أسوأ يوم لإسرائيل في الحرب

08 أكتوبر 2023
08 أكتوبر 2023

حينما أحتاج إلى أدق تحليل لإسرائيل، فإن أول من أتصل به هو صديقي القديم وشريكي في العمل الصحفي هنام ناحوم برنيع كاتب المقال المخضرم في يديعوت أحرونوت. حينما اتصلت به عصر السبت لأعرف قراءته لهجمة حماس على إسرائيل، أذهلني رده الأول: «هذا أسوأ يوم يمكن أن أتذكره في تاريخ إسرائيل العسكري، دونما استثناء لحرب يوم الغفران [السادس من أكتوبر] التي كانت حربا رهيبة».

ناحوم صحفي دقيق غطَّى كل حدث كبير في إسرائيل على مدى نصف القرن الماضي، وعندما شرح منطقه، أدركت أنه كان أقل من الحقيقة.

ليس هذا بالشجار المعتاد بين حماس وإسرائيل. فطول الحدود بين غزة وإسرائيل يبلغ سبعة وثلاثين ميلا، لكن موجات الصدمة التي ستطلقها هذه الحرب لن تدفع إسرائيل والفلسطينيين في غزة فحسب إلى الاضطراب، بل ستضرب أيضا أوكرانيا والمملكة العربية السعودية، وعلى الأرجح إيران. لماذا؟ لأن أي حرب طويلة الأمد بين إسرائيل وحماس يمكن أن تحوّل المزيد من المعدات العسكرية الأمريكية التي تحتاجها كييف إلى تل أبيب، وستجعل صفقة التطبيع السعودية الإسرائيلية المقترحة مستحيلة، في الوقت الحالي. وإذا تبيّن أن إيران شجّعت هجوم حماس لإفساد الصفقة الإسرائيلية السعودية، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة التوترات بين إسرائيل وإيران ووكيل وحزب الله، وكذلك بين المملكة العربية السعودية وإيران. فهذه لحظة خطيرة بشكل لا يصدق على جبهات متعددة.

لكن بالعودة إلى نقطة ناحوم: لماذا تعد هذه الحرب كارثة لإسرائيل، أسوأ حتى من هجوم يوم الغفران المفاجئ من مصر وسوريا، الذي حدث قبل خمسين عاما ويوما؟ بداية، كما قال ناحوم، هناك إذلال محض للجيش الإسرائيلي: «ففي عام 1973، تعرّضنا للهجوم من قبل أكبر جيش عربي، أي جيش مصر».

أما هذه المرة، فقد غُزيت إسرائيل في اثنين وعشرين موقعا خارج قطاع غزة، منها مجتمعات تقع على بُعد خمسة عشر ميلا داخل إسرائيل، وتم الغزو من قبل قوة عسكرية تابعة لـ «ما يعادل لوكسمبورج». ومع ذلك، فإن هذه القوة الصغيرة لم تغزُ إسرائيل فحسب، وتغلبت على قوات الحدود الإسرائيلية، بل رجعت برهائن إسرائيليين إلى غزة عبر الحدود نفسها -وهي الحدود التي أنفقت فيها إسرائيل قرابة مليار دولار لإقامة جدار كان من المفترض أن يكون غير قابل للاختراق. وهذه ضربة صادمة لقدرات الردع الإسرائيلية.

ثانيا، قال ناحوم إن إسرائيل طالما افتخرت بقدرة أجهزتها الاستخباراتية على اختراق حماس والمسلحين الفلسطينيين في الضفة الغربية والحصول على إنذارات مبكرة. وعلى مدار الأسابيع القليلة الماضية، كما يعلم أي متابع للأخبار الواردة من إسرائيل، كانت حماس تجري ما بدا وكأنه مناورات تدريبية لهذا النوع من الهجوم على طول حدود غزة، تحت أعين الجيش الإسرائيلي مباشرة.

لكن يبدو أن المخابرات الإسرائيلية فسَّرت هذه التحركات بوصفها محض محاولة من حماس للعبث مع قادة الجيش الإسرائيلي وإثارة قلق القادة قليلا، لا بوصفها مقدمة لهجوم. ويبدو أن المخابرات الإسرائيلية اعتقدت أن حماس في حاجة ماسّة إلى المزيد من المساعدة المالية من قطر، التي منحت حماس مساعدات بأكثر من مليار دولار منذ عام 2012، وتصاريح عمل لسكان غزة للعمل في إسرائيل، وكانت كل من إسرائيل وقطر تطلبان دائما في المقابل حدودا هادئة.

