إذا استمرت هذه الحرب فنحن في عالم جديد تماما

30 مارس 2022
30 مارس 2022

لولو جارسيا نافارو ـ توماس فريدمان ـ روس داوثات ـ فرح ستوكمان

ترجمة: أحمد شافعي

مضى شهر منذ أن قامت روسيا بغزو أوكرانيا فشهدت تلك الفترة نزوح قرابة ربع سكان أوكرانيا.

سافر الرئيس بايدن يوم الخميس إلى بروكسل لمقابلة زعماء العالم ومناقشة استجابة الناتو للأزمة. كما أعلنت الولايات المتحدة أنها سوف تستوعب مئة ألف لاجئ أوكراني وتمنح مليار دولار لمساعدة البلاد الأوربية التي استقبلت بالأوكرانيين الهاربين.

في ضوء حجم الأزمة، هل سيكون ذلك كافيا؟ ومع الحديث عن حرب نووية، ما مدى أمن أوروبا، والولايات المتحدة، وبقية العالم؟

ينضم كاتبا الرأي توماس فريدمان وروس داوثات إلى عضوة هيئة التحرير فرح ستوكمان ومذيعة البودكاست في الصحيفة لولو جارسيا نافارو لمناقشة هذه الأسئلة وأكثر.

***

لولو جارسيا نافارو: يصارع الرئيس بايدن وحلفاء الناتو أسئلة ضخمة بحق في ما يتعلق بمستقبل وأمن أوربا والتهديدات التي تمثلها الحرب الأوكرانية على الغرب. أريد أن أبدأ بك يا توم. ما أضخم الأسئلة المطروحة على الطاولة، سواء الأسئلة قريبة المدى أم بعيدته، إذ يسافر [الرئيس] إلى القارة الأوربية؟

توماس فريدمان: هذا ما قد أقوله يا لولو، الحروب تتحدد وتتقرر بفعل أمور ذات وزن، لا بفعل كلمات في الهواء. ويمكنني القول بأن الأمور ذات الوزن التي تصوغ هذه الحرب حتى الآن ثلاثة. الأول هو عدم فعالية الجيش الروسي. والثاني هو فعالية الجيش الأوكراني. والثالث، وشديد الأهمية، هو تضامن وفعالية التحالف الغربي، ولو أن التحالف يتجاوز الغرب، ففيه بصفة أوسع اليابان وكوريا وبلاد أسيوية تنضم أيضا.

هذا التحالف الغربي كان أساسيا من وجهين. أحدهما أنه تمكَّن من دعم عقوبات اقتصادية خانقة، وأنه استطاع تقديم دعم عسكري مادي، وبخاصة أسلحة مضادة للدبابات، وأسلحة مضادة للطائرات، وطائرات مسيرة، للأوكرانيين. وكان شديد الأهمية في استيعاب اللاجئين وتوفير المساعدات من أجل ذلك.

لذلك أعتقد أن الرئيس سوف يحاول تعزيز تلك الأمور ذات الوزن. مع إضافة أمر آخر، إذ أعتقد أنه سوف يُبذل جهد من أجل إصدار تحذير شديد الوضوح لبوتين من أنه في حال لجوئه إلى أي من أسلحة الدمار الشامل، سواء أهي كيميائية أم بيولوجية أم نووية، فسوف يكون للناتو رد. أخمن أن يكون هذا على الطاولة. لا أعرف على وجه اليقين، لكن هذا ما سمعناه.

لولو جارسيا نافارو: أريد أن أتناول إلى هذا. لكن أريد أن أسألك يا توم: سيطرح الرئيس أيضا رسالة واقعية لأوربا في هذه الرحلة حسبما نفهم، مفادها هو أن هذا الصراع سوف يستمر لشهور، وربما لسنين. باختصار يا توم، هل تعتقد أن هذا صحيح؟ ولو أن الأمر كذلك، فما معناه في رأيك؟

توماس فريدمان: من الصعب جدا التنبؤ يا لولو. والسبب هو مدى التفاوت الرهيب في قدرتنا على رؤية هذه الحرب. فما نراه بيانيا كل يوم ليس إلا صورا لميدان معركة، نرى صورا تظهر الفعالية، في كثير من الأحيان، أعني فعالية القوات الأوكرانية، ثم الدمار الرهيب الذي تحدثه الحرب حتى الآن. ذلك البعد في هذه الحرب يناسبه الفيديو حقا.

