ثقافة

متابعون ونقاد: هذه الدراما لا تشبهنا.. ونحتاج إلى نصوص تبعث الأمل وتحيي القيم والأخلاق

05 أبريل 2024
الدراما التلفزيونية السورية على محك النقد
05 أبريل 2024

لم يمنع الظلام الذي يخيم على حياة السوريين من متابعة الدراما التلفزيونية التي تعرض عليهم في شهر رمضان، يتابعونها عبر الهواتف المحمولة وما يتيسر لهم من وصول التيار الكهربائي عبر التلفزيون، ولكن القاسم المشترك الذي تم التوافق عليه هذه المرة بين السواد الأعظم، ومختلف شرائح السوريين، أن هذه الدراما التلفزيونية قد قسمت الشارع السوري إلى قسمين منهم من يؤيد ما يعرض، ومنهم من يقول: لم تعد تشبهنا. ولكن هناك استياء واضح تجلى من خلال الآراء الكثيرة التي رصدناها للمتابعين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وبعضها صدر من أصحاب الاختصاص الذين عبروا عن استنكارهم لما يعرض من معالجات جريئة لواقع فيه الكثير من التخيل، والتجني على المجتمع السوري الذي أنهكته الحرب والظروف الاقتصادية الصعبة. هذا جانب من جوانب الدراما، وبالتأكيد هناك متابعون لما يعرض معجبون بالإبداع السوري وبالمعالجات الدرامية للواقع، وكذلك بضخامة الإنتاجات، والعمل الإخراجي، ولكن المرحلة تتطلب غير هذا الطرح.

استطلاع رأي

«عمان» التي استطلعت آراء الكثير من المواطنين استخلصت من خلال كلامهم أن ما يعرض لا يمثلنا كسوريين، صحيح أننا عانينا الكثير جراء الحرب والوضع الاقتصادي الصعب، ولكن لم نصل إلى هذا الدرك الذي يتم تسويقه عبر الدراما التلفزيونية عنا، هكذا يقول الشاب جمعة الخالد.

وتتابع رغداء العلي قائلة: المرأة السورية ورغم كل ما أصابها من فجائع، لم تكن إلا كشجرة سنديان صامدة في وجه الريح، لم يدفعها الجوع ولا الفقر للبغاء يوما، سوريات كثر عملن بكل جبروتهن، ولم يصلن للمستوى الذي يظهر في بعض الأعمال.! لماذا لا يتم إظهار قصص السوريات اللاتي قدمن الكثير من أجل البقاء بكرامة، وعزة نفس، لدينا قصص كثيرة تصلح لروايات وأعمال فيها الكثير من القيم الأخلاقية فلماذا يتم تسويق التفاهة بهذه الطريقة؟

ولم يكتف أبو جابر الرجل الستيني من الحديث عن مفرزات الحرب ولكنه أكد أن المرحلة تستوجب بناء المجتمع وليس هدمه بهذه الطريقة، الدراما السورية التي تصل لكل بيت يجب أن تكون أكثر وعيا واتزانا، أهملنا مضطرين متابعة التلفزيون مرة بسبب الكهرباء ومرة أخرى بسبب خجلنا مما يعرض.

أزمة نص

سألت الناقد ماهر منصور كيف ترى الدراما السورية بوضعها اليوم من حيث معالجة الموضوعات فيها، وهل هذا ما تحتاجه المرحلة الحالية؟ فقال: «بالتأكيد لا يشبه حاضر الدراما السورية اليوم ماضيها في مطلع الألفية، وأرد ذلك لأسباب عديدة متغيرة، وفي مقدمتها النص الدرامي، فهو غالبا ما يُكتب بفطرة القص والمحاكاة، وهنا تكمن قوته، ولكنه، في معظم الأحيان، أبعد ما يكون عن فنون كتابة السيناريو الحديثة وما بلغته مدارسها في العالم.

