ثقافة

هل سفن الكتابة بلا سارية في فلسطين؟

04 أكتوبر 2023
غياب النقد أم حضوره
04 أكتوبر 2023

ثمة آراء كثيرة حول أزمة النقد في فلسطين، هناك من يقول جازما إنه كل يوم تتضح أزمة غياب النقد في الحياة الإبداعية الفلسطينية، تصدر روايات وقصص قصيرة وكتب شعر ولا أحد يقترب منها نقدا جادا متكاملا، صحيح أن هناك بعض المقالات التي تعرض هذه الكتب عرضا صحفيا سريعا، لكنه لا يصل إلى مستوى النقد الواعي العميق الذي يأخذ الكاتب إلى مساحات جديدة في التفكير الإبداعي، ويبدو أن هناك من يرفض هذه الطريقة في تعريف الأزمة، والجدل باستمرار موجود حول هذا الموضوع، لكن المتفق عليه هو أن هناك أزمة نقد معينة يختلف الكثيرون حول طريقة توصيفها وفهمها وطرق حلها، منهم من يرفض فكرة النقد أصلا كالشاعر مهيب برغوثي: (لا يهمني النقد أبدا، ولا أنتظر من شخص ما مرتاح ومرفه وبوجه منتفخ، وغالبا بمصطلحات مكررة ورؤية سطحية ولغة سمجة، أن يخضع نصي الذي نزفته بينما هو غاط في نومه لمزاجه وحكمته البليدة). لكن القاص المقدسي إبراهيم جوهر له رأي آخر: (يوجد عندنا نقد لكنه لا يشمل الكثرة المتدفقة من الإنتاج الأدبي. الكتّاب يغمرون الساحة بإصداراتهم ويجد الناقد نفسه وقد أحاطت بها أمواج الإصدارات المتلاطمة فيختار ربما، أو يطلب منه ربما أن يكتب عن إصدار بعينه،

النقاد في وطننا قليلون لكنهم موجودون، لكن المشكلة تتعلق بتقبُّل المنقود لما يقوله الناقد.

ولعل قلّة النقاد والنقد ترجع إلى كون النقد عملية إبداعية أخرى بمسؤولية تتطلب تعبا وجهدا وقدرة وتأهيلا. ويجد المتابع المهتم نقدا انطباعيا كثيرا في الفضاء الأزرق وعلى صفحات الصحف والمجلات الورقية وإن حمل شيئا من المجاملة وهي مجاملة ضرورية في الوقت نفسه مع الأقلام الشابة.

في ندوة اليوم السابع الأسبوعية خضنا تجربة نقد الأعمال الأدبية المحلية وبحضور الأديب المعني نفسه وكنت لا أجامل من نشر أكثر من عمل مما أغضب بعضهم ولقي قبولا من بعضهم في المقابل.

يمكنني إرجاع قلّة النقد إضافة لما ذكرته أعلاه إلى عدم نزول الأكاديميين من أبراجهم الأكاديمية إلى ساحة الواقع الأدبي، وأخص منهم المؤهلين. ثم كون النقد لا يجد قرّاء مثل الأدب. ثم لما تتطلبه العملية النقدية من تفرغ ومن تأهيل ومن قبول).

كثيرون من أدباء الوسط الثقافي والإعلامي الثقافي يعتبرون الدكتور عادل الأسطة أستاذ الأدب المتقاعد في جامعة النجاح، ناقد فلسطين الوحيد تقريبا المتفرغ لمتابعة الإصدارات السردية الفلسطينية في فلسطين والمنفى، ويبدو الدكتور الأسطة واثقا من دوره المهم في استكشاف الجديد والإبداعي من الكتابة الفلسطينية السردية، آخرون يعتقدون أن الأسطة ليس الوحيد في مقارباته النقدية وأن ثمة آخرين موجودون في ساحة هذا الاستكشاف النقدي وإن كانوا أقل تفرغا، مثل إبراهيم جوهر وإبراهيم أبو هشهش، وموسى خوري وحسن عبدالله وبديعة زيدان ويوسف الشايب وآخرين. يقول الدكتور الأسطة ردا على سؤالنا له حول غياب النقد: (هل حقا النقد غائب في فلسطين؟

من أطلق هذا الحكم؟ علامَ اعتمد؟ وماذا يفترض صاحبه أيضا حتى يقول "غياب النقد في فلسطين"؟ صارت هذه العبارة "كليشيه" يقولها كل كاتب لا تتناول أعماله نقديا كما يتمنى هو، ولست متأكدا من أنه درس الحركة النقدية الأدبية والفنية ثم توصل إلى هذا الرأي، فما من كتاب أدبي صدر في الأرض المحتلة لأدباء لهم حضورهم الأدبي إلا كتبت عنه مراجعات ودراسات، وهناك أدباء حظوا بالكثير من الكتابات النقدية.

