No Image
ثقافة

فهد العتيق: أحاول تجاوز النمط المتكرر في الرواية العربية

05 مايو 2024
يرى أننا نحتاج إلى شجاعة التجديد
05 مايو 2024

لا يجد الكاتب السعودي فهد العتيق المولود عام 1960م راحته في التجمُّعات الثقافية، لا في المعارض، ولا في الندوات والمؤتمرات، ولا في حفلات التوقيع، ولا في برامج الإعلام.

تلك الأماكن تقلقه، ولا تمنحه ما يبحث عنه من سكينة، بينما يجد متعته في السفر إلى مدن يحبها، وفي شوارع يحنُّ إليها، وفي مقاه تغصُّ بالناس وحكاياتهم ووجوههم المحبَّبة. لا يهتم كذلك بالتقسيم الجيلي، لا يبحث عن أقران له، وإنما يهتم فقط بكتابته وأن تكون مختلفة عن ذلك الركام الهائل من الروايات العربية التي صارت نسخًا متشابهةً من فرط التكرار. أصدر فهد العتيق عددًا من المجموعات القصصية والروايات والكتب المهمة، هي «كائن مؤجل»، و«هي قالت هذا»، و«الملك الجاهلي يتقاعد»، و«كمين الجاذبية»، و«ليل ضال مثل بلاد ضائعة»، و«إذعان صغير»، و«أظافر صغيرة وناعمة»، و«مسافات للمطر»، و«عرض موجز»، و«ذاكرتي في دفتر ضائع»، وأخيرًا روايته «قاطع طريق مفقود»، التي يدور حوارنا معه حولها.

لم تعتمد على البناء الكلاسيكي، حيث تبدأ من لحظة هادئة ثم يتواصل السرد إلى ذروة الصراع النفسي، لكنك اعتمدت على استدعاء شذرات من الذاكرة.. لماذا؟

ملاحظة فنية مهمة حول البناء الفني في الرواية، وهي من الملاحظات التي تحرِّض على الكتابة حول فن الكتابة، وحول النص الأدبي الجديد، الذي يعتمد على البناء الحديث والتفاصيل والمشاعر الإنسانية والتأمل، وأيضًا على أسلوب كتابة مشاهد الرواية بطريقة فن الذاكرة. وأظن أن طريقة الكتابة سواء حديثة أو تقليدية، قد تحدث تلقائيًا؛ لأن لها علاقة بالمزاج الفني وتاريخ ونوع القراءات للكاتب وأيضًا بموضوع الرواية. أتذكر من سنوات طويلة أن الناقد والمفكر السعودي القدير الأستاذ محمد العلي كان إذا قابلني يقول أهلًا بمجدد القصة السعودية وهي شهادة أعتز بها، وربما لهذا فكرت أيضًا في تجديد الرواية حين حاولت كتابة الروايتين السابقتين «كائن مؤجل» و«الملك الجاهلي يتقاعد» بأسلوب البناء الحديث، وبشكل عام أرى أن مثل هذا الخروج عن تقاليد الرواية المعروفة، مع محاولة الاهتمام بلغة سلسة وممتعة، يحقق متعة القراءة؛ لأن هذا النوع من الكتابة يهتم بمقاطع ومشاهد التفاصيل الصغيرة العادية والمهملة والهامشية في حياتنا، ويعيد لها قيمتها، وأنا أستمتع بهذا النوع من الكتابة القريبة من فكرة التخييل الذاتي، والمكتوبة بطريقة حديثة لا تعتمد على الزمن التقليدي المستقيم، ولا على مسارٍ متصاعدٍ نحو ذروة المغزى التقليدي. هناك حكايات ومشاهد متوالية مثل مشاهد سينمائية على طريقة أفلام يوسف شاهين. الراوي يتعرض للحظة مؤثرة في المستشفى مع صديقه وقريبه، لحظة كانت أشبه بشرارة أعادته إلى شريط سينمائي طويل في ماضيه وأحداثه وحكاياته وأمكنته وأسئلته ومشاهده، شكّلت فصول عمل تحضر فيه تفاصيل حكايات وحوارات وأحداث بيت العثمان الكبير، من خلال مجموعة من الفصول المتصلة والمنفصلة في آن واحد. وطريقة وأسلوب هذه الرواية هي نفس طريقة وأسلوب كتابتي في القصة وفي الروايتين السابقتين حاولت أن تكون حديثة تعتمد على تقنية المقاطع والمشاهد والتفاصيل التي يجمعها جو واحد. وأرى أنه ممكن كتابة الرواية بالطريقة التقليدية أيضًا لكن بمحاولة تجاوز النمط السائد والمتكرر مثل نسخ متشابهة في الرواية العربية، ذلك النمط الذي يعتمد على الوصف وعلى موضوعات كبيرة عابرة ومثيرة يتضح فيه في الغالب تلفيق أحداث مكتوبة بطريقة آلية مكررة. نحن بحاجة إلى شجاعة التجديد في مفاهيمنا حول فن الكتابة بشكل عام لمحاولة أن يكون العمل الأدبي بشكل عام مكثفًا وعميقًا وموجزًا وممتعًا وفيه بصمة كتابة خاصة بالكاتب تكون قريبة من روح العصر الذي نعيشه. لهذا حاولت أن يكون النص حرًا ومفتوح الآفاق على تفاصيل المشاهد في حياتنا اليومية. من طريق كتابة التفاصيل اليومية العادية والبسيطة والهامشية والمنسية في تلك الحياة. طريقة تحاول أن تعلي من شأن المشاعر والأحاسيس الإنسانية، وتشتغل على المشاهد الخاصة والمكان الخاص مثل بصمة خاصة، وهذا يبعدها عن احتمال التشابه مع نصوص أو روايات أخرى، وهذه الطريقة هي الأقرب لروح عصرنا لأنها تدخل في تحدٍ مع نفسها لحل المعادلة الصعبة، أقصد محاولة الجمع بين البساطة والعمق في آنٍ واحدٍ، بحيث تصل ممتعة للقارئ العادي والنخبة، والحكم للقارئ في النهاية.

