خطة بايدن العظيمة (التي أتمناها) لإنقاذ البيئة

27 يوليو 2022
27 يوليو 2022

ترجمة : أحمد شافعي

في حين أنه من المهم الحفاظ على التحالف القديم مع السعودية، أتمنى لو كان الرئيس بايدن قد اكتفى باستعمال تطبيق زوم في لقائه الأخير مع قيادتها. فقد كان السفر عبر كل المسافة إلى السعودية لالتماس زيادة إنتاج النفط منظرا سيئا من الولايات المتحدة وسياسة طاقة سيئة أيضا، في حين أن كل ما ينبغي أن يفعله الرئيس هو أن يسافر إلى هيوستن.

عندما يتعلق الأمر بسياسة الطاقة اليوم، لا يقدم بايدن تشخيصًا واقعيًا لمشكلاتنا ولا يعرض حلًا شاملًا. (ولا يتلقى أيضا أي مساعدة من الحزب الجمهوري). فتعليق ضريبة البنزين الفيدرالية أو استنزاف احتياطينا الاستراتيجي من النفط ليس باستراتيجية. بل هما دليلان على عدم وجود استراتيجية. وأمريكا هي أكبر منتج للنفط في العالم -لا روسيا ولا السعودية- ونحن بحاجة إلى أن نتحرك جميعًا وبسرعة من خلال التنسيق المتناغم بين ثلاث أولويات.

على المدى القصير، نحن بحاجة إلى إنتاج مزيد من النفط والغاز بأنظف الطرق، وأقل قدر من تسريب الميثان، لتخفيض الأسعار في محطات الوقود والإسهام في كبح التضخم. وفي المدى القصير أيضًا، نحتاج إلى إنتاج مزيد من النفط والغاز للتصدير إلى حلفائنا الأطلسيين في أوروبا ممن تعهدوا بالتخلي عن النفط الروسي؛ لأن الأوروبيين إذا فعلوا ذلك دونما بديل وفير، فقد يرتفع سعر برميل النفط إلى مائتي دولار في الشتاء القادم مرغمًا مواطني هذه البلاد على الاختيار ما بين التدفئة أو التغذية.

والأهم، في المدى القصير والمدى البعيد، أننا بحاجة إلى أكبر وأكفأ ما يمكن من الطاقة النظيفة للمساعدة في تخفيف تغير المناخ الذي يسهم في رفع درجات الحرارة على نحو خطير في شتى أرجاء العالم خلال الشهر الحالي، فضلًا عن ظواهر مناخية أخرى غريبة ومفزعة.

بعبارة أخرى، نحن بحاجة إلى استراتيجية انتقال أخضر.

وكلتا هاتين الكلمتين شديدة الأهمية. فنحن لا يمكن أن نتخلى عن الوقود الحفري بضغطة زر. ليت ذلك كان بوسعنا يا إلهي. وأنا لم أزل ملتزمًا بذلك الهدف. لكن واقع الأمر ببساطة ألا يوجد ما يكفي من المصادر المتجددة، ولا حتى القريب من الكفاية. لذلك لا بد من (انتقال). ومعنى ذلك أننا بحاجة إلى التشجيع على المزيد، والأنظف، من إنتاج النفط والغاز اليوم، بالتوازي مع سياسات من شأنها التسريع الشديد في إنتاجنا لمصادر متجددة وأنظمة طاقة مضمونة وفيرة رخيص لتحل محل الوقود الحفري بأسرع ما يمكن.

لذلك، بدلًا من السفر إلى السعودية، كان ينبغي أن يجمع بايدن كبار منتجي النفط المحليين في غرفة بجانب كبار خبرائه في الطاقة والبيئة وعدم السماح لهم جميعًا بالخروج ما لم يتفقوا على استراتيجية لتعظيم أنظف إنتاج ممكن للنفط والغاز الأمريكيين، مع أذكى ضريبة على الكربون، وأذكى إجراءات للحفاظ على الطاقة، وأكثر الخطط واقعية لعزل الكربون، ومع أكثر الخطط مصداقية للتوسع الهائل السريع في ملف الطاقة المتجددة لدينا.

بعدها كان يمكن أن يسافر بايدن إلى السعودية -أو ينظر في عيني فلاديمير بوتين- بوصفه متحكمًا في سعر الطاقة لا محض محكوم به.

وصوغ خطة انتقال أخضر واقعية على هذا النحو كفيل وحده بأن يجعل بايدن من أكثر الرؤساء أهميةً وتأثيرًا في تاريخ الولايات المتحدة.

لذلك، إطلاقًا للنقاش حول "خطة بايدن للانتقال الأخضر"، تواصلت مع ريان لانس الرئيس التنفيذي لشركة كونوكوفيليبس. وريان لانس يقود إحدى أضخم شركات النفط والغاز في العالم وهو شخص طالما رأيته محاورًا عميقًا في الطاقة. أردت أن أعرف ما إذا كانت صفقة كهذه ممكنة على أي قدر. فتركتني إجاباته التي وصلتني عبر البريد الإلكتروني ـ ولقيتْ شيئًا من التحرير بهدف الإيضاح ـ على قدر من الأمل.