غياب خبرة القص أو تطورها أثرت على نحو ما على محتوى النصوص المقدمة، على سبيل المثال يحدث التباس كبير بمفاهيم بنائية مهمة مثل الصراع والتوتر والتشويق..وغالبا ما تتجه النصوص في هذه الحالة إلى الحلول الأسهل بالاتكاء على ما يشبه الوجبات الجاهزة لعناصر درامية مطلوبة لتكون هي جزء من عوامل الجذب الدرامي، لنأخذ مثال الصراع، الصراع الدرامي اليوم يفهم أو يختصر على أنه المعركة بطبيعتها سواء كانت حربية أو حتى خصام بين طرفين أو اشتباك بالأيدي بين اثنين، وهذه الحالات توفر حالة صراع و توتر وتشويق، ولكنها آنية، وهي أبسط أشكال الصراع وليس أعقدها، فالصراع الدرامي أعقد وأهم من ذلك، ويبنى عن طريق التعقيد الذي تخلفه الفجوات الدرامية في الحبكة بين ما يريده البطل وما يحدث بالفعل، ولكن هذا النوع من الصراع لينشأ يحتاج إلى بناء درامي محكم، وللأسف نادرا ما نجد مثل هذا البناء.

وهل من مهمة الدراما تصوير الواقع بهذه القباحة، أمَا فيه من محاسن وإيجابيات تستحق الوقوف عندها؟، يقول ماهر: «لنتفق أن الدراما صورة مصغرة عن المجتمع بكل التناقضات التي فيه سواء إيجابية أو سلبية، القباحة جزء من هذا الصورة، المشكلة تبدأ بكيفية المعالجة الفنية لها، عادة ما تمزج الدراما الجيدة، بوصفها عملية إبداعية، بين ما هو واقعي وفني، وبين ما هو محسوس ومتخيل... وبمقدار بلاغة السياق الدلالي لعملية المزج هذه، بمقدار ما يدركه المشاهد ويدرك مراميه، وبالتالي فإن ما تسميه بالقباحة يحتاج إلى قرار مخرج يقول: وصلت الرسالة وعلي أن أنهي المشهد هنا، ما يحدث هو مبالغة في إبراز القباحة، وهذا ليس من شيم الفن الذي يستطيع أن يعبر عن أشد الأشياء قباحة بطريقة رمزية تجعل رسالته تصل للناس دون أن يصبح طبقا يثير اشمئزاز المشاهد».

ألا يستحق المشاهد دراما اجتماعية راقية، وهل نعاقب المتفرج بأن يتجرع الألم مرتين مرة في الواقع وأخرى عبر الدراما؟ يوضح الناقد منصور بقوله: «يستحق المشاهد دراما تلبي وظائفها، ولنتفق أن متعة الفرجة والتسلية هي في مقدمة وظائف الدراما، وفي أعمال معنية تكون هي وظيفتها الوحيدة، ولكن حين نتحدث عن أعمال تهدف إلى تقديم دراما تلفزيونية تأخذ دورها الثقافي كالمسرح والسينما، فهنا تبرز مهمة صناع الدراما وقدرتهم على تجاوز تحدي تقديم رسالة أخلاقية ضمن وظيفة الدراما الأساسية أي المتعة والتسلية».

إسفاف لا يرتقي للخطر الذي يواجهه المخرج والكاتب كمال مرة صاحب الإسهامات العديدة في الدراما السورية منذ بداياتها ممثلا وكاتبا حيث كتب عدة أجزاء من مسلسل باب الحارة وكوم الحجر والحوت وحمام شامي وغيرها يقول عن الدراما السورية هذا الموسم: «هناك عدة مشكلات في الإنتاج الدرامي، السوق، الإنتاج، النص، العملية الفنية. كل حالة من هي الحالات هي جزء معقد للغاية».

من حيث السوق الدرامي طالما كانت أسواقنا خارج حدودنا فحياة الدراما ومستقبلها متعلق بهذه السوق، ونعلم كيف تم حظر أعمالنا منذ عدة سنوات، والآن تمت العودة بشروط تلك السوق.

أما بخصوص الإنتاج، فليس هناك أي جهة أدبية ثقافية تدير هذه العملية، والمنتج الجاهل هو من يتحكم بالنص الذي يتطلبه ذاك السوق.

وبخصوص كتاب السيناريو، تم استسهال التعدي على مهنة تتطلب الكثير من الثقافة الأدبية وكيف يتم البناء الدرامي على أسس أدبية وجمالية، فبات كل ما يحصل في الواقع يتم نقله إلى الشاشة الصغيرة التي تقتحم بيوتنا، متجاهلين أن الدراما التلفزيونية هي دراما حكائية وليست تسجيلية.