قال ناحوم إن «تفسير المخابرات هو أنهم كانوا يتدربون على شيء لن يتجاسروا يوما على القيام به أبدا. وكان ذلك سوء تقدير وغطرسة». إذ قامت حماس، بدلا من ذلك، بغزو مركَّب ومتطور بشكل لا يصدق برًّا وبحرًا.

ونصل الآن إلى الجزء الشنيع حقا لإسرائيل. وهو أن حماس لم تتمكن فقط من عبور الحدود إلى إسرائيل ومهاجمة المجتمعات الإسرائيلية وقواعد الجيش، بل تمكنت أيضا من اختطاف عدد من الإسرائيليين، يتردد أن منهم بعض كبار السن وأطفال وجنود، ورجعت بهم إلى غزة. وصور وكالة أسوشيتد برس «أظهرت امرأة إسرائيلية مسنة مختطفة يرجع بها مسلحو حماس إلى غزة على عربة جولف، وامرأة أخرى محشورة بين مقاتلين على دراجة نارية»، حسبما ذكرت وكالة أسوشيتد برس. وانتشرت على شبكة الإنترنت صور الجثث الإسرائيلية نُقلت إلى غزة وسحبت في الشوارع.

في الوقت نفسه، احتجز مقاتلون فلسطينيون مجموعات من الإسرائيليين رهائنَ في بلدتي بئيري وأوفاكيم الحدوديتين، لكن القوات الخاصة الإسرائيلية أطلقت سراحهم في نهاية المطاف.

سوف تكون هذه مشكلة ضخمة لإسرائيل. ففي ولاية سابقة، قام رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو في عام 2011، بمقايضة 1027 سجينا فلسطينيا، منهم 280 يقضون أحكاما بالسجن المؤبد، مقابل استعادة جندي إسرائيلي واحد، هو جلعاد شاليط، من حماس في غزة. وأشار ناحوم إلى أنه قد يطالَب بيبي بإخلاء كل السجون الإسرائيلية من الفلسطينيين في حال احتجاز حماس بعض كبار السن والأطفال في غزة. وقد وعد نتانياهو يوم السبت الماضي بتوجيه ضربة ساحقة لحماس في غزة، ولكن ماذا لو أن حماس تحتجز مدنيين إسرائيليين يمكن استخدامهم كدروع بشرية؟ من شأن هذا أن يحد مجال إسرائيل للانتقام.

قال ناحوم إن «كل ما يفعله الجيش في غزة مستقبلا سوف يتطلب منهم مراعاة التأثير الذي يمكن أن يحدثه على حياة الرهائن المدنيين».

وأخيرا، أشار ناحوم، إلى أن كبار قادة الجيش ورئيس الوزراء، الذي يرأس المجلس الوزاري المصغر، يعرفون الآن أن من المحتمل مستقبلا تشكيل لجنة ما للتحقيق في كيفية السماح بحدوث غزو حماس.

فعليهم الآن إدارة هذه الحرب، واتخاذ قرارات مؤلمة بشأن المقايضات بين الردع والانتقام واستعادة الرهائن من حماس بل وربما غزو غزة، وهم يعلمون طوال الوقت أنهم حتى لو تمكنوا من إدارة كل هذه الأمور بشكل مثالي، فإن بانتظارهم نوعا من التحقيق في نهاية المطاف. وليس من السهل التفكير بشكل مستقيم في ظل هذه الظروف.

