No Image
رأي عُمان

عن أهمية فحص ما قبل الزواج

31 ديسمبر 2025
31 ديسمبر 2025

يقاس نجاح السياسات الصحية بمدى قدرتها على منع الألم أو المرض قبل وقوعه لا بإدارته بعد وقوعه واستحكامه على جسد المريض. من هذا المنظور يأتي قرار إلزامية الفحص الطبي قبل الزواج بوصفه خطوة تُعيد ترتيب العلاقة بين الأفراد في سياق بناء الشراكة الزوجية، أو بين الأفراد والدولة؛ من أجل تقديم الحقيقة الطبية في الوقت الصحيح قبل أن يتحول سوء الحظ إلى قدر عائلي طويل.

لكن هذا النوع من الفحص ليس جديدا في سلطنة عُمان، الجديد هو الانتقال به من نطاق «المتاح لمن أراد» إلى نطاق «القاعدة التي لا يكتمل العقد من دونها». وهذا التحول كفيل بأن يكشف عن معنى السياسة الوقائية عندما تتحول إلى ممارسة اجتماعية عامة وليس إلى توصية طبية تُهمَل تحت ضغط العادات أو الاستعجال أو الخجل من الأسئلة الصحية.

وجوهر هذا النوع من الفحوصات يتصل باثنين من أكثر الملفات حساسية في بنية المجتمع: الوراثة، والعدوى. فأمراض الدم الوراثية، مثل فقر الدم المنجلي والثلاسيميا، يمكن أن تبقى مختبئة وراء مظهر صحي طبيعي؛ لأن حامل الجينات ليس بالضرورة مريضا. لكن زواج الحاملين قد يضع الأسرة أمام احتمالات قاسية جدا تصل إلى أن يولد طفل بمرض مزمن أو الحاجة إلى علاج طويل أو نقل دم متكرر. وتكاليف أخرى كثيرة لا تُقاس بالمال وحده. يفتح الفحص في مثل هذه الحالات نافذة مهمة على المستقبل حين يعرف الطرفان ما ينتظرهما ليستطيعا اتخاذ القرار بوعي ومعرفة دقيقة.

أما الأمراض المعدية التي يشملها الفحص فهي تحمي العلاقة الزوجية في حاضرها، وحماية للطفل في مستقبل قد يأتي. وفي مثل هذه الحالة تصبح الصحة مصلحة عامة هادئة تقي المجتمع عبئا لا ضرورة له، وتمنح الأفراد فرصة اختيار أكثر وعيا وأكثر رحمة.

ومعنى الإلزام كما يفهم من المرسوم السلطاني الصادر أمس هو إلزامية إجراء الفحص وتلقي المشورة، لا إلزامية قرار عدم الزواج بعينه. فالدولة لا تدخل لتقرر بدل الناس، لكنها ترفض أن يُبنى عقد مصيري على جهلٍ قابلٍ للكشف. وهذه هي النقطة التي تمنح القرار شرعيته الأخلاقية: حماية حق المعرفة دون مصادرة حق الاختيار.

سيحتاج تطبيق هذا القرار إلى دقة كبيرة في المشورة الوراثية وإعطاء الفاحص تفاصيل كاملة تجعله قادرا على أن يبني قراره. وهذا الأمر يحتاج إلى إيمان حقيقي بالطب وقدرته على فهم الحقائق الوراثية ودورها في الأمراض؛ حتى لا يتحول الفحص إلى إجراء ورقة روتينية لا يتم العقد إلا بها.

ثم هناك أهمية الإيمان بالفكرة نفسها، وأن هدفها الأسمى هو بناء مجتمع صحي، وهذا يبدأ من العتبة الأولى للعائلة. وفي هذا رهان كبير على الوعي والمسؤولية التي على الجميع أن يشترك فيها.

سيحتاج الأمر إلى فترة حتى يستقر في وعي الناس ويتحول إلى سلوك طبيعي. كما يحتاج الأمر إلى توعية كبيرة وبشكل خاص حول موعد إجراء الفحص. فالموعد مهم جدا حتى لا يبدو الفحص عائقا أمام إكمال أي مشروع من مشاريع الزواج.