يوميات سورية 36

18 ديسمبر 2021
18 ديسمبر 2021

ـ 1 ـ

في خمسينيات القرن الماضي... كان المعلم صاحب رتبة اجتماعية، وكان موضع احترام الطلاب وأهلهم.

لكن المعلم اليوم... لا يستطيع العيش، بالمعنى الحرفي للكلمة.

أصبح يجري من بيت إلى بيت لإعطاء الدروس الخصوصية لطلاب لا يهمهم العلم والمعرفة والتفوق.

من تلك الأيام هذه الحكاية:

في أوراق امتحان مادة البلاغة، وجد المعلم، واسمه أسامة، بدلاً من إجابات على أسئلة، هذه الأبيات:

أسامة، قل لي ما العمل

واليأس قد غلب الأمل

قيل امتحان بلاغة

فحسبته حان الأجل

وفزعت من صوت المرا..

..قب إن تنحنح أو سعل

أسامة مهلاً يا أخي

ما كل مسألة تُحل

فمن البلاغة نافع

ومن البلاغة ما قتل

قد كنت أبلد طالب

وأنا وربي لم أزل

فإذا أتتك إجابتي

فيها السؤال بدون حل

دعها وصحح غيرها

والصفر ضعه على عجل

الأستاذ أسامة أعطاه علامة نجاح... فهذه بلاغة أيضاً.

ـ 2 ـ

في حقل الإعدام رمياً بالرصاص.. كان أحد المحكومين يصرخ بأنه بريء، وأنه استبدل، بالواسطة، ليحل محل المحكوم الحقيقي، ويعدم بدلاً منه.

عندما عصبوا عينيه... قال لهم بسخرية: أرى كل شيء.

فقاموا، بكل غباء، بسد منافذ الرباط على وجهه.

ـ 3 ـ

كانت سورية رابع دولة في زراعة القطن. وثالث دولة في زراعة القمح القاسي. وثاني دولة في إنتاج الزيتون. وثالث دولة في الحمضيات.

سورية تكفي 80 مليون نسمة للعيش في بحبوحة كاملة. هذا ما كتبه الخبير الاقتصادي الأمريكي البروفيسور «جيفري ساش» في «وول ستريت جورنال»، معدداً حقول النفط في الشمال السوري، والفوسفات والغاز. ولدى سورية ثلثا الآثار الموجودة في العالم. ولا يزال في سورية خزان بشري هائل، من فئة الشباب والخريجين، على الرغم من هجرة غير مسبوقة في التاريخ.

أمس سألت شاباً: ما أخبارك؟ قال: كنا نجتمع لنلعب الورق، وننظم الدور لأننا كثر. واللعبة تحتاج إلى أربعة. الآن نبحث عن الراكب الرابع لتكتمل اللعبة... رفاقي، كلهم، موزعون بين قتيل وقاتل ومهاجر.

ـ 4 ـ

لتلك التي أعرفها قديماً...

وأجهلها الآن.

لم تمت بعد... وإنما ليست في هذه الدنيا.

لتلك التي أرسلت فراشتها إلى سرير الطفولة

وهزّت أغصان توت الحرير...

لتلك التي سال من أجلها النوم على الأجفان

عسلاً أزرق، وأبيض من ضوئها

غبش على عين الفتوة الأولى....

لتلك التي لم يزل من بقايا حزنها ما يكفي لقرع الطبول، ومن بقايا أفراحها ما يكفي لمرور الهواء في النايات.

لتلك التي نعرفها ونجهلها...

نجهلها... ولكن، حين يبدأ نشيدها بالعزف، يهب في صدرنا اسمها الكريم...

يا بلادي.

ـ 5 ـ

من دفتر قديم:

«كن في الحياة كلاعب، وليس كحكم.

فالأول يبحث عن هدف، والثاني عن خطأ».