دور الجيوش يصدم واشنطن في أزمة أوكرانيا!!

19 مارس 2022
19 مارس 2022

بدون أي مبالغة فإن العالم بعد أزمة أوكرانيا الحالية لن يكون كما كان قبلها، تماما كما أصبح العالم [نظام العلاقات الدولية] مختلفا تماما بعد حرب السويس 1956 وفورة البترودولار 1973 وسقوط حائط برلين والاتحاد السوفييتي 1989/ 1991، وهجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001.

وتقدم هذه الأزمة دروسا -لمن يتدبر ويتعظ- في كل الاتجاهات بما في ذلك لماذا خسرت الولايات المتحدة الدعم المتوقع أو شبه المضمون من بعض أقرب حلفائها في العالم ولماذا زاد حديث سياسييها عن خيبة الأمل في إسرائيل والهند علي سبيل المثال.

واستغل ترامب والجمهوريون الشعبويون ذلك بشكل مرعب في عملية تحطيم الصورة الذهنية لبايدن كرئيس ووصفه بالرئيس الضعيف الذي أضاع هيبة حاكم العالم الأوحد من أول انسحابه المتعجل من أفغانستان حتى تجرؤ بوتين على شن حربه الحالية على دولة حليفة مثل أوكرانيا.

بدون مقدمات يمكن القول إنه من المقطوع به أنه من ضمن الجماعات المشاركة في صنع القرار الوطني تمثل الجيوش والنخبة العسكرية عنصرًا أساسيًا في صنع القرار السياسي سواء في الدول المتقدمة والنامية، الديمقراطية وغير الديمقراطية.. مع اختلاف في مسارات التأثير ودرجاته لكنه في الإجمال دور مفصلي في مواقف السياسة الخارجية.

ولعبت النخبة العسكرية في دول حليفة للغرب دورًا رئيسيًا في مواقف اتخذتها من الأزمة اعتبرتها واشنطن ودول الأطلسي عموما مواقف مخيبة للآمال ومثيرة للقلق الاستراتيجي عن تراجع نفوذ واشنطن الكاسح والتقليدي على سياسات بعض هذه الدول.

سنعرض في هذا المقال لنموذجين هما إسرائيل والهند.

إسرائيل: رغم أن إسرائيل أدانت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا منذ أول لحظة إلا أنها التزمت موقفا حذرا في التقدم نحو الاصطفاف الكامل مع الغرب ضد روسيا وعرضت بدلا من ذلك أن تلعب دور الوسيط المحايد، وسافر رئيس وزرائها بينيت بنفسه للقيام بالوساطة بين بوتين وزيلينيسكي، وهي وساطة سببت غضبا عارما من الأوكرانيين الذين وصفوا إسرائيل بغير المحايدة حيث طالبت كييف بالخضوع التام لمطالب روسيا، ونقل عن مسؤول أوكراني أن بينيت قال لزيلينيسكي «لو كنت مكانك لقبلت شروط بوتين لحماية شعبي».

الإسرائيليون مهدوا لموقفهم الصادم غير المتوقع -من حليفة أغدقت عليها واشنطن ما لم تغدق به إمبراطورية في التاريخ على أحد اتباعها- بستارة كثيفة من الدخان طلبوا فيها من واشنطن أن تقدر أن هناك ألوفا من اليهود في روسيا وفي أوكرانيا تريد حماية أرواحهم ونقل من تستطيع منهم بعيدا عن مناطق الحرب، لكن الحقيقة هي أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية لعبت الدور الحاسم في موقف قيادة الكيان من الأزمة وبالتحديد رغبة الجيش الإسرائيلي في بقاء التفاهم غير المعلن لكن الذي تلتزم به روسيا حرفيا!! في عدم اعتراض الهجمات الإسرائيلية على سوريا والتي بلغت 250 غارة!! والتي تعتبر حاجة استراتيجية لأمن إسرائيل لمنع إيران من بناء قوة عسكرية في الأراضي السورية كما فعلت في لبنان عبر حزب الله الذي أرهق إسرائيل كما لم تفعل منظمة

أخرى سواء منظمة التحرير أو حماس.

الأمريكيون ردوا على إحباطهم من إسرائيل بتعطيل صفقة مهمة في مجلس الشيوخ تبلغ مليار دولار لزيادة مخزونها من القبة الحديدية الاعتراضية.

الهند: لم يفعل رئيس الوزراء الهندي شيئًا في السياسة الخارجية لبلاده في السنوات الأخيرة أكثر من الاستثمار في علاقته مع الغرب وتحويل دفتها من حليف استراتيجي للشرق إلى حليف استراتيجي للغرب وكان أكبر دليل على ذلك هو تحالفه العسكري التكنولوجي مع إسرائيل ربيبة الغرب بعد أن كانت الهند في عهد حزب المؤتمر وآل نهرو الصديق التاريخي للعرب في جنوب آسيا.

ولهذا توقعت واشنطن أن تقف نيودلهي بشكل صريح معها في الأزمة الأوكرانية ولكن المؤسسة العسكرية الهندية في أكبر ديمقراطية خارج العالم الغربي كانت حاضرة في صنع القرار من أول دقيقة فكان امتناعها عن التصويت «عضو غير دائم حاليا» وثلاث دول أخرى مع الفيتو الروسي الضربة القاضية التي وجهت للمشروع الغربي بإدانة ملزمة لروسيا في عمليتها العسكرية ضد أوكرانيا.

الأسباب واضحة للغاية فرغم التعاون العسكري المتزايد بين الهند والغرب وإسرائيل ما زالت روسيا هي المزود الأكبر للهند بالمعدات العسكرية: فـ80% من القوات البحرية الهندية هي روسية الصنع، و70% من قواتها الجوية، ومنحت روسيا الهند حتى في ظل تحول قبلتها للغرب أحدث ما في ترساناتها مثل أنظمة اس -400 و4 فرقاطات بحرية متقدمة إضافة إلى منحة تكنولوجيا روسية متقدمة في تصنيع عسكري مشترك شمل إنتاج المقاتلات سو-30 والدبابات من طراز تي-90..إلخ.

لن يغامر الجيش الهندي المحشور استراتيجيا بين خصمين متحالفين هما الصين وباكستان بخسارة أهم مورد للأسلحة له وأهم مصدر لقطع غيارها ولن ينسى سخاء موسكو التي وردت له معدات عسكرية تزيد قيمتها على 65 مليار دولار كانت سببا في كسبها لحربيها مع باكستان 1947، 1971وفي تمكنها من الصمود وحماية حدودها في الاشتباكات المتكررة مع الجيش الصيني.

هذا الدور الحاسم للنخب العسكرية في دولتين ديمقراطيتين يتبعان القيادة السياسية المنتخبة يكشف بوضوح عن أنه يصعب تهميش دور الجيوش حتى في النظم الديمقراطية التي من المعروف -عملية- صنع القرار فيها تخضع لتأثير جماعات مصالح وضغط مختلفة وليس جماعة الضغط العسكرية فقط، كما أن هذا الدور يزيد وزنه في ترجيحات صنع القرار عندما تكون هناك أزمة أو عندما يتعلق القرار -الذي يجري اتخاذه- بمسائل الأمن القومي وحاجات الدفاع الاستراتيجية.

___________

• حسين عبدالغني - كاتب وصحفي مصري