أرخبيل آخر غير الجولاج

24 يوليو 2022
24 يوليو 2022

الترجمة عن الروسية: يوسف نبيل

لم تكفينا مشكلة كالينيجراد حتى نجد مشكلة شبيتسبرجن. حظرت النرويج تمامًا – مثلما فعلت ليتوانيا – عبور البضائع من روسيا إلى هناك، لكن في الأيام الأخيرة تم حل المشكلة؛ سمحت أوسلو بنقل الحاويات للروس القاطنين هناك الذين يعيشون ويعملون في الأرخبيل، بشرط استخدام وسائل النقل الخاصة بهم. النقل الروسي ليس في أفضل أحواله في أوروبا في هذه الفترة.

ماذا عن شبيتسبرجن؟ ألا توجد في الواقع مشاكل أخرى بشأنها؟ بالرغم من إننا هناك منذ فترة طويلة، لكن الأمر لا يقتصر على محاولة رفع العلم على الأرض هناك – وهي أرض أجنبية في هذه الحالة – بل هناك اعتبارات أخرى مهمة، ومنها اعتبارات اقتصادية تمامًا.

يؤكد لنا تاريخ شبيتسبرجن على حقيقة إنه لا يكفي أن نكتشف أرضًا جديدة، بل من المهم أيضًا أن نمدّنها وإلا سيبدأون في سحقها كما حدث عندنا في أعوام السوق الأولى حينما طرد الأشخاص الأكثر قسوة ونجاحًا جيرانهم غير الناجحين في الشقق المشتركة.

في كل الأحوال توقف العالم المعاصر عن التعامل بجدية مع حجج من قبيل: "كنا هنا منذ فترة طويلة".

ألاسكا أيضًا كانت لنا ذات يوم، وكيف الحال الآن؟ لا شيء سوى الضجيج السياسي عن الموضوع.

حتى حقيقة "كنا هنا منذ فترة طويلة" ليست بهذه البساطة، على المستوى الرسمي يعتبرون أن الملاح الهولندي وليم بارنتس هو الذي اكتشف أرخبيل شبيتسبرجن في 1596، سرعان ما بدأ الأوروبيون، وخاصة صيادو الحيتان في تطوير مواردهم الحيوية.

دخلت إلى هناك عشرات السفن سنويًا، ومعظمها من إنجلترا وهولندا، لدينا نظرية شائعة إلى حد كبير مفادها إن الباموري الروس لم يكتشفوا الأرخبيل قبل الهولندي فقط، بل إنهم عاشوا هناك أيضًا قبل أن يعرفه، مع ذلك، بالرغم من الأبحاث التاريخية والأثرية النشطة التي تمت هناك خلال الحقبة السوفييتية، لم تُثبَت هذه النظرية لبقية العالم، صحيح أنه تم العثور على بقايا بعض بنايات شعب الباموري، لكنها لم نستطع أن نثبت على المستوى العلمي إنها منذ فترة مبكرة، وليست من القرن السابع عشر وما بعده. يشبه الأمر ما حدث عند اكتشاف ساخالين، فقد صارت بالنسبة للبعض اكتشافًا جغرافيًا حقيقيًا، وبالنسبة للبعض الآخر، كان هناك سكان محليون قبل وصول المكتشفين. على أي حال لا تظهر في المصادر الروسية معلومات عن الإبحار إلى جرومانت (هكذا كان اسم شبيتسبرجن قديمًا) إلا مع بداية القرن الثامن عشر.

بعكس نظريتنا، طرح النرويجيون نظريتهم حول اكتشاف الفايكنج للأرخبيل في القرن الثاني عشر. كما هو معروف لم يكتشف الفايكنج شيئًا، ولا حتى أمريكا، لكن هذا لم يساعدهم بأي طريقة، ولم يتم تأكيد نظرية اكتشافهم لشبيتسبرجن هم أيضًا، لكن ذلك لم يمنع نظريتهم من أن تصير واحدة من الحجج الرئيسة في تأسيس السيادة النرويجية على الأرخبيل بالفعل في القرن العشرين.

لذلك فإن أطروحة "نحن أول من اكتشفناها" تعمل أحيانًا، لكن في حالة واحدة؛ عندما تُدعّم بالقوة العسكرية أو بالتواطؤ مع المنافسين الآخرين المحتملين.

استطاعت روسيا خلال فترة طويلة أن يكون لها موطئ قدم في شبيتسبرجن، في القرن الثامن عشر بدأ الصيادون من روسيا في الوصول إلى هناك بنشاط وكذلك التجار وصيادو الحيوانات الفروية والغزلان والدببة، وكان منتج التصدير الرئيس هو الشحم. إلا إنه بحلول منتصف القرن التاسع عشر تلاشى هذا الدافع الريادي. بالمناسبة حدث الأمر ذاته في الإمبراطورية الروسية تجاه ألاسكا. لم تكن حماستها الريادية كافية وتلاشت جهود الدولة وسط الروتين البيروقراطي وحسابات خسائر الخزينة.

علاوة على ذلك، كانت الأهمية العسكرية الاستراتيجية لتلك الأراضي التي يمكن لرجال الدولة أن يدركوها غريزيًا غير واضحة على المستوى العملي في ذلك الوقت. وفقًا للمعايير الإمبراطورية المعتادة بدت هذه الأراضي لا قيمة لها.