تترك السرد أحيانًا إلى التأمل والأفكار.. ألم تقلقك فكرة الانقطاعات المستمرة في السرد؟

التأملات والأفكار والهواجس والأسئلة الصامتة جزء من حياتنا اليومية ونمارسها في كثير من الأحيان بصمت أو بسرية، لهذا حضَّرت لتعميق أفكار لها علاقة بهواجس وهموم شخوص الرواية وأسئلتهم، وهي من وجهة نظري تكسر رتابة السرد والوصف خصوصًا أنه أيضًا لا يوجد في الرواية مغزى أو هدف أو حكاية تقليدية تنتظر نهاية صارمة، لكنها كتابة مفتوحة الآفاق على مشاعرنا وأسئلتنا وتأملاتنا من خلال شخوص وتاريخ وحكايات بيت العثمان.

هناك إحساس كذلك بأن هذه الرواية في حقيقتها مجموعة من القصص والبورتريهات لأشخاص مروا بذاكرتك وثبتوا فيها إلى الأبد.. ما رأيك؟

صحيح أتفق معك، هي رواية التفاصيل وليست رواية الحكاية الواحدة التقليدية. ومثل هذا النوع من الروايات الحديثة تميل إلى التكثيف وتعميق المشاعر والاهتمام بالتفاصيل في فصول متصلة ويجمعها جو واحد، دون مراعاة للترتيب الزمني النمطي المعروف، كما تهتم بالأسئلة المتأمِّلة في محاولة إلى إدراك معنى وقيمة وجودنا وحياتنا. وفي تجربتي مع القصة والرواية أحاول دائمًا الابتعاد ما أمكن عن النمط التقليدي السائد في الرواية الكلاسيكية حتى لا أقع في فخ تلفيق أحداث واختراع موضوعات مثيرة وعابرة. أحيانًا عند قراءة رواية تقليدية تشعر كأنها قصة واحدة منفوخة، كما قال الناقد السعودي محمد العباس. وربما هذه رؤيتي العامة لحياتنا قبل أن تكون لأجناس أدبية مثل: القصة والرواية، أشعر أنها مثل مشاهد متصلة ومنفصلة في آنٍ واحدٍ ويجمعها مناخ وجو موضوعي واحد. الرواية الحديثة بالنسبة لي هي مقاطع من حياة، ولو كتبتها بشكل الرواية التقليدية قد تتحول إلى ما يشبه سيناريو مسلسل درامي له بداية صارمة وأحداث مثيرة ونهاية مصنوعة. ولهذا قد تبدو القصة التي أكتبها فصلًا من رواية، وقد تبدو الرواية في يدي مقاطع من حياة يجمعها مكان وجو وشخصيات واحدة. وقد وصلتني مثل هذه الانطباعات عن روايتي السابقة «كائن مؤجل» التي ترجمتها الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وكذلك حول روايتي «الملك الجاهلي يتقاعد» التي وصلت إلى القائمة الطويلة في جائزة الشيخ زايد. وأتذكر مفارقة تتعلق بما نتحدث عنه، وهي أنه حين صدر كتابي القصصي «أظافر صغيرة جدًا» عن مختارات «فصول» بالقاهرة عام 2000 كتب عنه الناقد والمترجم اللبناني فوزي محيدلي مقالة نقدية يعتبر فيها أنه رواية وليس مجموعة قصصية..أيضًا من خلال قراءاتي لأغلب الروايات الجيدة المكتوبة بالطريقة التقليدية وجدت أنها كانت تعاني من مشاكل كثيرة أهمها الطريقة الآلية التقليدية المباشرة والإنشائية والأحمال الزائدة والتكرار وتكلف البحث عن موضوعات مثيرة، ومثل هذه الروايات في الغالب تبدأ قوية ثم يتراخى الأدب في النصف الثاني من الرواية. بينما تجد أن الروايات المكتوبة بالطريقة الحديثة عادة تسير بتلقائية فنية وهدوء وعمق وتظل الرواية محتفظة بمستواها حتى آخر صفحة، وعلى سبيل المثال جميع كتب وروايات إبراهيم أصلان ومحمد زفزاف وألبير كامو وآني إرنو وباتريك موديانو وخوان خوسيه مياس. وبشكل عام أرى أن الحياة الأدبية الآن تراجع نفسها وتتقدم نحو التجديد والتغيير والتجربة من خلال نماذج عربية قليلة قرأتها، لتجدد مساراتها الأدبية وتنويع طرائق التعبير الأدبية، بعد تجربة سنوات طويلة مع نمط متكرر وممل.