لكن هناك حرب كاملة أخرى تجري. فقد ألقى الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، على روسيا ما يعادل قنبلة نووية اقتصادية. وتزداد سعة الانفجار كل يوم. فما لا ترونه هو أن إيفان إيفانوفيتش يذهب كل يوم إلى آلة الصرف الآلي ولا يستطيع أن يسحب نقودا، أو يذهب إلى رئيسه في المصنع ويقول كيف سنعمل الأسبوع القادم وليس لدينا المزيد من الرقائق الإلكترونية؟

إذن نحن نلحق ألما رهيبا بالاقتصاد الروسي على نطاق شديد الاتساع، لكنه غير قابل للظهور، أو قليل للغاية منه هو القابل للظهور، فقليلة للغاية هي الأخبار المنقولة من داخل روسيا. أحب أن يكون هذا في ذهن كل من يقول إن ما نحن فيه الآن سيستمر إلى الأبد. قد يستمر. ما يدريني؟ لكنني أعتقد أننا نلحق من الألم أكثر كثيرا مما يمكننا أن نرى في الوقت الراهن.

لولو جارسيا نافارو: فرح، لقد كنتِ للتو في بولندا، كيف تفكر أوروبا في احتمال أن تستمر هذه الحرب، وكيف تتأهب لذلك الأمر، وهو محتمل في نهاية المطاف؟

فرح ستوكمان: أعتقد أن الإجابة المختصرة هي أنهم، عندما كنت هناك، كانوا لا يفعلون شيئا من ذلك. لقد ذهبت إلى مجلس مدينة وارسو وأخبرتني السكرتيرة الصحفية للعمدة أن تكلفة الطاقة اللازمة لتدفئة مباني البلدية ارتفعت بنسبة 600% عما كانت عليه قبل الغزو الروسي. وقالت إن الناس يجهزون أنفسهم. لا يريدون حتى أن يتكلموا عن المدى الذي سترتفع إليه التكاليف.

أعتقد أن هناك الكثير. وأنه حدث بسرعة كبيرة. وأن الاستجابة جاءت سريعة. ولم يتح للناس وقت فعليا لمعالجة ما يعنيه هذا حقا لأوروبا من حيث ميزانيات المدن وكيفية القيام باستيعاب كل أولئك اللاجئين لسنين. لذلك تبدأ الحوارات الآن فقط في ما إذا كان على الاتحاد الأوربي أن يمنح المال مباشرة للمدن التي تستضيف أولئك اللاجئين بدلا من الحكومات الفيدرالية التي تميل إلى أن تكون أقل كرما. لكنَّ تحولا عميقا سوف يجري في أوربا فور أن يبدأ الناس فعلا في استيعاب ما يعنيه هذا بالنسبة لأوربا.

لولو جارسيا نافارو: تحدث توم، يا روس، عن التكاليف الاقتصادية التي تتكبدها روسيا، وفرح كانت تنقلنا إلى التكاليف الاقتصادية التي تتكبدها أوروبا. أريد أن أسألك أنت عن الاقتصاد. لأنه برغم أن أوروبا وقفت وقفة حازمة، إذ أعلن الناتو للتو نشر مزيد من القوات في الشرق، فهي لم تزل شديدة الاعتماد على الغاز والنفط الروسيين بما يعني أنها تدفع لروسيا في مقابل هذه السلع وتدعم الاقتصاد الذي يفترض أنها تعاقبه. ما مدى قابلية دوام هذا الانقسام السياسي؟

روس داوثات: موضعنا الآن، مثلما قال توم، مثير جدا للفضول، إذ نخوض هذه الحرب الاقتصادية الهائلة ضد "نظام" بوتين. وأوروبا أيضا ترسل قرابة مليار دولار يوميا إليه من أموال النفط والغاز. وهذا قابل للاستمرار بمعنى أنه كذلك على المدى القصير، وذلك جزئيا لأن مستوى الألم الواقع بالفعل على الاقتصادات الأوربية غير بسيط.