مثلما ظل هذا العمود يشير منذ عودة بنيامين نتانياهو إلى السلطة، فإن سياسة الانقسام التي ينتهجها رئيس الوزراء الإسرائيلي قد ألحقت أضرارا فادحة بإسرائيل. لقد أعطى بيبي الأولوية للانقلاب القضائي الرامي إلى تجريد المحكمة العليا الإسرائيلية من سلطات الإشراف على حكومته، مقدما ذلك على جميع الأولويات الأخرى. وفي ثنايا هذا، فتَّت المجتمع الإسرائيلي وجيشه. وثمة منذ شهور تحذيرات من مدى خطورة ذلك. بل إنني نقلت -في هذا الأسبوع فقط- عن المدير العام السابق لوزارة الدفاع الإسرائيلية، دان هاريل، قوله أمام مسيرة ديمقراطية في تل أبيب إنه «لم يسبق لي أن رأيت أمننا القومي أسوأ حالا» وأن أضرارا قد لحقت بالفعل بالوحدات الاحتياطية التابعة لتشكيلات أساسية في الجيش الإسرائيلي «بما قلل الجاهزية والقدرة التشغيلية».

لكن بقدر ما كان نتانياهو سيئا لإسرائيل، كانت حماس صعبة على الشعب الفلسطيني منذ استولت على غزة في عام 2007. فقد كان بوسع المساعدات التي تلقتها من قطر وحدها بما يتجاوز مليارات الدولارات على مر السنين، أن تتوجه إلى بناء غزة فتكون مجتمعا منتجا، فيه مدارس وجامعات وبنية أساسية لائقة، وقد يمثل هذا المجتمع نموذجا للدولة الفلسطينية المستقبلية مع الضفة الغربية. لكن حماس، بدلا من ذلك، خصصت معظم طاقاتها ومواردها لحفر الأنفاق إلى داخل إسرائيل وإقامة الصواريخ لمحاولة تدمير عدو أقوى بكثير -فحرمت سكان غزة من أي فرصة لتحقيق إمكاناتهم الكاملة، من خلال حكومة محترمة وديمقراطية ونزيهة ومنتجة.

لماذا شنّت حماس هذه الحرب الآن دون أي استفزاز مباشر؟ على المرء أن يتساءل عما لو أن هذه الحرب ليس بالنيابة عن الشعب الفلسطيني وإنما هي بناء على طلب من إيران، وهي المورد المهم للمال والسلاح لحماس، للمساعدة في منع التطبيع الناشئ للعلاقات بين المملكة العربية السعودية، منافسة إيران، وبين إسرائيل. ومن شأن هذه الصفقة، كما كانت تجري صياغتها، أن أيضا السلطة الفلسطينية الأكثر اعتدالا في الضفة الغربية - من خلال تزويدها بقدر ضخم من الأموال من المملكة العربية السعودية، فضلا عن فرض قيود على المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وغير ذلك من التقدمات للحفاظ على حل الدولتين. ونتيجة لهذا كان يمكن أن ينال زعماء الضفة الغربية دفعة من الشرعية يحتاجونها بشدة من الجماهير الفلسطينية، بما قد يهدد شرعية حماس.

كان من الممكن أيضا أن يكون هذا الاتفاق الأمريكي السعودي الإسرائيلي بمثابة زلزال دبلوماسي كان ليتطلب على الأرجح من نتانياهو التخلص من الأعضاء الأكثر تطرفا في حكومته مقابل تشكيل تحالف بين إسرائيل ودول الخليج العربية في مواجهة إيران. وإجمالا، كان من الممكن أن يكون هذا أحد أكبر التحولات في الصفائح التكتونية للمنطقة منذ خمسة وسبعين عاما. وفي غداة هجوم حماس هذا، تجمدت هذه الصفقة تجميدا عميقا، إذ يضطر السعوديون إلى ربط أنفسهم بشكل أوثق من أي وقت مضى بالمصالح الفلسطينية، وليس فقط بمصالحهم الخاصة.

والحق أن السعودية أصدرت -بعد ساعات من غزو حماس- بيانا قالت فيه، بحسب شبكة العربية «إن المملكة تتابع عن كثب التطورات غير المسبوقة بين عدد من الفصائل الفلسطينية وقوات الاحتلال الإسرائيلي»، مضيفة أنها «حذرت مرارا من عواقب [تدهور] الأوضاع نتيجة للاحتلال وكذلك نتيجة لحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة و[عدم وقف] الاستفزازات المنهجية ضد [مقدساته]».

وإنني أشاهد زلزال حماس وإسرائيل وكيف سيفضي إلى زلزال آخر.