ما الذي جذبك إلى «رياض» قاطع الطريق الأول في الرواية؟

رياض صديق قديم تعجبني طريقته في الحياة، تشعر أنه كائن مثل عابر سبيل. وجذبني في رياض أنه في حياته كان عبارة عن مشاهد كوميدية متنوعة رغم جديته المفتعلة في الغالب. وأعرف شخصيات كثيرة تشبه رياض في طبيعة حياتها السارحة دون تركيز ودون اهتمام. تشعر أنها وُلدت لتكون حكاية طويلة في حياتنا. ولهذا كان هذا العمل في أثر رياض العثمان. ورياض مثل بقية شخوص كتاباتي ومثلي أيضًا، يبحثون عن أشياء مفقودة.

ترتكز الرواية في فصولها العشرين على تفاصيل الحياة اليومية لعائلة العثمان، من خلال بطل الرواية رياض وأهله وأصدقائه.. هل هي رواية عن الأشخاص وأحلامهم؟

لا يوجد مغزى أو هدف مباشر تدور حوله الرواية وتنتهي به، هي حياة مفتوحة على التفاصيل مثل حياتنا اليومية، لا يوجد هدف كبير سواء في العنوان الذي هو جزء من النص أو داخل النص، كما أن ذهاب النص الأدبي إلى مغزى أو هدف معين تدور حوله الرواية يعطل إمكانات الكاتب وإمكانات النص الفنية والموضوعية ويُضعِف القيمة الفنية للنص، وقد يظهره متكلفًا وفاقدًا للسلاسة والعفوية المطلوبة لأي عمل أدبي. كان النص في فصوله ومقاطعه ومشاهده محاولة للاقتراب من الشكل الحديث الذي نلبسه ونحياه، مقابل مضمون تقليدي متخلف نعيشه في الغالب، الشكل الحديث الذي نعيشه مقابل الجوهر المتشدد والمغلق الذي داخل هذا الشكل، بمعنى أن النص قريب من حداثة مظهرية نحياها ومبادئ متخلفة نمارسها في الغالب، قريب من أحلام داخلية لا نبوح بها، لهذا كان التركيز على الحلم في محاولة لفهم ذواتنا والوعي بظروف وتناقضات واقعنا.

ما تأثير المكان نفسه على أبطالك.. ولماذا لجأت إلى ذكر الأغنيات والمغنين بغزارة؟

ترك المكان فيهم أثرًا لا يُمحى وترك الأبطالُ أثرًا لا يُمحى في المكان. وأرى أن المكان من أهم عناصر خصوصية وبصمة النص، الحكاية في القصة والرواية تبدأ من روح هذا المكان، من الذين مكثوا هنا ثم غادروا وتركوا أثرًا لا يزول من حكاياتهم ومنحوه من أرواحهم، الذين مروا من هنا وتركوا أثرًا من خطواتهم لتظل ذاكرة فردية وجماعية خالدة. هذه البيوت والنوافذ والشوارع والدروب والبيوت تختزن حكايات وأرواح وأصوات وأسرار وآثار خطوات من عاشوا فيها وغادروها، ومجرد غرفة قديمة قد تحفظ تاريخًا وقيمًا وجماليات، والأغنيات أيضًا جزء من ذاكرتنا، ولكل أغنية علاقة بفترة محددة ومكان محدد.