يمكن أن نتخيل المستقبل على المدى البعيد، أو حتى المستقبل على المدى المتوسط، حيث يعجّل هذا الصراع من تحول الطاقة في أوربا، وربما إعادة افتتاح بعض محطات الطاقة النووية الألمانية المغلقة التي كثيرا ما نسمع عنها. لكن من نواح معينة، لم تزل لدى بوتين القدرة على إيلام الغرب اقتصاديا. ربما ثمة حدود لمستوى الألم الاقتصادي الذي يمكن للغرب أن يلحقه بنفسه. قد يديم ذلك من الوضع الراهن لبعض الوقت. إلى أن يصبح المشهد العسكري حاسما مرة أخرى.

أعتقد أننا في أرض مجهولة في ما يتعلق بالحرب الاقتصادية. لكن لدينا بالفعل أمثلة كثيرة في العالم المعاصر، في الماضي غير البعيد كثيرا، لأنظمة حكم نجت من حروب اقتصادية قاسية قادتها الولايات المتحدة. روسيا الآن ـ لأسباب عديدة ـ في وضع مختلف عن وضع إيران أو فنزويلا، لكن ما من ضمان لأن يستطيع إيفان إيفانوفيتش ـ أي المواطن الروسي العادي ـ النهوض للمساعدة في إنهاء الحرب. ليس من المرجح أن يحدث هذا مطلقا على هذا النحو. لذلك فإن المشهد العسكري، في اعتقادي، لم يزل مهما للغاية في تصور كيفية إنهاء ما نحن فيه.

لولو جارسيا نافارو: أريد بالفعل أن أنتقل إلى ميدان المعركة الآن. لا أريد أن أكون من دعاة الكارثة، لكن وفقا لما نقلته نيويورك تايمز فإن الولايات المتحدة تستعد الآن لنشر روسيا أسلحة دمار شامل في أوكرانيا. هذا من الأمور التي سوف يناقشها بايدن. نحن نتكلم بالطبع عن أسلحة كيميائية أو بيولوجية أو السيناريو الأسوأ وهو الأسلحة النووية.

توم، هل هم قلقون من ذلك في أوروبا؟ وما احتمال أن يحدث ذلك في رأيك؟ وكيف ينبغي أن يكون الرد؟ ثم أطرح السؤال نفسه على فرح؟

توماس فريدمان: حسن، هم قلقون بالطبع. ومستحيل ألا يكونوا كذلك، وقد استُعمل الغاز السام في سوريا.

من الأمور الجيدة التي قامت بها الإدارة الأمريكية أنها كانت استباقية بصورة لا تصدق في ما يتعلق بمعلوماتها المخابراتية. وهذا من الأمور الجديدة للغاية في هذه القصة، وكانت المعلومات في غاية الدقة فعليا. بما يعني أننا اخترقناهم اختراقا واضحا.

لكننا نفصح عن هذه المعلومات، في تقديري، لا بهدف إثارة غضب بوتين فقط، بل لتعيين بضعة خطوط حمراء. شهدنا خطين أحمرين رُسما بهذه الطريقة خلال الأيام العشر الماضية. واحد منهما للصين في حقيقة الأمر. فقد ظهر خبر ـ مسرَّب من الإدارة الأمريكية ـ بأن الصين تدرس نقل أسلحة إلى روسيا. وكان ذلك خطا أحمر بالنسبة للإدارة. ويزعم الصينيون أنهم لم يفعلوا ذلك. لكن ذلك كان ليمثل أمرا بالغ الأهمية في تغيير مسار هذه الحرب. وهذه كانت الطريقة للتخويف من هذا الأمر.

والثاني خاص بالحرب الكيميائية. أعتقد أن هذا كان بناء على معلومات مخابراتية حول اكتشاف استعدادات لذلك، وإشارة إلى أن من شأن ذلك أن يرسم خطا أحمر. الآن قد يريد بوتين اختبار هذا الخط الأحمر. أعتقد أن مأزق بوتين هو أن خطته الأولى، أي الحرب التي ظن أنه سوف يخوضها وهي حرب تدخل سريعة في أوكرانيا يسقط بعدها البلد في حجره ـ هذه الخطة الأولى فشلت.