أما الإخراج والعمليات الفنية فحدث ولا حرج، بعض المخرجين لا يعرفون ألف باء الإخراج ولا يعرفون حتى نوع اللقطة ومتى تستخدم لصالح اللحظة الدرامية، تقطيع مشاهد وزوايا تصوير بلا هدف، لقطات عامة في مواقف درامية مهمة، كادرات على السيقان والأرجل، عمل عبثي بكل معنى الكلمة، طبعا يُستثنى بعض الأعمال، لكن الشكل العام غير جيد.

ما يقدم هو إسفاف فني لا يرتقي بأي مجتمع يحاول أن يخرج من عباءة حرب ظلامية، ويبدو أن هذه المعركة طالت الدراما والبنية الثقافية والفنية. هناك أعمال اعتبرها شيء مخجل فعلا، ومعيبة فكريا وثقافيا.

لم تحترم عقل المشاهد

يقول الروائي والإعلامي محمد تركي الدعفيس: «لعل أبرز ما ميّز الأعمال الدرامية السورية لهذا الموسم هو خروجها أولا من عباءة البيئة الشامية بمفهومها التقليدي وحضورها الكثيف، وثانيا أنها جاءت مغرقة إلى حد بعيد في العنف والجريمة (خطف، اغتصاب، تهديد، سرقة، نصب، دعارة، فساد) وإلى حد فاق القبول، وثالثا تغييبها الملحوظ للنموذج الإيجابي أو على الأقل تواريه لصالح كم هائل من النماذج السلبية.

ولا يمكن بأي حال تجاهل تكريس كثير من تلك الأعمال لفكرة «الانفلات» وأن (البلطجة) هي السلاح الأمضى لتحقيق الأهداف، وأن أولئك الذين «لا ظهر لهم» سيبقون مرهونين للسحق والضياع بين الأقدام، وهذا تكريس خطير له تبعاته.

ولا يمكن كذلك تجنب الحديث عن ذاك الكم الهائل من الدماء الذي شاهدناه على الشاشة، وعلى الأخص في أعمال مثل «ولاد بديعة»، و«العربجي»، وحتى «تاج»، وهو كم لم يراعي أن تلك الأعمال تقتحم كل البيوت، وأن من بين مشاهديها أطفال صغار يتأثرون بما يتابعون، ويقلدون ما يشاهدون.

وحجة صانعي تلك الدراما أنهم يصورون الواقع، وأن الواقع الذي نعيشه اليوم قاسٍ جدا، تبقى حجة قاصرة، فثمة تهذيب يمكن أن تمارسه الدراما بلطف للارتقاء بالسلوك، وهو ما يبدو أن صناعها قد نسوه تماما هذا الموسم.

وأخيرا، لا يمكن كذلك تجاهل أن بعض الأعمال افتقدت كذلك للمنطقية في بناء الحكاية، وقدمت قفزات بلا منطق في الأحداث في بعض الأحيان لصالح الحرص على الإثارة، وهو ما يمكن أن نقول إنه لم يحترم عقل المشاهد الواعي، ولم ينجح في إقناعه ببناء الحكاية فنيا على أسس متينة.

الأشد قتامة

«هذه الدراما لا تشبهنا، هي محاولة رسم فاشلة لوجوهنا ومشاعرنا، هي صورة مشوَّهة لرسام فاشل لم يستطع أن يلتقط تفاصيل قلوبنا ولا تعابير عقولنا» هكذا يبدأ رئيس تحرير «صاحبة الجلالة» حديثه عن الدراما السورية هذا الموسم، ويتابع قائلا: «لا أتقن النقد الدرامي أبدا، لكن وبعين المشاهد أقول إن طريقة الإنجاز متشابهة، وإن هناك أدوارا مختلفة للدراما، تجمع ما بين الترفيه والتوعية والتثقيف مرورا بأبسطها نقل الواقع وأفضلها استشراف المستقبل».