هل على الناقد أن يكتب عن الإصدارات كلها ويكتب عن كل إصدار كتابا بحجمه؟

في السنوات الثلاثين الأخيرة صدرت مئات الروايات والمجموعات القصصية والمجموعات الشعرية وكتب عن قسم كبير منها من كتّاب متخصصين ونوقشت في ندوات ومؤتمرات وأتمنى ممن يقول إن النقد غائب أن يحصي ما صدر من كتب وما كتب عنها ونصيب كل كتاب من المراجعات).

شاعر قصيدة النثر وليد الشيخ له رأي مختلف حول هذا الموضوع: (أظن أن ثمة التباسا لديّ حتى الآن في المفهوم ذاته، لطالما شعرت أن ما يُعرف بالنقد الأدبي يصير استعراضيا كأن يستخدم النقد مصطلحات غريبة ويتغنى بقاموس المدارس النقدية، وفي حالات أخرى: يظل مغلقا، وربما يعيد إنتاج النص..

في كل الحالات، لست مغرما ولا مطلعا مثابرا على عالم النقد الأدبي،

على المستوى الشخصي، طبعا يفرحني كلما رأيت قراءة لما كتبت، وربما كنت محظوظا بدلك، لا أشتكي من عدم وجود قراءات للنصوص، إن أردت الصدق أنا ممتن أكثر، لكن كما قلت غير مستقر على رأي معين حول غياب النقد).

وتبقى مسألة مهمة في هذا الموضوع وهي أن معظم من يكتب نقدا في فلسطين هم أكاديميون، والنقد الأكاديمي معروف بجفافه وبعده عن جوهر النصوص وانغلاقه في دوائر ومصطلحات ومدارس ونظريات، ويبدي الشاعر الشاب علي أبو عجمية انزعاجه من النقد الأكاديمي الذي يعتبره حمارا يحاول أن يصير حصانا، ويتصرف هذا الحمار وكأنه حصان في سوق سباق الخيول، ويضيف أبو عجمية ساخرا: ويا ليته كان فقط حمارا، هو حمار أعرج وبعيون صغيرة ويملأ أذنيه الذباب.

لكن الدكتور عادل الأسطة الذي طالما اتهم بالأكاديمية في نقده فقال: (النقد الأكاديمي أغلبه دراسات وقليلون هم الأكاديميون الذين كتبوا نقدا تحليليا للنصوص، غالبا الأكاديميون يكتبون دراسات أو نقدا لأعمال محددة وفق منهج نقدي يتبنونه مثل كمال أبو ديب مثلا ومثل سعيد يقطين وأكثر النقاد المغاربة، وهناك أكاديميون مختلفون قليلا مثل طه حسين وجابر عصفور إذ خرجوا من أسوار الجامعة، وهناك أكاديميون مزجوا بين كتابة الدراسات وكتابة المقال النقدي للصحيفة، وطبعا هناك الأدباء النقاد الذين لا يطبقون منهجا صارما فينقدون بناء على فهمهم للأدب وتجربتهم في كتابته مثل إدوارد الخراط، وهكذا تبقى الساحة الثقافية الفلسطينية منشغلة في نقاش هذا الموضوع المختلف عليه، ثمة فنون أخرى تبدي هي أيضا عدم رضاها عن النقد الموجود تجاه إنجازاتها، كفن السينما والتشكيل والمسرح والفنود الأدائية الأخرى، أزمة أخرى تعصف بالمناخ الثقافي الفلسطيني منذ طويلة وهي غياب الجدالات والنقاشات أو ما يسمى بالمعارك النظيفة في الملاحق الثقافية داخل الصحف الفلسطينية وأظن أن هذه الأزمة هي صدى أو ارتداد للأزمة الكبرى وهي غياب نقد أدبي حقيقي متواصل وجاد ويبدو كما يقول الكاتب رمضان صافي أن شراسة وفوضى الحياة الثقافية داخل وسائل التواصل الاجتماعي، هي التي امتصت من الملاحق الثقافية معاركها النظيفة المفترضة، ففي الصفحات الفيسبوكية تجري المعارك غير النظيفة على أشدها وعلى نارها الرهيبة، تُستخدم فيها كل طرق الإعدام الثقافي).