عامٌ مضى..عامٌ أتى.. والعالم يشتعل
31 ديسمبر 2025
31 ديسمبر 2025
كم كان ثقيلا (العام 2025)، مليئا بالمآسي، والإخفاقات، والأحلام الضائعة، والفرص المهدورة، والقضايا العالقة، والمسائل الشائكة.
كان عاما غير عادي، يرسم لما بعده، ويخطط لما يليه من السنوات؛ عاما استثنائيا بمعنى الكلمة.
سقطت فيه أقنعة، وتهاوت رؤوس، وانتصر الباطل -ولو مؤقتًا-، وزُهق الحق -ولو ظاهرا-، ولم يعد هناك إلا طريق واحد للبقاء، وهو الطريق المؤدي إلى (تل أبيب) عبر واشنطن، ولم يبقَ إلا شجرة الكرامة العربية المبتورة للتعلّق بحبالها، رغم أنها لم تعد تقي من برد السلام، ولا من حرّ الحرب.
توقفت حرب غزة، ولم تتوقف آلة القتل والدمار والعبث الصهيونية. عاد الأسرى الإسرائيليون، مكلّلين بذل الخيبة، وعار الهزيمة، ولكن بعد أن استنفد المحتل كل أساليب القوة والخراب، وفشل في الوصول إلى مكانهم، ولم يفِ (نتنياهو) بعهده بأن يعود أسراه بقوة السلاح، فعادوا مطأطئي الرؤوس عبر معاهدات بين (إرهابييّ حماس) وأقذر جيوش الأرض، رغم معرفة مجاهدي حماس بأن ليس لليهود ضامن ولا عهد، ولكن للظروف أحكامها، وسياساتها، واستراتيجياتها.
وها هو الوضع يتجه نحو مواجهة مفتوحة هذه المرة، بعد أن تخلص الداخل الإسرائيلي من ضغوط الأسرى.
في سوريا ما زال الجيش الإسرائيلي يعربد، وينتهك حرمة الأراضي السورية، ويتوغل، ويتصرف وكأنه الحاكم الفعلي للأرض، رغم كل التضحيات التي قام بها الرئيس (أحمد الشرع) لطمأنة الإسرائيليين، وبثّ رسائل السلام؛ لكي يخفف من حدّة القلق والتوتر لدى الصهاينة، ولكي يلتفت إلى بناء سوريا جديدة، ولكن بشروط إسرائيلية وأمريكية.
في ليبيا ما زال وضع عدم السلم وعدم الحرب قائمًا بين الأشقاء، وما تزال ليبيا ممزقة ومقسّمة ومنهكة من تلك الحرب الأهلية العبثية، التي أهدرت الموارد والطاقات الليبية، وحوّلتها من دولة غنية إلى دولة يقتات شعبها على الفتات. وما زال الطريق إلى السلام طويلًا، ومحفوفًا بالأشواك والأخطار.
في السودان ليس الوضع بعيدًا عن ليبيا؛ سلطتان محليتان تقاتلان بعضهما دون أفق واضح لوضع السلاح. ملايين السودانيين قُتلوا، أو شُرّدوا، أو باتوا دون مأوى أو طعام، يعيشون على شفير مجاعة وكارثة إنسانية لا يتخيلها بشر، بينما يرمي كل فريق مسلح المسؤولية على الطرف الآخر في إشعال الأزمة، وبقاء المشهد الإنساني المأساوي على ما هو عليه حاليًا، ويبدو أن الطريق إلى السلام ما زال بعيد المنال.
في اليمن تصاعدت الأزمة العسكرية من جديد، بعد أن هدأت -ولو ظاهريًا- خلال الفترة الماضية، وأصبح (اليمن السعيد) تعيسًا كما لم يكن من قبل، ومقسّمًا بين قبائل مسلحة، بينما شعبه مشرّد في أرض الله الواسعة، يبحث عن الأمان والسلام ولقمة العيش الكريمة. وفي المقابل يتم توجيه موارد بلاده لشراء السلاح، وتكديس (المسيّرات)، وتوجيه (الجنبية) اليمنية إلى صدور أبناء الدم والعرق الواحد.
لن نتحدث عن أوكرانيا، أو فنزويلا، أو بعض الدول المشتعلة، أو عن الولايات المتحدة ومحاولة إذلال العالم، بما فيهم أصدقاؤها. ولكن في كل الأحوال كان عام 2025 عامًا مفصليًا في بعض الأحداث، وعامًا يحمل تبعات العام الذي سبقه، وسيورّث أزماته ومآسيه إلى أعوام قادمة، ولن تهدأ أنفاس العالم إلا بعد أن يستقر الأمر للدول العظمى التي تشعل الحروب، ولا تطفئها إلا حين يحين قطاف ثمارها، وحين تريد أن تجني حصاد ما زرعته من كوارث ومؤامرات، ليكون لها الغلبة طول الدهر، وهذا ما لم تدوّنه كتب التاريخ لحضارة مهما بلغت سطوتها.
ورغم كل هذه المآسي التي تلفّ العالم وتكبّل أياديه، نرفع أيدينا إلى الله عز وجل بأن يبقى هذا الوطن الغالي (سلطنة عمان) نبراسًا للسلام والأمن والاستقرار، وقائده المفدّى بصحة وعافية، وشعبه الكريم في خير ونعمة من الله. إنه سميع مجيب.