***

توماس فريدمان: أي أثر على سوق النفط سوف تتركه زيارة بايدن للسعودية؟

رايان لانس: الأمر غير واضح. فنحن نعتقد -وإن لم نكن متأكدين- من أن هناك ما لا يقل عن مليوني برميل من القدرة اليومية الفائضة في الشرق الأوسط. لكن من المهم أن نشير إلى أن كثيرًا من أعضاء أوبك لا يحققون أهدافهم الإنتاجية الراهنة. والأكثر يقينًا أن الطلب العالمي تعافى بقوة ويقترب من مستويات ما قبل الوباء، لذلك لا يزال السوق شديد الضيق. وذلك، بجانب الانخفاض الحالي في مستويات المخزون في المستودعات في العالم يشير إلى أن الأسعار سوف تظل متقلبة.

توماس فريدمان: ماذا لو كان الرئيس، بدلًا من الذهاب إلى السعودية، قد ذهب إلى هيوستن وطلب من منتجي النفط والغاز ضخ المزيد؟

رايان لانس: القدرة الإنتاجية في أمريكا الشمالية انخفضت بقرابة مليون ونصف المليون برميل يوميًا من 2019 إلى 2021، والسبب الرئيسي في ذلك هو كوابح الاستثمار في أوائل الوباء. زد على ذلك العجوزات المستمرة في البشر والخامات والمنتجات وانخفاض قدرة الخدمة وسلاسل التوريد، تجد أن الولايات المتحدة بحاجة إلى سنتين لاستعادة كاملة للإنتاج.

من المهم أن نتذكر أنه حتى أقصر الآبار دورة بحاجة إلى قرابة اثني عشر شهرًا للحفر، والاكتمال، والارتباط بخطوط الأنابيب. لكن استرداد الولايات المتحدة لمستويات ما قبل الجائحة من إنتاج الخام ونتاج التكثيف جيد وسوف يستمر، وبخاصة في حال تخفيف القيود المفروضة على سلسلة التوريد خلال النصف الثاني ودعم السياسات للبنية الأساسية الإضافية التي سوف تكون لازمة. ومن المتوقع استرداد قرابة 800 ألف برميل يوميًا خلال العام الحالي، فضل عن توقع زيادة إضافية بنحو 900 ألف برميل خلال العام القادم.

توماس فريدمان: وهذا تقريبًا القدر الذي كان الرئيس يرجو الحصول عليه من السعودية، إن حصل على ذلك أصلًا. لكن هل زيادة إنتاج النفط والغاز الأمريكي كفيلة بتخفيض الأسعار تخفيضًا ملموسًا هنا؟

رايان لانس: المنتجات المكررة مثل البنزين يجري تسعيرها في الأسواق العالمية، فكلما ازداد الخام في السوق العالمية، قلت أسعار البنزين. ومن هنا يساعد مصدرو الخام الأمريكيون في تخفيض سعر البنزين.

توماس فريدمان: هل انخرطت إدارة بايدن في نقاش ذي جدوى مع صناعة النفط والغاز من أجل انتقال في مجال الطاقة؟

رايان لانس: في حين أن هذه الإدارة تلتقي بانتظام بجماعات بيئية راغبة في القضاء على استعمال الوقود الحفري كله فورًا، فحوارها قليل للغاية مع صناعة الغاز والنفط. عقدنا بعض الاجتماعات ولكن، للأمانة، ما من نقاش عميق في ما يتعلق بقضايا إمداد الطاقة، وأمن الطاقة، والتعاون الإقليمي في أمريكا الشمالية، والتخطيط لانتقال عقلاني منسق في الطاقة إلى اقتصاد منخفض الكربون.

يوفر النفط والغاز مجتمعين 68% من الطاقة الأمريكية اليوم، بينما توفر المصادر المتجددة 12% فقط، حتى بعد عقود من إقامة محطات الرياح والمحطات الشمسية بتشجيع من تفويضات حكومية وخصومات ضريبية. ولأن النفط والغاز سوف يبقيان في مزيج الطاقة لما بعد سنة 2050 فنحن بحاجة إلى حوار بناء مع الإدارة والكونجرس والشعب الأمريكي حول أمن إمدادات الطاقة، والتنويع، والتكلفة، وانتقال الطاقة والتقنيات منخفضة الكربون. أما شيطنة الصناعة [أي صناعة النفط والغاز] فليست بحل.

توماس فريدمان: لو أن هناك "خطة بايدن للانتقال الأخضر" فما الذي تريده منها، وما الذي تعتقد أن الصناعة قادرة على تقديمه؟

رايان لانس: ما نحتاج إليه من الحكومة هو الاستقرار والقدرة على التنبؤ بالقادم. فبوسع سياسات تنظيمية منطقية يمكن التنبؤ بها أن ترسخ بيئة استثمارية أفضل. على سبيل المثال، من ديسمبر 2019 إلى أبريل 2020، انخفضت أسعار النفط من قرابة 70 دولارًا للبرميل إلى 19 دولارًا. لم تشهد غير صناعات قليلة اختفاء مثل هذه النسبة الضخمة من العائد وبهذه السرعة.

