هنالك ما يستحق الحياة
30 ديسمبر 2025
30 ديسمبر 2025
«على هذه الأرض ما يستحق الحياة»عبارة قالها محمود درويش بوعي من رأى الوجهين معا الظلام والنور. وقد تبدو عبارته هذه للوهلة الأولى محملة بظلال التشاؤم، لكنها في حقيقتها موقف يصر على التمسك بما تبقى من ضوء مهما بلغت قساوة الظلمة.
فالمآسي جزء من تكوين الحياة، والآلام مرافقة لمسيرة البشر، لكن القدرة على الأمل هي ما يجعل استمرارنا كبشر ممكنا. ومع كل عام جديد نطرق بابه، نمنح أنفسنا فرصة أخرى لإعادة ترتيب ما اختل في داخلنا، واستعادة شيء مما فقدناه في زحمة السنوات.
لقد مر العالم في العام المنصرم بمحطات قاسية: حروب اندلعت، واقتصادات كبرى تعثرت، وأزمات إنسانية اتسعت حتى اشتكت منها الخرائط قبل الشعوب. عائلات فقدت مصادر رزقها، وبلدان اهتز استقرارها، وقلوب اجتاحتها مخاوف التهجير والفقد.
رأينا مدنا تتغير ملامحها، وأوطانا تُختبر قدرتها على الصمود. ومع ذلك، وسط هذا السواد، تومض شرارات حياة تقول إن الصورة ليست قاتمة بالكامل.
ففي أماكن أخرى من هذا العالم، كانت الحياة تكتب فصولا أكثر إشراقا: أراض صحراوية تمتد فيها الزراعة كل يوم، وبيئة تستعيد بعض توازنها بعودة مخلوقات إلى مواطنها الطبيعية، ومشروعات علمية وطبية تبشر بانتصارات صغيرة لكنها ذات أثر كبير. تكنولوجيا تسهم في تحسين حياة الملايين، مبادرات تعليمية وريادية يقودها شباب لا يريدون أن ينتظروا التغيير بل يصنعونه بأيديهم، وحركات مجتمعية تؤكد أن الخير لا يزال جزءا عميقا من طبيعة الإنسان.
ورغم أن هذه الأنباء الإيجابية لا تحظى عادة بالمساحة التي يحظى بها الحزن، إلا أنها تبقى شاهدا على أن العالم لا يتوقف عن محاولة إصلاح نفسه. كل شيء يمكن تجاوزه بكل وجوهه المأساة والأمل، الهدم والبناء، الفقد والانبعاث. وفي هذا التداخل العجيب يكمن سر بقاء الحياة جديرة بأن تعاش.
ولعل ما ينقصنا فعلا ونحن نودع عاما ونستقبل آخر، هو أن نعيد ضبط عدساتنا لتلتقط الجوانب التي تستحق الالتفات، لا السقوط المستمر في فخ السلبية، ذلك الفخ الذي بات جزءا من الوعي الجمعي العالمي. أن ننظر إلى من تجاوز محنته، لا فقط إلى من وقع فيها. أن نحتفي بما تحقق، لا أن نستسلم لما لم يتحقق بعد. فالحياة ليست نشرة أخبار تبرز المآسي وتختزل الفرح، بل مزيجا من التفاصيل اليومية التي تصنع الفرق بهدوء.
إن اختيار الأمل يعد شجاعة وأن نقرر من ذوات أنفسنا أن لا ندع خبرا سيئا واحدا يطغى على كل ما هو جميل في حياتنا إنما ذلك يعد فعلا من أفعال مقاومة السلبية والنمطية في هذا الزمن المثقل بالضجيج والقلق.
كما قال محمود درويش هنالك فعلا ما يستحق الحياة وهنالك الكثير مما يستحق الحياة له، فالإيجابية والأخبار السارة على صعيد الإنسان نفسه وعلى صعيد مجتمعه يعد أمرا كافيا لإشاعة الإيجابية ونبذ السلبية، ولنحاول قدر الإمكان أن نجعل العام المقبل عاما نتخفف فيه من حمل السلبية الثقيلة، ونمنح فيه أنفسنا فرصة لرؤية الأمور بزاوية أوسع، عاما نختار فيه الفرح حينما يكون ممكنا، ونختار الصبر حينما يغيب الفرح، عاما نقرر فيه أن نكون إلى جانب الحياة لا ضدها، وأن نرفع رؤوسنا نحو ما نريد لا نحو ما نخشى. نتمنى أن تكون حياتنا كلها وليس العام المقبل فقط حياة إيجابية مفعمة بالإنجاز وتحقيق الطموح ومليئة بالسعادة والهناء لنا وللعالم كله.