هل تقول الرواية إن كل شيء يفسره الماضي؟ هل الماضي يتحكم بمصائرنا؟

ربما ليس تفسيرًا أو تحكمًا، ولكن قد تكون محاولة لإعادة بناء المواقف والمشاهد والحكايات من جديد، محاولة كتابة ذاتنا جميعًا في حال اشتباكها مع المكان والزمان والناس والمجتمع. لهذا أرى أن الماضي ليس مجرد مرحلة انتهت من أعمارنا، هو ذاكرة مليئة ومتأثرة بتلك الفترة، وهو تاريخ فيه مراحل شكَّلت شخصياتنا. الماضي هو اللحظة التي نتحدث فيها الآن، وقد تحولت بعد ثوانٍ إلى ماضٍ. هو جزء من الحاضر الذي سيتحول إلى مجرد مشهد عميق في ذاكرة حية، أتذكر أني كتبت مقالة قديمة في جريدة الرياض بعنوان «الرواية المعاصرة تتجه للتكثيف والقصر والتفاصيل اليومية وفن الذاكرة» رأيت فيها أن أدب فن الذاكرة ليس مجرد ذكريات. وربما هذا رأي يمكن أن يُقال عن روايات إبراهيم أصلان وآني إرنو وباتريك موديانو على سبيل المثال، لكن هذه الذكريات التي تشكل جوهرًا، مثل هذه الروايات ليست مجرد ذكريات، إنها عودة بالرواية المعاصرة إلى متعة الحكي وإلى حياة التفاصيل اليومية بطريقة المشاهد المتتالية، عودة إلى الحارات والشوارع الداخلية، عودة إلى علاقات الحب وعودة إلى أصل الحكاية، مع الغوص العميق داخل الشخصيات لرصد مشاعرها وهواجسها وأفراحها وأحزانها وأسئلتها تجاه واقع شكَّل شخصياتنا وترك ندوبًا في حياتنا.

لماذا يبدو دائمًا وكأنَّ هناك حنينًا إلى الحياة القديمة رغم أنها أكثر بؤسًا وفقرًا؟ والنوستالجيا هل تضع الكاتب في مأزق باعتبار أنه يكون مهمومًا باستدعاء الذكريات أكثر من اهتمامه بلعبة الفن؟

هذا الحنين موجود دائمًا في مشاعرنا الإنسانية والاجتماعية اليومية، لكن في الرواية ليس حنينًا بقدر ما هو إعادة قراءة لمرحلة من أعمارنا ساهمت في تشكيل وعينا وثقافتنا وأسئلتنا، محاولة لقراءة وفهم الواقع والوعي بالظروف التي أسهمت في تكويننا، مرحلة لا تزال راسخة في أذهاننا. ومجرد الحنين إلى الماضي دون تخييل، ودون لغة أدبية فنية رفيعة ومتأمِّلة، قد يحوِّل العمل إلى مجرد عواطف تلون الماضي أو تبكي عليه أو تتألم منه. بينما يتيح التخييل الأدبي الرفيع والمتأمل والمتسائل التوجه نحو مجتمع له المشاعر نفسها وإعادة رؤية مواقف ومشاهد عادية ومألوفة وجعلها مدهشة وغير عادية، وكأنها إعادة لصور وحكايات وأحداث وشخصيات ومشاهد سبق أن مررنا بها ولم نفهم معانيها ودلالاتها. وبشكل عام يهمني أن تكون الحكاية وفق مشاهد متتالية من الذاكرة الحية بعيدًا عن اللعبة الفنية التي قد تورط الكاتب أو توقعه في مشكلة اختراع حكايات مصنوعة، وفي فصول هذه الرواية «قاطع طريق مفقود» فصول ومشاهد ومساحات تملك أحلامًا ورؤيةً مستقبليةً واضحةً بعيدًا عن سطوة التاريخ والماضي.

