أمريكا والصين ولماذا لا تتساوى كل أنواع النمو؟

09 مايو 2023
09 مايو 2023

ترجمة - قاسم مكي -

في الشهر الماضي حَلَّت الذكرى العاشرة لانهيار مصنع رانا بلازا للملابس في بنغلاديش والذي قتل فيه 1100 عامل بسبب رداءة تشييد المبنى الذي تَهاوَى فوق رؤوسهم. واتضح أن المصنع ينتج سلعا لعلامات تجارية عالمية كبرى.

المسؤولون الذين اتخذوا قرار إسناد تصنيع منتجات تحمل علامات شركاتهم إلى أفراد مجهولين في أدنى خط الإنتاج كانوا يطبِّقون ما تعلموه في المقرر التعريفي لدارسي علم المالية. إنه إخراج النفقات من الميزانية العمومية للشركة والتعامل مع العمل كتكلفة وليس أصلا من الأصول وعدم الاهتمام بالمخاطر المختبئة في العراء (الواضحة وضوح الشمس) حتى تلك التي تنتج موتا ويأسا وسط العاملين.

ذلك النوع من التفكير كان في قلب التجارة العالمية لعقود. إنه يدعو إلى ترك رأس المال والسلع والأيدي العاملة تنتقل دون قيد حتى إذا كانت نتائج ذلك معاناة إنسانية أو فساد الحياة في الكوكب. فطالما ارتفعت أسعار الأسهم وتراجعت تكاليف المستهلك لا توجد مشكلة.

معسكرات العمل الصينية في شينجيانج ربما هي ذروة هذا النوع من التفكير. كيف يمكن لأي بلد أو شركة المنافسة مع عمليات (إنتاج) مدعومة من الدولة مع قلة من الضمانات البيئية ومُتَّهمة بتشغيل العمال قسرا للتنقيب عن السيليكا ثم استخدامها لاحقا في ألواح الخلايا الشمسية والإلكترونيات وأنواع السلع الأخرى التي تباع في العالم بأقل من أسعار السوق؟

الإجابة هي أن ذلك غير ممكن ما لم تتغير القواعد الاقتصادية للعبة.

منَحَتنا الأربعون عاما الأخيرة التي سادت فيها السياسة الاقتصادية النيو- ليبرالية المزيد من النمو العالمي قياسا بأي وقت مضى. لقد انتشلت الملايين من الفقر. لكنها أيضا قدَّمت لنا قدرا هائلا من اللامساواة داخل البلدان والكثير من الآثار الجانبية السلبية. تتفاوت هذه الآثار من العمل القسري إلى التغير المناخي المتفاقم وسلاسل التوريد البالغة الهشاشة والمتركِّزة جغرافيا (في أماكن معينة) والتي قادت إلى أوضاع الشح والتضخم الجامح في سلع رئيسية كالغاز الطبيعي والمعادن النادرة.

في أعقاب التداعيات التي نشأت عن الحرب في أوكرانيا والتنافس المتزايد مع الصين شرعت إدارة بايدن وإلى حد معين الاتحاد الأوروبي في تحويل نموذج الإنتاج من الكفاءة إلى المرونة. وشملت وسائلهما في ذلك الدعم المالي لتنوع الإنتاج في أشباه الموصلات الذي تفتقر إليه السوق (92% من أشباه الموصلات المتقدمة يتم تصنيعها في تايوان).

لقد تم إعداد قانون خفض التضخم في الولايات المتحدة لكي يذهب إلى أبعد من ذلك بمعالجة مشكلة التركز الجغرافي للإنتاج وانعدام مبادرة القطاع الخاص للتحول إلى الطاقة النظيفة. الهدف هو التصدي لبلد مثل الصين التي بها تركز إنتاجي في مجالات بالغة الأهمية مثل المعادن النادرة إلى جانب حكومة لا تمانع من توظيف ذلك لمصلحتها.

إذا أرادت الولايات المتحدة وأوروبا توفير مصادر متعددة لمثل هذه السلع العامة عليها دعمها ماليا. فنظام السوق ببساطة لن ينافس ألواح الخلايا الشمسية أو السيارات الكهربائية أو الرقائق الإلكترونية الرخيصة.

