هل يمكن أن تتغلب خطة ترامب للسلام على القسوة غير المسبوقة ؟

30 سبتمبر 2025
ترجمة - أحمد شافعي
30 سبتمبر 2025

تتألف خطة الرئيس ترامب للسلام في غزة من عشرين نقطة، وهي خطة ذكية ترمي إلى تحويل أرض مقصوفة بالقنابل إلى منصة لإطلاق السلام، وإلى استغلال حرب غزة الشنيعة الرهيبة لا في إيجاد أساس جديد لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وحده وإنما للتطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية ولبنان وسوريا وقد يضاف إليها العراق أيضا. بل إنها في حال نجاحها قد تكون سببا في إحداث تغيير مطلوب بشدة في إيران.

فلنرفع القبعات لمهندسي هذه الخطة الأساسيين، وهم: جاريد كوشنر وستيف ويتكوف وتوني بلير. فلولا جهودهم، ما كان لهذه المبادرة أن تولد.

لكن في حين أن هذه الخطة قد تكون غير مسبوقة في إبداعيتها، فإنها تلاقي لحظة غير مسبوقة في قسوتها، بما يجعل فرصتها في النجاح بعيدة الاحتمال في أحسن الأحوال.

ليت هذه الخطة كانت ترمي إلى حل نزاع حدودي بين السويديين والنرويجيين. ولكن المؤسف أنها ترمي إلى إيقاف عامين شهدا أشرس وأدمى قتال بين اليهود والفلسطينيين في تاريخ هذا الصراع.

فالقتل العشوائي الذي قامت به حماس في الإسرائيليين يوم السابع من أكتوبر 2023، فقتلت الآباء على مرأى من أبنائهم والأبناء على مرأى من آبائهم، فضلا عن اختطاف أطفال وشيوخ، فقوبل ذلك برد عشوائي في الغالب قام به الجيش الإسرائيلي كان مستعدا كل يوم لقتل وتشويه عشرات المدنيين والأطفال الفلسطينيين لنيل مقاتل واحد من حماس، مع طحن غزة حتى صارت ركاما، ولعل ذلك كله قد أدى إلى شيء لم يسبق أن فعلته حرب إسرائيلية عربية من قبل: إذ جعل تحقيق السلام الضروري ضربا من المستحيل.

على مدار عمر في تغطية هذا الصراع، لم أره قط هشيما تغرق كل قطعة منه في انعدام الثقة وكراهية الآخر بصورة تفوق كل ما سبق. ولسوف تكون مهمة هرقلية تلك التي تتمثل في جمع قطع هذا الهشيم معا لتنفيذ هذه الخطة المعقدة لوقف إطلاق النار والانسحاب الإسرائيلي المرحلي من غزة وإطلاق سراح الرهائن وإطلاق سراح أسرى فلسطينيين ثم إعادة بناء القطاع في ظل إشراف دولي. سوف تقتضي المهمة حل لغز دبلوماسي معقد كل يوم، مع محاولة جميع أعداء الصفقة تخريب جهود الحل كل يوم.

وأستبعد أن يكون ترامب مدركا لهرقلية الجهد الواجب، وكم الوقت ورأس المال السياسي الذي سيستوجبه منه على المستوى الشخصي، وإلى أي مدى سوف يتعين عليه أن يعتصر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحماس وحلفاء أمريكا العرب ليقوموا جميعا بأمور ليسوا فقط عازفين عن القيام بها، ولكن القيام بها قد يمثل خطرا عليهم من الناحيتين السياسية والمادية.

وفي حين أن نتنياهو قال إنه موافق على هذه الخطة، فلن أصدق هذا إلا حينما أسمعه يقوله بالعبرية لشعبه ومجلس وزرائه. فقاعدة توماس فريدمان الأولى في العمل الصحفي في الشرق الأوسط هي أن ما يقوله الناس سرا لا قيمة له. ولا قيمة إلا لما يقولونه علنا لشعبهم وبلغتهم. ففي واشنطن، يكذب المسؤولون علنا ويصدقون سرا. أما في الشرق الأوسط، فيكذب المسؤولون سرا ويصدقون علنا.

وينبغي أن توافق حماس التي يختبئ أغلب الباقين من قادتها الأحياء في غرف حصينة في الدوحة. وقد قال لي ناحوم برنياع الكاتب في يديعوت أحرونوت إن «ثمة طرقا كثيرة لكي يخرب نتنياهو أو حماس هذه الخطة»، لكنه يتفق معي على أنها خطة جديرة بالمحاولة، ويثني على من رسموها.

ولأن الأمر بالغ الضرورة من نواح كثيرة للغاية، فللمبتدئين نقول إن بوسع من لا يكاد يعرف شيئا عن الحرب ومسارها أن يرى أن الإسرائيليين والعرب والإيرانيين لا يملكون قيام حرب أخرى. فالطائرات المسيرة الأشد ذكاء وأرخص تكلفة، بل والصواريخ نفسها، باتت منتشرة على نطاق أكبر، بما يمنح قوة أكبر وعلى نحو أسرع لمزيد من الفاعلين.