وحول ما يتم طرحه من أفكار في هذه الأعمال يقول العوض: «تتشابه المضامين وتتسابق في رسم اللون الأشد قتامةً في الواقع لتزيد جرعة العنف والكآبة والابتذال، والأسوأ أنها تقدم من انغمسوا بالجريمة كما لو كانوا هم ضحايا وينبغي التعاطف معهم، وهذا لم يحدث في أصعب سنوات الحرب حيث شاهدنا خلالها بعض الأعمال الدرامية التي مزجت بين السخرية المُرّة مع الواقع، ولكنها اليوم وفي الوقت الذي أصبح من الممكن أن يتم إنجاز أعمال تستطيع أن تقترب أكثر من معاناة الناس وتعالج الواقع مع ما فيه من غنى درامي عميق إلا أنها آثرت أن تبتعد لتتحدث عن شخصيات ممسوخة بكل شيء».

وحول أسباب ذلك يقول العوض: «لا أعتقد أن المشكلة في الكُتاب بقدر ما هو مطلوب منهم حيث يفرض السوق خطا معينا من الكتابات والنصوص القابلة للبيع أولها، وكتابات قابلة للعرض ثانيها؛ ولهذا يلجأون لإبداع نصوص ما يطلبه المنتجون، ونصوص ما يقبله المراقبون».

وحول دور الجهات الإنتاجية ومسؤولية الممثلين يوضح العوض: «المنتج السوري لا تنقصه الفطنة، لكن لا يوجد أي منتج سوري لديه مشروع إلا المشروع التجاري وهو مشروع محفوف بالمخاطر، والثقل الإنتاجي انتقل كليا إلى دول مجاورة وهذه الدول ترسم ملامح الدراما المطلوبة والمقبولة بالنسبة لها. لا ألوم المخرجين والممثلين فبالنسبة لهم المسألة مصدر رزق، ومن لا يقبل لا يعمل ولا يوجد الكثير ممن يرفضون العمل لأنهم مرفهون».

ويختم العوض رأيه بالقول: «الواقع أكثر دراما مما نراه على الشاشات، وعلى صناع العمل أن يفكروا بمناقشة أحوالنا بلا كاريكاتير يميل للأسوأ، والأفضل أن يكونوا قادرين على إثارة مشكلات نعانيها مع لمسات أمل من هنا وهناك».

لست راضيا عما يعرض

بلهجة قاسية يتحدث الفنان يوسف أبو حلا عما يتم عرضه في الدراما قائلا: «بشكل عام أنا غير راضٍ عن هذه الأعمال، الفن والرياضة واجهة الأمم وحضارتها، وأي أمة وشعب ليس لديه فن راقٍ ورياضة متطورة ليس لها أي قيمة على المستوى العالمي، الفن مهنة مقدسة وحضارية وتقدم صورة ناصعة عما يدور في المجتمعات وله دور إصلاحي ومهم، ما يقدم على الشاشة اليوم لا يمت للواقع الفني بصلة حتى لو كان الواقع هكذا، مهمة الفن تقديمه بصورة رمزية وليس خادشة للحياء ولا بهذا الابتذال، ولا انتهاكات حرمات المجتمع والأسرة، وتعويم الفساد والخيانة وترويج كل ما هو غلط عبر الشاشة دون أن تقدم الأمور بحلولها وبصورة فنية راقية لكي يكون للفن دور في نهوض المجتمع وسلامته، وليس زيادة كمية العنف ولا اجترار الألم والمفاسد، وتصوير المرأة بهذه الصور القبيحة، لا أعتقد أن الأمور تسير بشكل طبيعي، ويجب وقف هذه المهازل ومناقشة وضع الفن بطريقة تعيد له هيبته ودوره الفاعل في الإصلاح الذي نحتاجه، بعض الأعمال دمرت الشباب بسبب التقليد، وقس على ذلك بقية الأمور».

شاهد من أهلها

بكل جرأة وصراحة تحدث الفنان عابد فهد عن الدراما السورية هذا الموسم فقال «ما شاهدناه حمل الكثير من الجرائم والقسوة والمبالغة، في الوقت الذي نحتاج فيه لبارقة أمل، وبطل حقيقي إيجابي مغيب تماما، هناك عنف كثير وصراع وتشويق كبيران».