وهو الآن في الخطة البديلة. ومن الأسباب التي جعلت الرئيس بايدن يعلن أن الولايات المتحدة سوف تستوعب مئة ألف لاجئ أنه يريد أن يحافظ على وحدة التحالف وألا يقع فريسة لاستراتيجية بوتين ـ القائمة على الإكثار من اللاجئين بالملايين والملايين ـ حتى يتجه حلفاء الناتو إلى الرئيس زيلنسكي قائلين له انظر، لم نعد قادرين على استيعاب المزيد، وإن عليك أن تبرم صفقة مع هذا الرجل.

لولو جارسيا نافارو: فرح، أريد أن أسمع منك أيضا في هذه النقطة.

فرح ستوكمان: كان الناس في منتهى الفزع حينما كنت هناك. نحن هنا في الولايات المتحدة يحمينا هذان المحيطان الهائلان. لم نزل نشعر أن الحرب بعيدة. لكن حينما يكون المرء في وارسو، فهو على بعد عشر ساعات بالسيارة من كييف. وكم حين يكون في برلين، خمس عشرة ساعة؟ ليس بالبعيد. فكان الناس في غاية القلق.

أعتقد أن الأمر هو أنه إذا استمر بوتين في التهديد باستعمال الأسلحة النووية، فما الذي بوسعكم عمله للرد؟ لأنكم لو استسلمتم للتهديدات، فبوسعه أن يدفع الناتو بعيدا. يمكنه أن يظل يطالب بمنطقة عازلة. يمكنه الاستمرار في توسيع قوته في أوروبا. وهذا غير مقبول. لكن العكس أيضا لا يمكن التفكير فيه، وهو الاستجابة على نحو يورط الناتو ونصبح فعليا في الحرب العالمية الثالثة.

لولو جارسيا نافارو: روس، بشأن أفكارك، وبصفة خاصة لو أن هذه الأسلحة استعملت في أوكرانيا وانجرف بعضها إلى أحد بلاد الناتو، يبدو أن السؤال هو: هل سيعد ذلك من أعمال الحرب على الناتو، وهل سيكونون مرغمين في هذه الحالة على الرد؟

روس داوثات: عندي فضول تجاه فرح وتوم، وما يريان أنه الغرض التكتيكي المحتمل لاستعمال أسلحة كيميائية أو بيولوجية في هذه المرحلة من الحرب. أتفق مع توم في أن تنبؤات مخابراتنا بشأن ما كان يفعله بوتين قد جاءت جيدة كثيرا. لذلك في رأيي أننا لا بد أن نأخذها على محمل الجد. لكنني فيما أنظر إلى الوضع في أوكرانيا، أرى أن تحدى بوتين الراهن هو أن القوات الروسية شديدة القرب من إقامة ممر يبدو مستقرا يربط شبه جزيرة القرم بمنطقة دونباس، ومن هنا سر الأهمية الاستراتيجية الكبيرة في الوقت الراهن للحصار والتخريب الجاريين لماريبول التي تمثل في جوهرها مفصل هذا الرابط.

في حدود تمكُّن بوتين من ادعاء تحقيق انتصار يمكن تخيله في فترة قصيرة نسبية، بما يمكنه فعليا من التفاوض على إنهاء الحرب وقوله للشعب الروسي إنه نجح في تحقيق شيء، يبدو أن تلك هي طريقته في القول "إننا أعدنا ربط القرم بالمناطق الناطقة بالروسية في الشرق، وسوف نستمسك بهذه المناطق أو سنجري استفتاء فيها أو أي شيء".

لا أعتقد أن المشهد العسكري في حال استعمال أسلحة نووية قد يكون له معنى بالنسبة له. فالسيناريو الذي قد تنظر بموجبه عقيدة الجيش الروسي في استعمال أسلحة نووية تكتيكية سيكون السيناريو الذي بموجبه يبدأ بوتين في خسارة الحرب بوضوح، وتدفع القوات الأوكرانية الروس إلى الوراء بأعداد ضخمة صوب الحدود الروسية. أعتقد أن ذلك هو السيناريو الذي قد نقلق فيه من إطلاق بوتين سلاحا نوويا تكتيكيا في مكان ما ويتحدى الأوكرانيين والغرب أن يفعلا شيئا حيال ذلك.