شكا الأوروبيون من قانون خفض التضخم لأسباب من بينها أنه جاء مفاجئا. فلا أحد بما في ذلك العديد منا نحن الذين نادوا على مدى أعوام بالمزيد من التدخل الحكومي الأمريكي في السوق توقَّعَ أن يرى أمريكا وهي تتبنى سياسة صناعية (حمائية) خلال حياته. لكن حتى الاتحاد الأوروبي بدأ الآن في قبول حقيقة أن البرامج التي تضمنها القانون المذكور هي السبيل الوحيد للتعامل مع ما لا تشجع عليه الأسواق الخاصة إلى جانب المنافسة مع دول لم تتقيد أبدا وعلى نحو دقيق بقواعد منظمة التجارة العالمية.

طرح جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأمريكي بعضا من هذه السردية الجديدة في كلمة ربط فيها الخطط الداخلية الأمريكية بالسياسة الخارجية (في ندوة بمعهد واشنطن) الأسبوع الماضي.

أوضح مستشار الأمن القومي الأمريكي أن «إجماع واشنطن» انتهى لأسباب من بينها أنه لم يتمكن من إدارة تحديات النظام المالي الأكثر ضعفا وسلاسل الإمداد الهشة وخسائر وظائف الطبقة العاملة (مع ما أعقب ذلك من ضربات تلقتها الديمقراطية).

تضمَّن النظام القديم افتراضا فحواه حسب تعبير سوليفان أن «نوع النمو ليس مهما. فكل نموٍّ جيد. لذلك اتجهت مختلف الإصلاحات لفائدة بعض قطاعات الاقتصاد مثل التمويل في حين ضمرت قطاعات أخرى كأشباه الموصِّلات والبنية التحتية. وتضررت حقا طاقاتنا الصناعية الحاسمة في أهميتها لقدرة أي بلد على مواصلة الابتكار».

يصر مسؤولو الإدارة الأمريكية على أن هذا لا يتعلق بأمريكا «لوحدها» أو حتى أساسا باحتواء الصين. في الحقيقة من الوهم الاعتقاد بأن أي بلد يمكنه احتواء الصين.

بل يعتقد هؤلاء المسؤولون أنه يتعلق بالعمل مع الحلفاء (الذين يجري تعريفهم بطريقة أكثر اتساعا لكي يشملوا أجزاء من جنوب العالم) لإيجاد نظام يعمل على افتراض أن النفوذ موجود سلفا ولا يمكن تشكيله من الاقتصاد وحده وأن كل أنواع النمو ليست متماثلة. قال سوليفان في كلمته «هدفنا ليس الاكتفاء الذاتي اقتصاديا. إنه المرونة والأمان في سلاسل إمدادنا».

في تحول محمود يتخلى واضعو السياسات في واشنطن أيضا عن مصطلح «فك الارتباط» مع الصين وبدلا من ذلك يتحدثون عن «التقليل من المخاطر على كل من الولايات المتحدة واقتصاد العالم». وهذا مصطلح استخدم أيضا بواسطة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في حديثها الأخير عن الصين.

النظام التجاري العالمي حسب وضعه الحالي لا يعمل بطريقة جيدة. وفي كلمته المذكورة تحدث سوليفان عن حفاظ الولايات المتحدة على التزامها تجاه منظمة التجارة العالمية وفي ذات الوقت الإقرار بالسؤال المفتاحي الراهن وهو «كيف تتَّسق التجارة مع سياستنا الاقتصادية الدولية وماهي المشاكل التي تسعى هذه السياسة لحلها؟

كما سأدفع بالمزيد من الحجج في المستقبل، يجب أن يبدأ ذلك بالسعي لحل مشكلة التركُّز الجغرافي للإنتاج والمنافسة.

رنا فوروهار مؤلفة وكاتبة رأي ومحررة مشاركة في الفاينانشال تايمز

الترجمة خاصة لـ «$»