وبين عابد رأيه بمسلسلي «ولاد بديعة» و «مال القبان» فاعتبر أن العملين واقعيان إلا أن حكايتهما تغوص بالواقعية بشكل كبير، وفيها الكثير من الشر، لذلك يجب التروي بالكتابة قليلا، لأن الواقع لم يكن عنيفا، إنما الآن صار عنيفا، وتساءل: «أليس هناك من بارقة أمل، أليس هناك أخلاق، أليس هناك بطل، أليس هناك من يرفض العنف؟ أكيد ليس كل من في سوريا يهوى الدماء والقتل، هناك من يرفض هذا، وواجب الدراما الإضاءة على الواقع الإيجابي من الحياة لا أن تقدم الواقع كما هو، أو يجب عليها التفوق على هذه الواقعية من وجهة نظر درامية تُنير».

واعتبر أن مشكلات الجيل الجديد وخطورتها أهم ما يجب علاجه، واليوم نشاهد هذا الجيل في مال القبان وولاد بديعة لذلك يجب أن نراعي هذه الطفولة ونسعى لها بمستقبل أفضل، لأن الدراما يجب أن تقدم وجهي الخير والشر.

حرب شرسة على القيم والأخلاق

يعد الكاتب والخرج المسرحي د. عجاج سليم أن الحديث عن الدراما السورية ذو شجون وموجع، وكما أن كل نواحي حياتنا الجميلة لا نعرف كيف نحافظ عليها ونزيدها جمالا، الدراما سابقا كانت أفضل من حيث النص أو الإخراج والتمثيل والإنتاج والتقنيات، ومعالجة موضوعات مهمة تصب لمصلحة وإمتاع الأسرة السورية والعربية، والفترة الذهبية للتلفزيون باتت في شهر رمضان وفي الوقت الذي كان مطلوبا أن يتنامى دور الدراما السورية وتقديم المعرفة وتطوير العلاقة مع الجمهور أخفقت وظهر تأثير الحرب ودور تجار الفن الذين دخلوا لأجواء الإنتاج، نلمس تكرار الموضوعات المتعلقة بالعصابات والمخدرات والجرائم، وتطور الأمر أكثر فأصبحت تقدم شبكات الدعارة وكل القيم المرفوضة في المجتمع العربي أصبحت تعرض للأسف في الدراما وتقدمها للأسرة السورية.

أعود لأؤكد أن النص أو السيناريو هو الأساس ويجب أن يتجه باتجاه هدف محدد وجمهوره الأسرة بأكملها، وواجب الدراما أن تتصدى للتفاهات والانحلال الأخلاقي الذي يصل لأبنائنا عبر وسائل كثيرة، الموضوع ليس دراما فقط نحن أمام حرب شرسة على منظومة أخلاقية نعتز فيها وهي التي جعلت مجتمعنا يقف على قدميه لقرون سواء كان من مصدر ديني أو مجتمعي متعلق بالأسرة والحي والمدينة، ويتأتى خطر الدراما مع وسائل الاتصال على هؤلاء في قدرتها على التخريب السريع لكل ما ذكرت، ولهذا نخاف على مستقبلنا وأولادنا وبلدنا.

سقوط النص

من خلال المتابعة لما يعرض من الدراما السورية في رمضان من الناحية الفنية ربما هناك إيجابيات تُسجل، وبعض المقاطع المنفردة التي ترقى لمستوى فني عالٍ جدا، هكذا يبدأ الكاتب والباحث د. بكري عاروب كلامه ويتابع قائلا: «يؤسفني أن أقول أن الدراما السورية التي كانت تقدم حقيبة أخلاقية ورسالة تربوية هائلة للمشاهد العربي من خلال الموضوعات الجادة والكوميديا الهادفة والدراما التي تحمل كل المعاني الإيجابية والنجومية الفنية كان النص أهم ما يميزها في ذلك الحين، اليوم النص يسقط ويعتمد على الشكليات وحالات الإغراء الجسدي وغيرها من السفاسف من أجل الانتشار، هناك مسلسل من المعيب أن ينتمي للدراما السورية، والأهم في غالبية المسلسلات المعروضة أنها غائبة عن الواقع السوري بمعناه الحقيقي ولا تجسده بصورة صادقة ويتجاهله الواقع السوري والعربي وكأننا نعيش في عالم آخر ولا تعكسه كما يجب، والأهم والأخطر هو غياب المنظومة القيمية من النص والأداء الدرامي العالي، وروح القدوة غير موجودة، ومن المؤسف أن كثير من هذه الأعمال تعتمد على شخصيات لا تعبر عن المجتمع السوري الذي يراد أن يقدم على أنه خال من الحالات الإيجابية والقدوة الاجتماعية والاقتصادية، وأتمنى للدراما السورية أن تكون أفضل نشاطا وإيجابية وهدف، ويبدو أن تنازع الإيرادات فيما يتم إنتاجه ضمن الأراضي السورية وما ينتج خارج سوريا يؤثر حقيقة لأنه يعتمد على ما يجب تسويقه وليس على ما يتم تقديمه، وهذا لا يليق بالدراما السورية ولا نجومها الكبار الذين تحتويهم الدراما ويحترمهم المشاهد العربي في كل مكان».