ولست بحاجة إلى تذكير الإسرائيليين بأن أكثر من مائة طائرة مسيرة أوكرانية سبق تهريبها إلى روسيا قد ضربت في الأول من يونيو قواعد جوية في عمق الداخل الروسي، فأتلفت أو دمرت ما لا يقل عن دزينة من الطائرات الحربية ومنها قاذفات استراتيجية بعيدة المدى. وأعتقد أن هذا الهجوم الجريء المدهش كلف الأوكرانيين ما يقارب تكلفة التسوق في متجر، وليس ثمنا يقارب الثمانين مليون دولار التي يبلغها ثمن طائرة واحدة من طراز لوكهيد مارتن إف 35 في أسطول إسرائيل.

ثانيا، بوسع نتنياهو أن يقول كل ما يريد قوله، مثلما فعل يوم الاثنين، فيقول إنه إذا لم تقبل حماس هذه الخطة فإن إسرائيل «سوف تنهي المهمة بنفسها» في غزة، وذلك ما قال ترامب إنه يدعمه. فذلك ما هو أسهل قولا وأصعب تنفيذا. وفي حال حدوثه، سيكون لدى إسرائيل احتلال عسكري دائم في غزة يواجه تمردا دائما، وذلك ما ترفضه القيادة العسكرية الإسرائيلية. ولكنه «إنهاء». ولذلك بعد أن وضع ترامب هذه الخطة على الطاولة، فلن يكون يسيرا على بيبي أو حماس أن يرفضاها رفضا قاطعا.

ويفضي بنا هذا إلى السبب الأخير لضرورة هذه الصفقة وإن بدت من ضروب المحال. فانتشار وسائل الإعلام الاجتماعي ـ وبخاصة تيك توك ـ يعني وجود فيديو لكل عمل وحشي مدني، وكل مدني يصاب، معروض على كل هاتف ذكي في الكوكب. وهكذا، مثلما تكتشف إسرائيل، يكون السبيل الوحيد للانتصار على عدو مثل حماس مزروع وسط المدنيين ذا ثمن يتمثل في جعل نفسها منبوذة بين الأمم وجعل فرقها الرياضية وأكاديمييها وفنانيها منبوذين في العالم كله.

بوسع نتنياهو أن يعلن، وله نصيب من المبررات الحقيقية، أن إسرائيل تدافع عن القيم الديمقراطية الغربية في مواجهة حماس في غزة. فحماس منظمة «شنيعة». ولكن أي مراهق اليوم على تيك توك يمكن أن يرى أيضا كيف أن بيبي والعنصريين اليهود في إسرائيل يرتكبون في الوقت نفسه استعمارا استيطانيا على الطراز الغربي في الضفة الغربية. فلم يعد من الممكن خداع أحد، أي أحد.

وقد أظهر استطلاع أجراه مركز بيو في مارس 2025 تحولا غير بسيط في آراء الجمهوريين الشباب تجاه إسرائيل منذ عام 2022، إذ تحولت آراء الجمهوريين في ما دون الخمسين من العمر، فباتت أشد سلبية تجاه إسرائيل (50%) مقارنة بـ35% سنة 2022، فهو تحول بمقدار خمس عشرة نقطة وفقا لشبلي تلحمي الأستاذ بجامعة مريلاند الذي عمل على تحليل بيانات هذا الاستطلاع وغيره.

وخطة السلام الحالية ضرورية أيضا لأننا لا بد ألا نتخلى عن حل الدولتين، مهما يكن بعيد الاحتمال، لأنه يبقى النتاج الوحيد العادل والعقلاني لهذا الصراع. لكن علينا أن ندرك أننا لن نحققه انطلاقا مما نحن فيه الآن.

نحن بحاجة إلى جسر يقيم الثقة حيثما تحطمت أقل نتفة من الثقة. وتقترح هذه الخطة أن تفعل ذلك عبر إيجاد تفويض من الأمم المتحدة بوضع غزة تحت إشراف كيان حكم وقوة عسكرية دوليين بموافقة ومدخلات عربية من السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية. ومنطق هذا يتمثل في أنه إلى أن يتسنى للفلسطينيين في غزة اكتساب وإظهار قدرة على الحكم في غزة، وما لم يفعلوا ذلك، فسيظل من المستحيل الحديث عن حل الدولتين.