هذا ما لديَّ من شكوك في ما يتعلق بأسلحة الدمار الشامل في هذه اللحظة الاستراتيجية. لا يبدو لي أنها تساعد بوتين في تحقيق هدفه العسكري المعقول في الوقت الراهن، وهو تحديدا التعزيز في الجنوب.

لولو جارسيا نافارو: توم، هل تريد أن ترد على ذلك؟ ما الفوائد التكتيكية المحتملة من استعمال أسلحة كيميائية؟

توماس فريدمان: أعتقد أن روس عرض تكاليفها بدقة شديدة. قد أضيف تكلفة أخرى لها وهي أن الصينيين ـ الذين يمثلون بالفعل الصوت الانتخابي المتأرجح في هذا الأمر ـ لم يحسموا أمرهم بعد. فقلب الرئيس الصيني شي جينبيج مع بوتين، ولكن رأسه يعلم أن التكلفة ستكون رهيبة على الصين إذا ما تدخلت ماديا بالنيابة عنه بما أن الاتحاد الأوروبي هو أكبر سوق لصادرات الصين، وما تلك إلا البداية.

فلو أن بوتين أدخل أي نوع من الأسلحة: كيميائية أو نووية، أعتقد أن تلك سوف تكون أيضا مشكلة حقيقية للصينيين. أفترض فقط أنه سيكون نوعا من اليأس التام أن يتم إخلاء أوكرانيا وإرغام الشعب كله على الخروج إلى أوروبا والتسبب في فوضى هناك. لكن يصعب عليّ أن أرى ذلك جزءا من أي استراتيجية في الوقت الراهن للفوز بالحرب والتمكن من تعزيز المكاسب.

لولو جارسيا نافارو: أريد أن ارجع إلى أزمة اللاجئين، لأنكم أنتم الثلاثة ذكرتم أن هذه هي الجبهة الثالثة في هذه الحرب، حيث تقتل روسيا الناس وتشردهم من أجل تغيير مسار الحرب. يقدَّر أن قرابة ربع سكان أوكرانيا شردهم الغزو، منهم النصف من الأطفال، وثلاثة ملايين ونصف المليون هربوا من البلد تماما. ونعرف أن الهجرة في السنوات الأخيرة تمثل موضوعا ملغما بالفعل.

توم، لقد تكلمتَ عن الضغط الذي سوف يضعه هذا التيار من اللاجئين على البلاد الأوربية وكيف يمكن أن يكون جزءا من استراتيحية بوتين لتشتيت رد الناتو على غزوه. هل تعتقد أن أوربا قادرة على الاستمرار في استيعاب هذه الأعداد؟ لقد قالت الولايات المتحدة إنها سوف تستوعب مئة ألف لاجئ أوكراني، لكن هذه قطرة من بحر.

توماس فريدمان: هي مشكلة حقيقية. إننا نعيش في عصر يصعب فيه أكثر فأكثر على بلد أن يكون بلدا، متماسكا بوصفه بلدا. ونرى التوترات والضغوط في دول ضعيفة وهشة في أماكن مثل الشرق الأوسط حاليا. أشير إلى لبنان التي تلقت موجة ضخمة من اللاجئين من حرب سوريا، التي كان الروس أيضا مشاركين فيها. هذه الضغوط على البلاد في وقت التغير المناخي، وفي وقت التوتر الاقتصادي، تجعل من الصعب للغاية على بلد أن يكون بلدا بصفة عامة. أضف إلى ذلك الاضطرار الفجائي لاستيعاب لا مئة ألف لاجئ وإنما ملايين عدة من اللاجئين في وقت واحد، كثير مهم نساء وأطفال وشيوخ وليسوا ذكورا عاملين، فهؤلاء بقوا في أوكرانيا. وهذا ضغط هائل.

لولو جارسيا نافارو: في الوقت نفسه، هناك دعم شعبي هائل للاجئين الأوكرانيين في الوقت الراهن. ما الشعور الذي انتابك يا فرح في رحلتك الأخيرة إلى بولندا بشأن استمرار الرغبة في دعمهم؟ هل تشعرين بوجود تاريخ صلاحية؟

فرح ستوكمان: رأيت فيضا ضخما لم يكن متوقعا من نواح كثيرة. فكثير من الأوكرانيين المقيمين في بولندا تعرضوا للتمييز. ويعملون غالبا في مهن متواضعة الأجور. وقالوا إن البولنديين يتعالون عليهم.

