بوتين وأوبك بلس يضحكان علينا

09 أكتوبر 2022
09 أكتوبر 2022

ترجمة: أحمد شافعي -

تأتينا الحروب بتحالفات مدهشة. اليوم، لدينا أمريكا وحلفاؤها من الناتو يدعمون الأوكرانيين الشجعان في قتالهم من أجل إنقاذ بلدهم من التمزق أشلاء على يد فلاديمير بوتين.

ولدينا روسيا ومن معها وبيرني صاندرز والتجمع التقدمي في مجلس النواب والحزب الجمهوري كله، وهؤلاء جميع يعملون ـ عن عمد أو عن غفلة ـ على ضمان أن يحصل بوتين على عائد من النفط أكبر من ذي قبل ليقتل به الأوكرانيين ويجمد الأوربيين في الشتاء القادم حتى يتخلوا عن كييف.

في يوم الأربعاء، والعالم كله في طريقه فعليا إلى الركود وفي ظل أن السوق العالمية للنفط والغاز الطبيعي مأزوم فعليا، وافقت أوبك بلس ـ التي تضم السعودية وروسيا في عضويتها ـ على التقليل الجماعي للإنتاج بواقع مليوني برميل يوميا ـ لضمان عدم تراجع أسعار النفط، وإنما أن ترجع إلى أكثر من مئة دولار للبرميل وتبقى على ذلك.

وفي حين أن التقليل الفعلي للإنتاج سوف يصل على الأرجح إلى قرابة مليون برميل في اليوم، لأن الكثير من صغار المنتجين في أوبك يضخون بالفعل أقل من حصصهم، فسيكون ذلك مؤلما للسوق. وقد أشارت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية إلى أنه مع وصول سعر البرميل اليوم إلى قرابة تسعين دولارا فإن "الخام أقل كثيرا من المستويات التي وصل إليها بعد قليل من غزو روسيا لأوكرانيا لكنه أعلى مما بلغه في أي وقت بين 2015 وأوائل 2022".

دافع بوتين إلى هذا الرفع للأسعار غير خاف على أحد. فمع الخسائر المطردة التي يمنى بها جيشه في الأراضي الأوكرانية، وقيامه بضم مناطق من أوكرانيا لا يسيطر عليها أصلا، لم يبق أمام بوتين غير أمل واحد قبل القيام بعمل جنوني: هو الضغط على الإمدادات ورفع أسعار النفط والغاز بما يكفي لإرغام الاتحاد الأوربي على التخلي عن كل من كييف وواشنطن والقبول بضمه للمناطق التي ضمها في مقابل هدنة واستئناف صادرات الطاقة الروسية.

وليست استراتيجية بوتين بالجنونية أو اليائسة وذلك بسبب عقدين من عجز الدول الغربية عن التفكير استراتيجيا في الطاقة. فقد أرادت دول الغرب الغايات ـ والغايات تتمثل في عالم يكف عن الاعتماد على الوقود الحفري قدر المستطاع. لكنها لم ترد الوسائل اللازمة لبلوغ تلك الغاية على نحو ثابت، أي تعظيم أمنها المناخي، وأمنها في الطاقة، وأمنها الاقتصادي، جميعا في الوقت نفسه.

وبدلا من ذلك لجأت هذه الدول إلى التظاهر.

فتظاهرت في أوربا، بتشجيع خفي من بوتين، بأنها قادرة على التخلي عن الطاقة الضخمة غير المتسببة تقريبا في انبعاثات كربونية، أي الطاقة النووية، مثلما فعلت ألمانيا، والقفز مباشرة إلى طاقة الرياح المتقطعة، والطاقة الشمسية، وغيرها من الطاقات المتجددة، وتبقى الأمور جميعا على خير ما يرام. فيا إلهي! شعر الألمان أنهم على قدر كبير من الفضيلة وهم يفعلون ذلك، دونما اعتراف بأن السبب الوحيد لنجاتهم بهذا الحلم الوردي هو أن بوتين كان يبيع لهم الغاز الرخيص لتعويض الفارق.

وهذا ما جرى حينما أنهى بوتين اللعبة: في 28 سبتمبر أفادت رويترز في خبر من فرانكفورت بأن "مجلس وزراء ألمانيا أصدر يوم الأربعاء قرارين بإطالة أمد تشغيل محطات كبيرة لتوليد الطاقة بالفحم الصلب حتى 31 مارس 2024، وإعادة قدرة الفحم البني المعطلة حتى 30 يونيو 2023 لتعزيز الإمدادات".

وفي أمريكا، قمنا حن أيضا بنسختنا الخاصة من إشارات الفضيلة الخضراء. إذ شيطن التقدميون الخضر صناعة النفط والغاز، لأسباب وجيهة في بعض الحالات ترجع إلى عمل هذه الصناعة بكثرة على إنكار واقع التغير المناخي ورفضها تنظيف أفعالها، وطالبوا هذه الصناعة جوهريا بأن تتفضل بالموت في هدوء، في حين ننتقل نحن إلى طاقة الرياح والطاقة الشمسية. وفهم المصرفيون والمستثمرون في قطاع الغاز والنفط الرسالة وبدأوا في تأخير أو إيقاف الاستثمار في الإنتاج المحلي الجديد للنفط والغاز، وركزوا بدلا من ذلك على جني أكبر قدر من الربح يتسنى لهم من الآبار القائمة بالفعل.