في هذا الوقت، حتى بداية القرن العشرين، لم تكن النرويج منافسًا واضحًا على الأرخبيل. إذا تحدثنا بصراحة سنقول إن الحكومة القيصرية في فترة الإمبراطورية المتأخرة اتخذت موقفًا من قبيل: "أردنا ألا نضر أحدًا". ربما كان هذا أيضًا علامة على إجهاد الإمبراطورية الذي يمنعها من تطوير أراض جديدة وتوسيع مساحة المعيشة وفقًا لاحتياجاتها. في ذلك الوقت كانوا لا يزالون هناك.

صار الموقف الرسمي لروسيا قبل الحرب العالمية الأولى هو التمسك بمبدأ حرمانية أراضي شبيتسبرجن. كانت هذه هي طريقة التفكير السياسية الجديدة في عهد نيقولاي الثاني. في واقع الأمر تخلت روسيا طواعية عن جميع مطالباتها بالأرخبيل التي كان من السهل نسبيًا الدفاع عنها في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.

لكن الأمر لم يستمر كذلك بعد الثورة. في عام 1920 أُبرِمت معاهدة باريس التي بموجبها يحق لجميع الدول الموقعة عليها (وهي عشرات الدول) أن تمارس أنشطة اقتصادية في منطقة الأرخبيل ومياهه الساحلية. بعد خمس سنوات أعلنت النرويج سيادتها على شبيتسبرجن، لكن هذا لم يبطل معاهدة 1920. بعد التفكير مجددًا بعد نهاية الحرب لم يغادر الاتحاد السوفييتي الأراضي هناك، على الرغم من حظر استخدامها عسكريًا في البداية. يبدو إن اللحظة الحاسمة كانت قرار النرويج بالانضمام إلى الناتو، وليس الاستسلام للمنافسين.

في هذا الوقت بدأ النشاط الاقتصادي ذاته - الذي لا يزال يبعث الإحساس بالوجود الروسي على الأراضي النرويجية – ألا وهو تعدين الفحم؛ الأمر الذي لم يكن له أي معنى حينها من الناحية الاقتصادية.

لم يكن مربحًا، ولكن بفضل تعدين الفحم تحديدًا، والمناجم السوفييتية الثلاثة التي عملت سابقًا، عاش في شبيتسبرجن عدد من السكان السوفييت أكبر من عدد سكان النرويج. الآن تبقى منجم واحد "أركتيك" يدفع ضرائبه للخزانة النرويجية بإنتاج حوالي 140 ألف طن من الفحم سنويًا، منها حوالي 40 ألف طن تُستخدم لاحتياجات المنجم الخاصة. في قرية بارينتسبورج الروسية وحدها يعيش حوالي 500 شخص، وهي القرية الوحيدة الحية بشكل أو بآخر هناك، وتتلقى القرية أموالا للإعالة من النرويج على الرغم من شكوى شعبنا هناك من عدم كفايتها. تحولت قريتان تعدينيتان سابقتان: جرومانت – بيراميدن، إلى أشباح مدن! يوجد بالفعل عدد لا بأس به منهم في الشمال والشرق الأقصى. بيراميدن تثير الأسف على نحو خاص حيث شُيِّدت بكل وسائل الراحة السوفييتية المتأخرة مثل دار سينما ومسبح وصالة رياضية. أُغلِقت القرية في عام 1998.

في الوقت نفسه هناك أمل في العثور على معادن أخرى هناك والبدء في عملية التعدين. شبيتسبرجن هي أيضًا بؤرة أمامية في المنافسة القادمة على تطوير القطب الشمالي، كما إن مياهها تمتلئ بسمك القد ومختلف أنواع الأسماك اللذيذة الأخرى. بالرغم من الضغط المتواصل من جانب النرويجيين إلا إنهم يشددون على المعايير التنظيمية المختلفة؛ خاصة المعايير البيئية (غالبًا ما نرى المؤامرات السياسية تأخذ الاعتبارات البيئية ذريعة لها... نحن أيضًا فعلنا ذلك). على سبيل المثال منذ عام 2021 لا يمكن استخدام طائرات الهليكوبتر هناك. عدد الركاب الذين يمكن أن تنقلهم السفن السياحية هناك محدود.

حاول السكان الروس هناك أن يطوروا القطاع السياحي، واتخذت محاولاتهم منحى تصاعديًا قبل حلول الوباء، حتى إنهم بدأوا يجنون من هذا القطاع أرباحًا أكثر من أرباح تعدين الفحم (لم يكن الأمر صعبًا لأن الأخير غير مربح تقريبًا) لكن فيروس كورونا أربك كل أوراق اللعبة. الآن لا يوجد مجال للسياحة على الإطلاق. لكن بالرغم من ذلك لا يجب عليك أن تترك كل شيء هناك وتعود إلى وطنك. ماذا لو تمكنا من إحياء حياة جديدة هناك وواصلنا الأبحاث العلمية التي بدأت إبان فترة الاتحاد السوفييتي؛ خاصة إن الأرخبيل مكان ممتاز لدراسة مختلف جوانب القطب الشمالي، وعثرنا على بعض المعادن النادرة هناك؟.

من هذا المنطق تتمثل أهمية تاريخ شبيتسبرجن في تعليمنا ضرورة أن ننظر نظرة أوسع من حسابات الربح المباشرة ونتعلم تطوير ودراسة المناطق التي لا يمكن الاستفادة منها عسكريًا، حيث سيكون عالم الجليد والشتاء القطبي هناك بمثابة نوع من الحرية للمدانين.

جيورجي بوفت

خبير سياسي ورئيس تحرير سابق لصحيفة ازفستيا الروسية