لكنهم فجأة، فور غزو الروس، باتوا موضع ترحاب. وكانوا يرون الأعلام الأوكرانية ترفرف من قاعة بلدية وارسو. أخذ الرؤساء التنفيذيون والمبرمجون إجازات من أعمالهم للتوجه إلى الحدود عارضين توصيل الناس وتسكينهم في بيوتهم. فكان هناك هذا التدفق الاستثنائي، بدافع جزئي من الامتنان. أعتقد أن الشعب البولندي يعرف إحساس الغزو الروسي. وكانوا سعداء بخوض الأوكرانيين تلك المعركة.

لكنني أعتقد فعليا بوجود تاريخ صلاحية. قال لي عمدة وارسو إنه كان يتلقى اتصالات من ناس يقول أحدهم إنني أسكنت أولئك الأوكرانيين لبضعة أيام، فإلي أين ينبغي أن أصطحبهم الآن؟ ماذا أفعل فيهم الآن؟ لذلك سوف يستوجب الأمر جهدا هائلا. وفي بولندا ثمة استقطاب كبير، كالحال هنا. مدينة وارسو ليبرالية، والحكومة نفسها مناهضة تاريخيا للهجرة وشديدة اليمينية.

فالعبور بهذا الوضع سوف يمثل تحديا لبولندا. هم في الوقت الراهن متماسكون ومتحدون كجبهة في مواجهة الأزمة. لكن بعد عام من الآن، أو بعد عامين من الآن، لا أعرف كيف سيكون شكل الوضع.

لولو جارسيا نافارو: أريد أن أسألكم جميعا سؤالا أخيرا، لأننا إذ ننظر في ما تمر به أوربا نرى تداعيات هذا محسوسة هنا في الولايات المتحدة. لقد ذهبت لمقابلة عائلتي هذا الأسبوع، وسوف أقول إن الناس غير المهتمين في العادة اهتماما رهيبا بالسياسة الخارجية كانوا يتناقشون بضراوة في مسألة أوكرانيا وبوتين وروسيا. هذا صراع يعني الأمريكيين لشتى أنواع الأسباب.

في ضوء مدى تعقد الوضع ـ والتكاليف الاقتصاية والعسكرية والإنسانية التي ناقشناها توا ـ ما الذي ينبغي أن يجهز الأمريكيون أنفسهم له؟ لنبدأ بك يا توم.

توماس فريدمان: الواضح، أسعار طاقة أعلى، لأن روسيا لاعب مهم في سوق الطاقة العالمية. أسعار غذاء أعلى، بشكل مباشر أو غير مباشر، لأن أوكرانيا وروسيا من كبار موردي القمح. لكن لإجابة سؤالك إجابة كاملة يا لولو علينا أن نفكر هل ستستمر الحرب.

لقد عشنا منذ عام 2000 في عالم اعتدناه إلى حد كبير. تعلمنا أن نتعايش مع بوتين. تدخَّل في انتخاباتنا، وتدخَّل في أوروبا بطرقه الخاصة، ونال قضمات من دول مجاورة، واشترك في سوريا. لكن بطريقة ما عثرنا على طريقة للتصالح معه والحفاظ على تدفق النفط والغاز الروسي إلى الغرب.

في حال استمرار هذه الحرب سنكون في عالم جديد تماما. في عالم نتعامل فيه أو نتعلم كيف نتعايش فيه مع روسيا بوصفها بلدا منبوذا. وهذا تغير واحد فحسب.

الأمر الآخر أنني قد أقول ببساطة إنه فيما تستمر هذه الحرب، فإن نزعات أخرى توقفت. لا أعرف إن كان أحد قد انتبه إلى الأخبار الواردة من أنتاركتيكا حيث وصلت درجة الحرارة إلى أعلى من مستوياتها بسبعين درجة، وليس سبعا، إنما هي سبعون.