ولكن من أجل منح الفلسطينيين أفضل فرصة لإظهار هذا، فهم بحاجة إلى ما يتجاوز الدعم الدولي، وهو أن تمضي إسرائيل من طريق غزة، وأضيف إلى ذلك، إيقاف جميع بناء المستوطنات في الضفة الغربية الرامية إلى محو أي إمكانية لسيادة فلسطينية هناك يوما ما. لا بد من إرغام إسرائيل على إتاحة إمكانية قيام دولة فلسطينية في حال تحقيق الفلسطينيين معايير حكم معينة. وترامب ـ الذي تعترف خطته بالدولة بوصفها «طموحا للشعب الفلسطيني» ـ هو وحده القادر على إرغام بيبي.

وها هنا يكمن الحافز الخفي لإسرائيل كي تنتهز خطة ترامب هذه. لقد كان تدمير إسرائيل التام لكل من قدرة إيران وحزب الله العسكرية نصرا عسكريا تكتيكيا فتح المجال لاحتمالات هائلة جديدة للتكامل الإقليمي.

وأدى إلى الإطاحة بنظام إيران التابع في سوريا ومهد السبيل لائتلاف ديمقراطي هش كي يتولى السلطة هناك. وأوجد المجال لأفضل ثنائي قيادي لبناني منذ الحرب الأهلية ـ أي الرئيس جوزيف أنطون ورئيس الوزراء نواف سلام ـ كي يحررا الديمقراطية اللبنانية الهشة من قبضة إيران وحزب الله. كما أتاح مجالا أكبر للحكومة المنتخبة ديمقراطيا في العراق كي تكتسب سيطرة تفوق الميلشيات المدعومة من إيران.

في الوقت نفسه، أثار جدلا هادئا في إيران حول جدوى إنفاق مليارات الدولارات على دعم أمثال حماس وحزب الله، وعلى تهديد إسرائيل تهديدا دائما، لجعل طهران منبوذة على المستوى الدولي.

فإذا، وإذا، وإذا ما تمكنت خطة سلام ترامب هذه من بناء جسر يعيدنا إلى حل الدولتين، فسوف تمنح السعودية ولبنان وسوريا، وحتى العراق، مجالا واسعا للنظر في الانضمام إلى الاتفاقيات الإبراهيمية وتطبيع العلاقات مع إسرائيل.

بعبارة أخرى، سوف تحول الانتصار العسكري التكتيكي الذي حققته إسرائيل وإدارة ترامب على إيران في حرب الإثني عشر يوما إلى منجز استراتيجي.

لقد خرج ترامب بالفعل عن المعهود منه في مؤتمر البيت الأبيض الصحفي يوم الاثنين إذ أشار إلى إيران بأنه منفتح على علاقة جديدة لو أن طهران كذلك. وقال ترامب «من يدري؟ لعل إيران نفسها تلحق بالركب» في إشارة إلى الاتفاقات الإبراهيمية، وكان نتنياهو واقفا بجانبه.

كتبت رغدة درغام الرئيسة التنفيذية لمعهد بيروت في مقالة ذكية نشرت أول أمس في النهار العربي فقالت إنه لكي يحدث هذا لا بد أن تقهر إسرائيل «عقليتها الحصارية وتبجحها العسكري» ولا بد أن تقهر إيران «عقليتها التجارية، التي تتأرجح ما بين التباهي والتنازل، والتصعيد والتراجع».

وقالت إن قيادة إيران تظل «تتقدم خطوة نحو التسوية وتتأخر اثنتين نحو التصعيد، ولا تزال تتشبث بوهم أن الوقت في صالحها. لكن من وراء تحديها ذعرا مكتوما. وفي حالة حصارها الحالية، تظل طهران تخطئ في الحسابات أخطاء باهظة الأثمان، وبخاصة في ما يتعلق بإسرائيل والأساطير المتضائلة المتعلقة بما يعرف بـ«محور المقاومة» بقيادة قوات الحرس الثوري الإيراني في لبنان والعراق واليمن، وفي سوريا بدرجة أقل، حيث تعرضت الشبكات الإيرانية لأضرار جسيمة».

في حال تقدم صفقة ترامب هذه، فإنها سوف تعزل إيران على نحو قد يطلق فيها في نهاية المطاف شرارة صراع داخلي حقيقي وتغيير للاستراتيجية هناك.

والخلاصة عندي هي أن من يميل إلى المراهنة منكم، فليراهن على أن الضروري سوف يصبح المستحيل، ولكم عبرة في تاريخ طويل يقول إنه كلما اقترب السلام، أفسده الكارهون.

ومن يتعلق منكم بالأمل، فالأمل هو أن يكون الأمر مختلفا هذه المرة.

ومن يكن منكم من أهل الدعاء، فليدعُ بقهر كل ما يعلمه عن هذه المنطقة، وقادتها الراهنين وإرثها السام من حرب غزة، لأن الفاعلين الأساسيين بطريقة ما يدركون جميعا أن هذا حقا هو القطار الأخير للوصول إلى مكان لائق، وأن القطار التالي، وكل ما سيعقبه، سيكون قطارات مباشرة تنطلق بلا محطات توقف في الطريق إلى أبواب الجحيم.