنة بـ20.8 مليار ريال عام 2021؛ أي أن المالية العامة للدولة استطاعت سداد نحو 6.5 مليار ريال عُماني، والذي خفّض نسبة الدين العام للدولة إلى 36% من الناتج المحلي الإجمالي بعد أن اقتربت النسبة قبل 5 أعوام إلى 70% من الناتج المحلي الإجمالي.

حقيقة، لم تكن الإجراءات المالية وحدها سببًا في خفض الدين العام للدولة، وإنما رافق تلك الإجراءات ـ التي تفهم اتخاذها أفراد المجتمع ـ ضبط مؤسسي في الإنفاق وحوكمته للتخلص من المصروفات غير الضرورية التي أرهقت المالية العامة يومًا ما، وبالتالي لا يمكن اختزال النجاح في تراجع الدين العام للدولة عند زاوية ضيّقة ممثلة بالإجراءات المالية التي لامست جميع شرائح المجتمع، بل أيضا في حوكمة الإنفاق مؤسسيًا، ووقف الصرف غير التنموي، والالتفات إلى الإنفاق الاستثماري في الشركات الحكومية، عوضًا عن الإنفاق الاستهلاكي الذي كان يستنزف الأموال دون مردود، وكان سببًا في ارتفاع مديونية الشركات الحكومية.

ونعتقد أن إحراز تقدّم في التصنيفات الائتمانية، ووصول سلطنة عُمان إلى مرحلة الجدارة الاستثمارية كان أيضا بفضل الرؤى الواضحة والخطط المستقبلية في التعامل مع المتغيرات الاقتصادية، وتماسك المالية العامة للدولة أمام انخفاض أسعار النفط التي لامست الـ60 دولارا أمريكيا في تلك الفترة.

لقد تجاوزت سلطنة عُمان واقتصادها إحدى أصعب المراحل الاقتصادية تعقيدا وضررا سببته للمالية العامة للدولة، بما يعكس الإرادة السامية لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه-، وقيادته الحكيمة للنهوض بالاقتصاد العُماني إلى مرحلة من التقدم والنمو والازدهار في فترة تميّزت بالتوازن بين معالجة الموضوعات الاجتماعية التي تهم المجتمع، وبين الإصلاحات المالية التي كان نتاجها وثمارها تقليل الدين العام وعبئه من حيث خدمة الدين، وحوكمته من خلال إصدار قانون الدين العام.

وأرى أن الالتزام بالخطط والقرارات المالية هو السبيل الوحيد لمواصلة الارتقاء بالاقتصاد العُماني، مع دراسة التحديات المجتمعية الناتجة عن الإجراءات المالية منذ عام 2020م، التي أوجدت صعوبات لبعض الأسر في تلبية متطلبات احتياجاتها اليومية من خلال رفع قيمة بعض منافع صندوق الحماية الاجتماعية، كمنفعة الأطفال، ومنفعة دعم دخل الأسرة، وتوزيع شرائح استحقاقها. إضافة إلى دراسة إمكانية استحداث سلة الأسرة تتضمن احتياجات الأسر من السلع بسعر مخفض عن سعرها الأصلي، تستهدف السلة الأسر الأكثر احتياجا.

إن رفع وكالة التصنيف الائتماني «فيتش» تصنيف سلطنة عُمان الائتماني إلى الجدارة الاستثمارية «-BBB» مع نظرة مستقبلية مستقرة، يعد مؤشرًا على نجاح السياسات العامة والالتزام باستقرار المالية العامة للدولة بعيدًا عن تذبذب أسعار النفط، ويتماشى مع أهداف «رؤية عُمان 2040» وتحسّن المركز المالي الخارجي لسلطنة عُمان ليصبح صافي دائن بنسبة 2% من الناتج المحلي الإجمالي؛ أي أنَّ ما بُذل من جهود وطنية مباركة خلال 7 سنوات الماضية منذ عام 2017 كان جهدا مضاعفا لوقف انخفاض التصنيف الائتماني، ولعودة التصنيف إلى وضعه الطبيعي.

أرى من المهم مواصلة الالتزام بالخطط المالية والاقتصادية على حدٍ سواء؛ لمواصلة التقدم في التصنيف الائتماني، ما يعزز جاذبية الاستثمارات الأجنبية، ويخفّض تكلفة الاقتراض الخارجي، وكذلك من المهم أيضا بذل جهود أكبر في إحراز تقدم في هيكلة الاقتصاد من خلال تنمية القطاعات الاقتصادية الأخرى؛ لرفع مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي وتنويع الإيرادات العامة، فما زالت الإيرادات النفطية تمثّل ثلثي الإيرادات العامة للدولة، وهذا يعني أن مسار التنويع الاقتصادي ما زال بحاجة إلى جهدٍ أكبر، وأقترح التوسع في الإنفاق الاستثماري في القطاعات الاقتصادية ودعم المحتوى المحلي، مع تحسّن التصنيف الائتماني، وانخفاض تكلفة الاقتراض الخارجي.