لولو جارسيا نافارو: أنت يا فرح تنبأت بالتكلفة الاقتصادية لهذه الحرب في البداية. ما الذي ينبغي أن يعرفه الأمريكيون أيضا؟

فرح ستوكمان: أعتقد أن الناس يجب أن يستعدوا لأمور رهيبة، أمور رهيبة تنجم عن هذه الحرب، حتى من الجانب الأوكراني. في الوقت الراهن نرى الكثير على وسائل الإعلام الاجتماعي بخصوص الأوكرانيين الذين ينقذون القطط والكلاب، وهم جيدون للغاية في التواصل وتوصيل رسائلهم. ولكن الحرب قبيحة ورهيبة. وكلما استمر ما نحن فيه، سوف تزداد مزاعم جرائم الحرب ومزاعم اشتراك الميلشيات اليمينية المتطرفة. في الوقت الراهن في ماريبول، من أشرس المدافعين عن المدينة فصيلة مرتبطة باليمين المتطرف.

روسيا هناك إلى مدى بعيد. وهم أكثر اهتماما بأوكرانيا من الأمريكي العادي.

الأمر الآخر الذي يثير قلقي ـ أو الأمر الآخر الذي أعتقد أن على الأمريكيين أن يتوقعوه ـ هو أن بقية العالم لن ترى الأمر مثلما نراه. نحن نتكلم عن المجتمع الدولي، ونبذ روسيا. لكن في الواقع، جنوب أفريقا والهند وإسرائيل وقائمة طويلة من البلاد النامية لم تزل مذبذبة. تتابع ما يجري. وتنتظر أن ترى إلى أين سوف تمضي الأمور. ولعل هذه البلاد تحصل على أسلحتها من روسيا، أو ربما تتوقع أن يأتي يوم ندير فيها قوتنا الاقتصادية عليها ونعاقبها. لا أعرف بالضبط.

مهما يكن المنتصر في هذه الحرب، ومهما تكن نهايتها، أرجو أن تتوصل الولايات المتحدة إلى موقف تستطيع فيه أن تعيش بسلام مع العالم النامي، حتى لو لم تفعل دوله ما نطالبها بفعله.

لولو جارسيا نافارو: روس؟

روس داوثات: فقط لكي أستكمل النقطتين: في سياسات الولايات المتحدة الداخلية، أعتقد أن إدارة بايدن أحسنت الأداء بصفة عامة منذ اندلاع الحرب. لكنني أعتقد أن الوضع القادم سيكون وضعا ينصب فيه الانتقاد على كل شيء مهما يكن.

يمكنكم أن تتخيلوا سيناريو كالذي تصفه فرح حيث تستمر الحرب وتطول. ويصبح السؤال: لماذا لا نخرج؟ لماذا لم نزل نرسل أسلحة ولماذا لم نزل متورطين في هذا؟ أو يمكنكم أن تتخيلوا سيناريو يرغم على عقد اتفاقية سلام سيئة كالتي كتب عنها توم. وإذن يصبح السؤال: لماذا يتساهل بايدن مع بوتين؟ لماذا لم نفعل المزيد لمنع تمزيق أوكرانيا؟ لا توجد نتيجة سياسية داخلية عظيمة، في ما أعتقد، بالنسبة لإدارة بايدن، حتى لو تعاملت مع هذا الأمر بشكل صحيح تماما.

ومن الناحية الجيوسياسية، في ما يتعلق بكلام فرح، أعتقد أن الكثير من الناس - وليس الأمريكيين فقط، إنما الغربيون بعامة، وأهل مهنتنا الذين يحبون كتابة مقالات جيوسياسية شاملة - يريدون أن يكون هذا بطريقة ما حربا باردة جديدة، عالما منقسما جديدا، وهو صراع كبير بين الديمقراطية والاستبداد على مستقبل الجنس البشري.

لكن العالم أكثر تعقيدا واستقطابا من ذلك. وسيتعين علينا أن نرى ما يحدث في الهند، وما يحدث في الشرق الأوسط. لم يقف حلفاؤنا المفترضون في الشرق الأوسط، من إسرائيل إلى المملكة العربية السعودية إلى دول الخليج، إلى جانبنا بشكل كامل. لأمريكا اللاتينية وأفريقيا مصالحهما الخاصة. وقد نكون في طريقنا إلى منطقة جيوسياسية غير مألوفة تماما، قد تبدو أقرب إلى القرن التاسع عشر من أوجه معينة. لا أعرف. ولكن هذا ما سأكون مستعدا له على المدى البعيد.

• "خدمة نيويورك تايمز"

** ترجمة خاصة بجريدة عمان