خوف..
26 ديسمبر 2025
26 ديسمبر 2025
من ينكر الخوف؛ ينكر حقيقته كبشر في هذه الحياة المدفوعة بكثير من الخوف، والرجاء في آن واحد، ولكن لأن الخوف هو سلطان في حد ذاته، فإن إنكاره صعب، مهما تحققت لبشر ما كل عوامل القوة، والسيطرة، والأمان المادي، لأن الخوف يتجاوز كل ذلك، ويضرب بأنيابه في دهاليز الأمان النفسي، وهو الأمان الذي لا يمكن أن يخضع وفق تنظيم معين، فهو ملتحم بالفطرة البشرية، إلى حد الإندماج المطلق، ولذلك فقد تجلس بجنب أحد ما، وتحيطكما كل معززات الأمان المادية، إلا أن صاحبك يرتجف من الخوف، وقد يكون ما يشغله في تلك اللحظة أمر تافه «في تقديرك» ولا يحتاج كل هذا العناء النفسي المتوحش بين دواخل النفس، حيث تتعالى أصوات الخوف من كل حدب وصوب، تقرأ ذلك في كثير من حركاته، أو كلامه، أو تركيزه على أمر ما أكثر من غيره.
من المسلم به؛ أن القلق والخوف حالتان صحيتان للفرد، وأنه من لا يعيش قلقا ما، أو خوفا ما، فإن في ذلك خللا بنيويا في الحالة الطبيعية لهذا الفرد، لأن الخوف هو القاعدة، والاطمئنان هو الاستثناء، فهل جُبل الفرد على الخوف؛ حتى يصبح الاطمئنان هو الاستثناء؟ وهناك من يذهب إلى الأبعد من ذلك عندما يصنف أحدهما (الخوف/ القلق) على أنه سبب للآخر، أو نتيجة للآخر، ويأتي هذا التقييم بناء على تقييم كل فرد على حده، فهناك من يرى القلق هو نتيجة للخوف من أمر ما، وهناك من يرى العكس، ووفق الرؤية العلمية أن الخوف حالة مؤقتة بخلاف القلق الذي يأخذ بعدا موضوعيا أكثر اتساعا، ومع ذلك فإن التفريق بينهما صعب، حيث يكون التداخل بينهما واضح، وكلاهما نتيجة للآخر.
لكن، من القناعات التي لا يمكن إنكارها في شأن الخوف والقلق، أنهما محددان مهمان لتصويب السلوكيات والممارسات، وهي حالة صحية في تقديري، فلولا الخوف من العقاب لاستباح الفرد كل الخطوط الحمراء، ولن يردعه رادع، وهناك صور كثيرة سواء كانت من خلال بعض المحطات الطبيعية غير المبرمجة مثل: الموت، والفقر، والمرض، أو من خلال التشريع الديني/ الإسلامي، أو التشريع القانوني الذي يضعه البشر لتنظيم حياتهم وممارساتهم المختلفة لتحييد الحقوق والواجبات فلا تطالها يد العبث، فتوجد نوعا من الفوضى في حياة الناس، أما مسألة الركون إلى القيم الفطرية: كالأمانة، والصدق، والوفاء، والنزاهة في شأن تنظيم العلاقات بين الناس، فهذه مسألة تخضع كثيرا للمسألة النسبية، فما يؤمن به فلان من الناس في شأن أي منها، ستجد آخرين لا يؤمنون بذلك، حيث تطغى المصلحة الذاتية، وخاصة في لحظات الضعف، على كثير من هذه القيم، وبالتالي لا تجد الأرضية الخصبة للتطبيق، وتظل العودة إلى حكم الشرع أو القانون هو الملاذ للخروج من مأزق الخوف والقلق، وتحقيق الاطمئنان النسبي.
يقينا؛ لا أحد يجرؤ على معاداة الله، أو تجاوز حدود أوامره ونواهيه، وهو في حالته الطبيعية، فالخوف من الله هو الغاية، ومن يتجاوز ذلك من الأسوياء، وخاصة في حالات الضعف، سيتلبسه الخوف والقلق من حيث يدري ولا يدري، ولذلك أوجد التشريع الإسلامي الصلاة كمحطة مهمة في حياة الإنسان المسلم لكي يعيش في حالة من توازن الاطمئنان لنفسه، وإلا تلبسه الخوف والقلق، ولن تهنأ له حياة آمنة مطمئنة، ولذلك قيل:«إذا أردت السعادة فعليك معاملة الخلق أن تعاملهم لله، فترجو الله فيهم ولا ترجوهم في الله، وتخافه فيهم، ولا تخافهم في الله، وتحسن إليهم رجاء ثواب الله لا لمكافأتهم، وتكف عن ظلمهم خوفا من الله لا منهم» -انتهى النص-.
وحالة الضعف التي يشير إليها النص هنا؛ هي تلك الحالة التي تفقد الإنسان توازنه فلا يكون في حالته الطبيعية، فلا يفرق بين الخطأ والصواب، فيقع في محظور الممارسات التي تؤدي به إلى الهلاك، وهي الحالة الطبيعية الناتجة عن الخوف: الخوف من الفقر، الخوف من العقاب، الخوف من عدم حصوله على حقوقه، الخوف من منافسة الآخرين حوله، والأمثلة كثيرة.