لقد كانت أوكرانيا تتعامل بالفعل مع الهزات الداخلية الحكومة الأمريكية. وكانت الإطاحة برئيس مجلس النواب، بجانب الأقلية الصاخبة المتزايدة من المشرعين الجمهوريين -وهو ما صدمني- الذين عارضوا أي مساعدات اقتصادية وعسكرية إضافية لأوكرانيا، سببا في خلق فوضى سياسية أسفرت، في الوقت الحالي، عن عدم إجازة تقديم الولايات المتحدة أي مساعدات إضافية لأوكرانيا. ولو أن إسرائيل موشكة على غزو غزة والشروع في حرب طويلة، فلزام على أوكرانيا أن تقلق بشأن المنافسة من تل أبيب على صواريخ باتريوت، فضلا عن قذائف المدفعية من عيار 155 ملم وغيرها من الأسلحة الأساسية التي تحتاج أوكرانيا بشدة إلى المزيد منها، ومن المؤكد أن إسرائيل سوف تحتاج إليها أيضا. ولقد انتبه فلاديمير بوتين، فقال يوم الخميس الماضي في منتجع سوتشي على البحر الأسود: إن أوكرانيا صامدة «بفضل تبرعات بمليارات الدولارات تأتي كل شهر» مضيفا قوله «تخيلوا فقط أن تتوقف المساعدات غدا، ستعيش [أوكرانيا] لمدة أسبوع واحد فقط قبل أن تنفد ذخيرتها».

هل يمكن أن ينجم أي شيء جيد عن هذه الحرب الرهيبة الجديدة بين حماس وإسرائيل؟ من السابق لأوانه القول بذلك، لكن صديقا إسرائيليا آخر ومحللا أثق به منذ فترة طويلة، هو البروفيسور فيكتور فريدمان (وما من قرابة)، يقوم بتدريس العلوم السلوكية في كلية وادي يزرعيل في وسط إسرائيل ويعرف المجتمع العربي الإسرائيلي جيدا، كتب لي في وقت متأخر اليوم (أمس) قائلا إن «هذا الوضع المروع لا يزال يمثل فرصة، مثلما تحولت حرب يوم الغفران إلى فرصة انتهت باتفاق سلام مع مصر. سوف يتحقق النصر الحقيقي الوحيد لو أن الوضع القادم -أي ربما دخول إسرائيل إلى غزة- خلق ظروفا لتسوية حقيقية ومستقرة مع الفلسطينيين». وقال إنه في ضوء ما فعله الفلسطينيون اليوم، فإن بوسعهم «ادعاء ’نصر’ ما بغض النظر عما سيحدث بعد ذلك». وأضاف أن النقطة المهمة هي أنه «على شخص ما أن يفكر فيما هو أبعد من المزيد من القوة والمزيد من القوة».

بصفة شخصية، لا أعتقد أن حماس يمكن أن تكون شريكا لسلام آمن مع إسرائيل. لقد حظيت حماس بفرص كثيرة للغاية طوال سنوات كثيرة للغاية لإثبات أن مسؤوليات الحكم في غزة من شأنها أن تخفف من هدفها المتمثل في تدمير الدولة اليهودية. ويتبيّن أنها ليست أكثر من مجموعة إسلامية فلسطينية، لا هم لها سوى الحفاظ على قبضتها على غزة، والبقاء على أهبة الاستعداد للعمل بمثابة مخلب قط لإيران بدلا من أن تجعل هدفها الرئيسي هو تحقيق مستقبل جديد للفلسطينيين هناك وفي الضفة الغربية. وتاريخ حكمها في غزة خزي تام.

لكن السلطة الفلسطينية يمكن أن تكون شريكا. لذلك لو أن في الأفق غزوا إسرائيليا لغزة لمحاولة تدمير حماس، فيجب أن يقترن بمبادرة سياسية تعمل على تمكين السلطة الفلسطينية وتساعد على تقويتها حتى نتمكن على حد قول فيكتور من صياغة «تسوية توفر لجميع الأطراف شيئا يمكنهم التعايش معه. وإلا فعاجلا أم آجلا، سنعود إلى الوضع نفسه، بل إلى ما هو أسوأ. ولقد كان هذا هو الدرس الحقيقي المستفاد من حرب يوم الغفران».

توماس فريدمان كاتب عمود رأي في الشأن الخارجي في جريدة نيويورك تايمز ومؤلف كتاب «من بيروت إلى القدس».

خدمة نيويورك تايمز