التدريب قبل هبوب العاصفة
24 ديسمبر 2025
24 ديسمبر 2025
لا تأتي الحالات الطارئة على مهل. تأتي مسرعة وعلى حين فجأة. ولا ينجح إلا من كان مستعدا للتعامل معها سواء كانت أنواء مناخية، أو خللا في شبكة الكهرباء يتسع خلال دقائق ويتحول إلى كارثة، أو انقطاعا في شبكة الاتصالات تتعطل معه جهات حساسة، أو حتى تسرب غاز أو مواد خطرة.
وأول سؤال يطرح في مثل هذه الحالات هو كيف يمكن إنقاذ الأرواح وتقليل الخسائر؟ لا تستطيع الخطط الموضوعة في الأدراج إنقاذ الأرواح، إنما تستطيع ذلك الجهات التي تحول خططها إلى فعل محكم ومبني وفق سيناريوهات تحاكي الواقع، وتتدرب على تطبيق كل السيناريوهات وما يمكن أن يواجهها من تحديات.
من هنا يمكن فهم أهمية التمارين الوطنية مثل جاهزية وطن 2025 في كونها «بروفة» وطنية تُختبر فيها قدرة المجتمع والمؤسسات على العمل كجسد واحد عندما تتشوش الرؤية وتضيق نافذة الوقت. ومنذ وقت مبكر أدركت سلطنة عُمان أهمية أن تكون جميع أجهزتها التي تتعامل مع الحالات الطارئة جاهزة على مستوى القطاعات أو على مستوى الجهد الوطني الذي يعمل فيه الجميع في لحظة واحدة، ومن أجل تحقيق هدف واحد.
لم يكن تمرين «جاهزية وطن» يهدف إلى استعراض القدرات، بل كان لحظة صدق مع الواقع. والعمل الميداني هو الذي يكشف حجم الاستعدادات والقدرة على العمل تحت الضغط؛ ضغط الوقت وضغط التوقعات من قبل المجتمع.
لهذا السبب تبدو «الافتراضات» التي يقوم عليها أي تمرين هي قلب العملية. ولأن الفرضيات تحاكي الواقع فإن على الجميع أن يكونوا مستعدين لمواجهة الكثير من الأسئلة التي لا تظهر في الأيام العادية بدءا من الخرائط وقواعد البيانات وقنوات الاتصال البديلة.
والأهم أن الطوارئ اليوم لم تعد محصورة في الأنواء المناخية مهما كان حضورها قويا في ذاكرة المكان. طبيعة المخاطر تتغير؛ فالكثير من المنشآت الحيوية يمكن وفق لغة المنطق أن تتعرض لتعطل مفاجئ، وقد تنقطع سلاسل إمداد بفعل حدث بعيد جغرافيا، لكنه قريب اقتصاديا، ويمكن أن تستهدف الهجمات السيبرانية خدمات أساسية إضافة إلى الحوادث الصناعية أو البحرية التي تستدعي استجابة متكاملة. وما يجمع هذه السيناريوهات ليس نوع الخطر، بل منطق التعامل معه المتمثل في سرعة القرار، ووضوح القيادة، وتماسك المعلومة، واستمرارية الخدمات. لذلك فإن تمرين «جاهزية وطن» لم يكن هدفه الاستعداد لحدث واحد، بل الاستعداد لفكرة الحدث المتمثلة في المفاجأة بوصفها جزءا من زمننا.
وتواصل سلطنة عُمان تنفيذ الكثير من التمارين الوطنية التي تتعامل مع فرضية محاكاة لأحداث يمكن أن تقع في كل زمان ومكان حتى تكون مستعدة لمواجهتها متى ما وقعت بأسلوب علمي مبني على مسار مفهوم سلفا.