ومثلما جاء في نشرة إخبارية لجولدمان ساكس في ابريل: "كم يبلغ ما خسرناه من الإنتاج المستقبلي بسب كل التأخيرات في القرارات الاستثمارية بشأن مشاريع النفط والغاز الجديدة؟ الإجابة هي عشرة ملايين برميل يوميا من النفط، وهو ما يعادل إنتاج السعودية اليومي وثلاثة ملايين براميل يوميا من معادل النفط من الغاز الطبيعي المسال وهو أكثر من المعادل لإنتاج قطر اليومي. فلو لم نواصل التأخر في قرارات الاستثمارات الجديدة في الغاز والنفط منذ 2014، لكان بإمكاننا أن نحصل على سعودية وقطر جديدتين".

في حين أن أمريكا لم تزل نظريا تلبي معظم احتياجاتها من النفط والغاز اليوم، خلافا لأوربا، فليس لدينا ما يكفي للتصدير بالحجم المطلوب لتعويض تقليل بوتين وأوبك بلس وتيسير انتقال أوربا إلى مستقبل خال من الكربون.

لكن التقدميين الخضر لم يفهموا تلك الرسالة قط. ففي لجنة استماع بمجلس النواب قبل أسبوعين، طالبت النائبة رشيدة طليب بمعرفة ما إذا كان جيمي ديمون الرئيس التنفيذي لجيه بيه مورجان تشيز وموظفون مصرفيون آخرون حاضرون أمام اللجنة لديهم أي سياسات "ضد تمويل منتجات نفط وغاز جديدة".

قال ديمون "بالقطع لا، ولو فعلنا ذلك فهو طريق أمريكا إلى الجحيم".

فقالت طليب لديمون إن كل الطلبة الذين حصلوا على قروض طلابية من جيه بي مورجان يجب أن ينتقموا بإغلاق حساباتهم. وتأكدوا أن هذا النوع من الأخلاق الطفولية التي تتأنق بها رشيدة طليب كانت أسعد أخبار بوتين في يومه ذلك. وهي أقل سوءا بكثير من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين الذين ألهمتهم أكاذيب إكسون موبيل لسنين بأن التغير المناخي خدعة، ثم استعملوا ذلك في منع انتقالنا إلى الطاقة النظيفة. ومع ذلك فقد منحت طليب بوتين يوما سعيدا.

ومما زاد من سعادة بوتين أنه شاهد بيرني صاندرز، والديمقراطيين التقدميين في مجلس النواب، وجميع أعضاء الحزب الجمهوري الأسبوع الماضي وهم يقتلون معا مشروع قانون تقدم به الرئيس بايدن والقيادة الديمقراطية لتبسيط عملية ترخيص مشاريع الطاقة المحلية، ويرخص بصفة خاصة لخطوط أنابيب الغاز وخطوط نقل طاقة الرياح والشمس، وهو أحد أكبر العوائق دون انتقالنا إلى طاقة خضراء مستقرة.

يصعب أن نعرف من الأسوأ، التقدميون الذين لم يفهموا كم يبلغ احتياج طاقة الرياح والشمس إلى نقل أسرع يسمح بنطاق آمن من الطاقة النظيفة أم الجمهوريون الذين عرفوا أن شركات النفط والغاز بحاجة إلى خطوط أنابيب تسمح بزيادة إنتاج الغاز لكنهم قضوا على ذلك لكي لا يحقق بايدن نجاحا آخر. ومثلما قال جو مانتشين ـ الديمقراطي المؤيد للوقود الحفري الذي ناصر مشروع القانون: "ما لم أتوقعه هو أن ميتش مكونيل وأصدقائي الجمهوريين سوف يوقعون مع بيرني أو يحاولون تحقيق نفس النتيجة بعدم تمرير إصلاح التراخيص".

إجمالا، قضى بوتين شهرا سيئا في أوكرانيا، وشهرا جيدا في الكونجرس الأمريكي.

وهذا ليس بالأمر المعقد يا رفاق: هل تريدون أن تحققوا مكسبا أم تريدون أن تحدثوا فارقا؟ لو أردنا أن نحدث فارقا، فنحن بحاجة إلى تعظيم أمن طاقتنا والأمن الطبيعي والأمن الاقتصادي، وفي وقت واحد. والطريقة الوحيدة لتحقيق ذلك بفعالية هي تحفيز سوقنا لإنتاج إمدادات مستقرة وآمنة من الطاقة، بأقل انبعاثات ممكنة وأقل تكلفة ممكنة وفي أسرع وقت ممكن.

الطريقة الوحيدة الفعالة حقا لتحقيق ذلك هي من خلال إشارة سعر قوية ـ فإما ضرائب على المواد القذرة أو حوافز للمواد النظيفة ـ فضلا عن زيادة مطردة في معايير الطاقة النظيفة لتوليد الطاقة بما يتماشى والخطوط المقترحة من هال هارفي وجوستين جيليس في كتابهما الجديد "الإصلاح الكبير: سبع خطوات عملية لإنقاذ كوكبنا".

ما بقينا غير مستعدين لعمل ذلك، فإننا نخدع أنفسنا، وننغمس في إشارات الفضيلة في اليسار واليمين، بينما بوتين ومحمد بن سلمان يضحكان على طول الطريق إلى البنك.

• توماس فريدمان كاتب عمود في جريدة نيويورك تايمز يتناول الشؤون الخارجية، ومؤلف كتاب "من بيروت إلى القدس".

** "خدمة نيويورك تايمز" ترجمة خاصة لجريدة عمان