تطرف في الآراء

يلاحظ الإعلامي فراس القاضي أن هناك أمورا لم تحدث من قبل في الدراما السورية، مثل الانقسام الشديد بين منتقدي الدراما والنقاد المتخصصين، ويقول: «سجال كبير يشبه الحرب على وسائل التواصل يدور حول (هل يحق لك أن تنتقد أم لا)، والجمهور يرد أنا المعني وأنا المتلقي والمتابع ويحق لي أن أقول رأيي وأنتقد، وكان «ترند» الموسم الرمضاني هذه الحرب الكلامية بين النقاد المختصين وغير المتخصصين، وكل طرف يرى أنه معني بالنقد أو أقل معرفة مما يسمح له بتقديم التحليل والنقد الفني الأكاديمي، لمسنا استياء النقاد من بعضهم البعض في عملية النقد واتهامات متبادلة».

ويتابع القاضي: «هناك استياء واضح عند الجمهور في أكثر من عمل درامي حول موضوع القيم التي انتهكت في عدد من المسلسلات مثل «مسلسل ولاد بديعة» وما يقدمه من قتل وجرائم ودعارة وغيرها، وفي مسلسلات أخرى كان النقد يدور حول استغباء القارئ في أحداث التسلسل غير المنطقي فيها، وهذا حقيقي فهناك مشاهد تشبه بعض الأعمال الهندية وتثير الضحك فعلا بموضوع الهروب والمشاهد القتالية أو ابتكار حلول لا تخطر ببال أحد ولا تتحقق.

وبالمقابل هناك إعجاب كبير ببعض الأعمال واللافت التطرف والحدية بطرح الآراء حول المسلسل ذاته الذي ينتقده البعض بسب انتهاكه للقيم، وهناك من يعده من أفضل ما أنتجته الدراما السورية؛ الاستياء الأكبر كان في انتهاك القيم وهذا يقدم صورة سيئة عن وضع البلد للمتلقي، وكثير من المسلسلات لا يمكن متابعتها من قبل الأسرة لأن فيها الكثير من المشاهد والإيحاءات الجريئة».

ويستمر السجال

كثيرة هي الآراء التي رصدناها في هذا التحقيق المطول، وهناك من ترحم على الأعمال البيئية السابقة وكما تقول السيدة غادة دقماق: «صرت أترحم على مسلسل باب الحارة صحيح أن المرأة ضعيفة وتابعة في المسلسل، ولكنه أعطى صورة إيجابية عن المبادئ وإخلاص المرأة لعائلتها وصبرها وأعطى انطباعا عن المجتمع السوري بالعز والكرم والنخوة، ما يعرض شوه سمعتنا وجعلنا كلنا لصوصا نمارس أوسخ أنواع السرقات وجعلنا كلنا مجرمين، والنساء فاجرات وعاهرات، المرأة تضرب زوجها كفا على وجهه ثم تقتله هذا المسلسل عار على سمعتنا، يجب عدم السكوت عن ذلك كفى تحطيما لهذا البلد».

لم يكن هذا الرأي ختاما، فلابد من القول إنه يكفي ما يعانيه السوريون من الأم في الواقع ومن المعيب اجترار الواقع بصورة أكثر إيلاما ووحشية وبشاعة وتصديرها للخارج، ويكفي ما يحصل للسوريين في الداخل والخارج، وما يعانونه، لتأتي الدراما لتزيد من بشاعة الواقع، هذه ملخص لكلمات كثيرة تلقيتها، والمطلوب مراجعة ممن يملكون الحل والربط لتكون هناك وقفة جادة بعيدا عن أصحاب المال، فهناك مصالح عليا وأهمها بناء الوطن والحفاظ على القيم والأخلاق وما تبقى من محبة ومشاعر.