تصاريح الحفر وحدها غير كافية. لتشجيع الاستثمار، يجب على الحكومة أن تستأنف تأجير الأراضي الفيدرالية بانتظام واستمرار للاستكشاف والتنمية -لا أن يكون التأجير متفرقًا ومتقطعًا- وتسريع السماح لا بالحفر وحده ولكن أيضًا بخطوط الأنابيب والطرق وغيرهما من مكونات البنية الأساسية اللازمة لتيسير إنتاج النفط الجديد والغاز الطبيعي المسيل. هذه الاستثمارات بطبيعتها ذات دورة أطول وتقتضي مزيدًا من اليقين التنظيمي.

توماس فريدمان: وما الالتزامات الخضراء الواجب على صناعة النفط أن تقدمها؟

رايان لانس: يجب أن تكون لدى جميع المنتجات التزامات صفرية. وصناعتنا -وهذا يعني الجميع من شركات القطاعين العام والخاص- يجب أن تتعامل مع انبعاثات الميثان والتسريبات والحرق تعاملًا حاسمًا ونهائيًا، مع الالتزام بواجباتنا في إتاحة وتأمين الطاقة. يجب أن نضمن اتصال جميع آبارنا "اليتيمة" في الوقت المناسب، وإحراز تقدم حقيقي في قنص الكربون وتخزينه، واستكشاف المصادر منخفضة الكربون كالهيدروجين، وتقييم إمكانات التعويضات الطبيعية للكربون.

لقد انضمت شركات كونوكو فيليبس وبيونير وديفون إلى شراكة ميثان النفط والغاز 2.0 التي توفر إطارًا شاملًا لإعداد تقارير الميثان القائم على القياس لصناعة النفط والغاز. وهي شراكة مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة والمنظمات غير الحكومية، وتحتوي إقرارًا من طرف ثالث.

توماس فريدمان: ماذا عن فرض ضريبة على الكربون؟

رايان لانس: نعتقد أن وضع سعر للكربون مع خطة لرد العائد إلى المستهلك كفيل بأن يقدم إشارة مستقرة يمكن التنبؤ بها للسوق تؤثر على تدفقات الاستثمار وطلب المستهلك النهائي، مع تقليل الآثار الاقتصادية والاجتماعية المحلية على الانتقال في الطاقة. لكننا نعترف أيضًا بالتحديات السياسية لتطبيق ضرائب إضافية في نقاط البيع. ومن ثم يجب النظر أيضا في آليات سياسية أخرى، بما في ذلك الحد الأقصى والتجارة، والتعديلات الحدودية، والائتمانات الكربونية العادلة عبر أقسام الاقتصاد الرئيسية.

***

تبدو مقترحات ريان لانس سديدة وجيدة في غالبيتها. لكن الأقوال يجب أن تترجم إلى أفعال. لقد استثمرت شركات النفط والغاز حتى الآن مبالغ زهيدة من رأس المال الفعلي في الطاقة النظيف أو التقاط الكربون، ولم تستثمر نهائيا من رأس المال السياسي لتمكين وتسريع الانتقال إلى الطاقة النظيفة. وهم يقرون منذ وقت طويل ضريبة الكربون، مدركين أن فرصتها توشك أن تكون معدومةً في أن يتبناها أي من الحزبين. كما غابوا تمامًا عن تأييد منصة الرئيس للطاقة النظيفة، الممتلئة بفرص العمل الجديدة في مجال الطاقة النظيفة، ومن شأنها أن تضع أمريكا مرة أخرى في ريادة الصناعة العالمية العظيمة التالية.

وبعد ذلك كله، لقد تزامن الغزو الروسي لأوكرانيا مع ارتفاع أسعار البنزين مع التغير المناخي، فأصبحت هذه اللحظة مثالية لإبرام صفقة عظيمة. يجب أن يتوقف بايدن عن إضاعة الوقت مع جو مانتشين، ويجمع التنفيذيين الأساسيين في صناعة النفط والغاز ويعرض عليهم صفقته: سيمنحهم بالمنطق اليقين التنظيمي الذي يحتاجون إليه لزيادة الاستثمار في الآبار والبنية الأساسية، وفي المقابل يجعلون الحزب الجمهوري يصوت من أجل إعفاءات ضريبية واستثمارات بمئات المليارات يريدها بايدن لتشجيع طاقات الشمس والرياح والهيدروجين والسيارات الكهربائية وتوسيع شبكات الكهرباء وأنظمة التقاط الكربون وغيرها من التقنيات القائمة على الطاقة النظيفة.

لا بد من سبيل لإبرام صفقة هنا، ولكن ذلك لن يحدث إلا بذهاب الرئيس إلى هيوستن.

ترجمة لـ(عمان) عن "نيويورك تايمز"