رياح التغيير
يتحدث فيها المدرب المتخصص عن السبب الذي يدفعنا لربط حياتنا بتاريخ «الأول من يناير» و»بداية السنة الجديدة» ولماذا نترقب البدايات الوقتية لنشرع في عمل شيء ما أو نصنع مشروعا أو نخطو خطوة نحو الأمام وفي سبيل التغيير.
والحق يقال بأن مثل هذه الحوارات تأخذ أقل مما ينبغي أحيانا للصورة النمطية حول الأمور التي تناقشها وتدور حولها، ولكني كما أكرر دائما؛ أؤمن بالتجربة والتجريب في تبنّي القناعات والرؤى ووجهات النظر. ولأن الحلقة أشمل ومن مدرب معتمد في الأكاديمية السلطانية للإدارة، فمن الأفضل دوما مشاهدتها والسماع من الشخص لا عنه.
وتقوم النظرية النفسية لهذا العالم المتخصص، على أن الإنسان في الحياة يسعى إلى تحقيق درجة من درجات الهرم كل مرة، إلى أن يصل إلى الكمال الإنساني المتمثل في تحقيقه لأقصى إمكاناته الداخلية. فمن التنفس والماء والغذاء والنوم والجنس، إلى الحاجات النفسية الدفينة والتي يصلها المرء بعد لأي ومكابدة، وهي الحالة التي يصفها مسكويه في كتابه «تهذيب الأخلاق» بـ «كمال النفس الإنسانية» أو «السعادة» التامة الخالصة، فهو يرى بأن السعادة تكمل في الفضيلة القصوى التي يستطيع المرء تحقيقها وبلوغها عبر المكابدة الدائمة والمراقبة المستمرة للأفعال التي تصدر عن الإنسان.
إننا ننسى أننا إن لم نحسّن فينا شيئا، فإننا نتأخر ولا نظل في مكاننا. فالمرء لا يبقى في مكانه بمرور الزمن، فإما أن يتقدم أو يتأخر. والعاقل من يقارن نفسه اليوم، بنفسه في الأمس، وينظر أين يريد أن يكون.
المسألة مركبة أيضا من جهة أخرى، أو كما يسميها الأكاديميون التنميط والقولبة، وهي أن مفاهيم علمية معتمدة كعلم النفس وما يتعلق به من دراسات في علم الأعصاب والتجارب المتكررة التي تؤدي إلى ذات النتائج؛ يُنظر إليها باستهانة لاختلاط علم النفس الحقيقي بالعلم الزائف لدورات التنمية الذاتية من أناس تسوروا محراب العلم واستغلوه في سوق الأرباح تحت غطاء علمي وتحت مسمى علم النفس، وعلم النفس منهم براء.
نحتاج أن نتريث تريّث «زرادشت» نيتشه، ونتأمل تأمّل «نبيِّ» جبران خليل جبران وننظر في حياتنا كما فعل حسين البرغوثي في ضوئه الأزرق. إن العام الجديد إذا كان له فائدة وقيمة نفسية، فهي الاسم الذي يبعث على التجدد، ولكن قيمته الحقيقية كامنة في تغيير القناعات التي يرى ويخوض بها الحياة.
فنحن نتاج مباشر لعاداتنا الصغيرة، ولخلواتنا، ولما نفعله حين لا يرانا ولا يراقبنا ولا يقيّمنا أحد، وهو مفهوم قريب من مفهوم الإحسان «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك».
فتغيير القناعات هو البداية الحقيقية لأي تغيير، ولننظر في سير كل العظماء عبر التاريخ لنجد أنهم في المحصلة أناس لم يقبلوا بالسائد ويستكينوا ويركنوا للواقع، بل استمروا يطرقون الأبواب حتى ولجوا ونالوا، ولنتخيل الحال لو لم يكن أجدادنا قد حلموا بالحرية وغيّروا قناعتهم بأن لديهم المكنة والقدرة على دحر المحتل المعتدي، أكانوا يتحررون؟ نعم هنالك ثمن لكل شيء، والعاقل من يختار أرباحه وخساراته على السواء
