ذائقة البعوض!

30 ديسمبر 2025
30 ديسمبر 2025

على الرغم من جمالية شتاء مساءات مسقط في هذه الفترة، إلا أن كثيرين مثلي لا يتمكنون من الجلوس في حديقة المنزل، ولا حتى أمام عتبة الباب؛ بسبب الهجمة الشرسة من كائنات ضئيلة الحجم تكاد لا تُرى من خفتها وصغرها. ولكن ما أن يغرس البعوض شوكه في جلدك، حتى تتملكك رغبة جامحة في هرش مكان اللدغ الذي يبدأ تدريجيًا بالبروز على هيئة تل أحمر ملتهب ما حوله.

في الحقيقة أشعر بالحقد تجاه هذا المخلوق الصغير الذي يغزو بيوتنا بلا استئذان، ويصادر خلواتنا في فناءات منازلنا بلا وجه حق. لذا قررت أن أنتقم منه بمحاولة فهمه أكثر. يقول سون تزو في كتابه «فن الحرب»:

«إن كنت تعلم قدراتك وقدرات خصمك فما عليك أن تخشى من نتائج مائة معركة. وإن كنت تعرف قدرات نفسك وتجهل قدرات خصمك فلسوف تعاني من هزيمة ما في كل نصر مكتسب. أما إن كنت تجهل قدرات نفسك، وتجهل قدرات عدوك فالهزيمة المؤكدة هي حليفك في كل معركة». من هنا بدأتُ البحث حول إمكانات ورغبات عدوي الصغير، والأسباب التي تجعله يرغب بامتصاص جلد دون غيره. حتى بدا الأمر أشبه بمفاوضة صامتة يجريها الكائن الصغير مع رائحة الجسد ونوع الدم.

ووفقًا لمقالات متفرقة؛ فإن البعوض يستشعر مزيجًا من المركبات الكيميائية الصادرة عن الجلد يختلف تركيزه من شخص لآخر. ويتشكل هذا المزيج من الأحماض الدهنية، وحمض اللاكتيك، والأمونيا، وكلها مركبات تنشأ من تفاعل العرق مع البكتيريا النافعة التي تسكن مسامات الجلد. وكلما زاد تركيز هذا المزيج في جسد ما أصبح أكثر جذبًا للبعوض.

السبب الآخر يتمثل في أن هذه الحشرة الطائرة ذات «الدبوس الحاقد» تبحث عن الدفء والحركة؛ فهي تنجذب إلى الأجساد الدافئة، وليس الباردة، وتتبع المناطق التي يتدفق الدم فيها بقوة تحت الجلد. وتشير بعض الدراسات إلى أن البعوض نخبوي أيضًا؛ فهو يفضل أصحاب فصيلة الدم O؛ لأن أجسادهم تطلق إشارات كيميائية تجذب البعوض قبل أن يحط على الجلد متلذذًا بوجبته.

الغريب أن هذا الكائن المتناهي الصغر بالغ الذكاء؛ إذ ينجذب إلى من يرتدي ألوانًا داكنة أكثر من غيرهم الذين يرتدون ألوانًا فاتحة، فهو يعي تمامًا من خلال دقة استشعاره أن الألوان الداكنة تمتص الضوء والحرارة أكثر.

أما آخر الأسباب الذي قد يكون الأهم فهو أن بعض الأجساد مبرمجة منذ الولادة لتطلق مركبات أكثر جاذبية من غيرها المحايد نوعًا ما. وهذه برمجة جينية أكبر من أن نغيرها ما يجعل بعضنا هدفًا دائمًا للسعة البعوض بينما يتجاهل البعوض البعض الآخر تمامًا.