هناك قليل من الخروج عن الواقع، كما حدث في مشهد الناس الذين يطالعون في السماء جلطات صغيرة تنهمر وتصيب أجسادهم.. ما سبب ذلك الخروج في عمل شديد الواقعية؟

مثل هذه المشاهد هي في الواقع جزء غير معلن عنه من واقعنا اليومي الذي نعيشه. جزء من أحلام اليقظة حين يتحرك الخيال ونشعر مثلًا بتحول ظاهرة في أذهاننا إلى مشهد كوميدي عابر يمر سريعًا مثل برق فلا نستطيع القبض عليه بسهولة. حاولت التعبير عنه في هذا الجزء من الرواية مثل مشهد الكوميديا السوداء وآمل أن أكون قد وفقت فيه.

كيف جاءتك فكرة هذا العمل وكيف خططت لكتابته وهل قرأه أصدقاؤك قبل النشر وبماذا نصحوك؟

الفكرة بدأت من اتصال هاتفي فاجأني قبل حوالي ثلاث سنوات، ويخبرني بوجود صديق قديم في المستشفى بعد إصابته بجلطة خفيفة وعابرة. هذه شرارة الحكاية. وبدأت الحكايات من بئر الذاكرة تتوالى مثل شريط سينمائي متدفق وممتع وسلس وقد وجدت متعة في كتابة فصولها. لم أعرض الرواية على الأصدقاء بعد الانتهاء من كتابتها. ولا أميل لهذا، بسبب أن كل صديق سوف يقول لك رأيًا يوافق مزاجه في كتابة الرواية. ولهذا أرسلت العمل إلى دار النشر فور الانتهاء من مراجعته التي أخذت مني وقتًا طويلًا، لكني قبل الطبع كنت مترددًا في اختيار العنوان وسألت عددًا من الأصدقاء فاختاروا عنوان «قاطع طريق مفقود» بدلًا من «بيت العثمان الكبير»، و«أغنيات عالقة في طريق المحطة».

ما جيلك عربيًا؟ وما المختلف بين أعمالكم وأعمال الأجيال اللاحقة؟ وبماذا تفسر الطفرة في الأدب السعودي خلال السنوات الأخيرة؟

لا أفكر في مسألة المجايلة كثيرًا، لكن القيمة بالنسبة لي في مستوى النص الأدبي بعيدًا عن جنس هذا النص وبعيدًا من عمر الكاتب أو الكاتبة. ولهذا أفكر دائمًا في كتابة مراجعة نقدية موجزة حول كل كتاب أقرأه بمتعة. وبشكل عام حركة النشر الأدبية القوية والمزدهرة في العالم العربي وفي بلادنا السعودية، بدأت ملامح نموها المتصاعد وازدهارها من عام 2000 تقريبًا، في القصة والقصيدة والرواية والنقد والترجمة. حركة أدبية واضحة ومبدعة ومبهجة وممتعة، وهي نتيجة انفتاح باب النشر في وسائل التواصل الاجتماعي، فقد صار النشر للجميع وليس للنخبة، كما كان سابقًا في الصحف والمجلات، وأيضًا نتيجة تراكمات قراءة أدبية عميقة لجيل جديد من الكتَّاب والكاتبات يحاول أن يكتب القصة والقصيدة والرواية بلغة سلسة وممتعة بلا تكلف أو مبالغات أو نبرات صوت صارخة وعالية تعودنا عليها في أغلب تجاربنا الأدبية السابقة. فن كتابة جديد بروح حديثة فيها رصد لليومي برؤية عفوية وبسيطة وممتعة وعميقة وعلى مستوى أدبي وموضوعي وفني رفيع.

هل ترى أنك مظلوم نقديًا؟ أم أن النقد عاجز عن ملاحقة الكم الكبير من الإصدارات؟ وكيف ترى تعدد الجوائز الأدبية. ما سلبياتها وإيجابياتها؟

ما كُتب عن تجربتي في القصة والرواية من مقالات ودراسات أسعدني كثيرًا. روايتي «كائن مؤجل» نُشِر عنها حوالي ثلاثين مقالة ومراجعة نقدية وترجمتها الجامعة الأمريكية بالقاهرة إلى اللغة الإنجليزية وصدرت بعنوان life on hold، والمفرح أنها ما زالت حاضرة في الأذهان وتصدر لها مراجعات نقدية حتى الآن وهو ما يسعدني. وكذلك كتبي القصصية مثل «إذعان صغير» فقد نُشِر عنها عدد كبير من المقالات النقدية، لكن بشكل عام أنا بعيد عن الإعلام الثقافي والعلاقات الصحفية والثقافية والمؤتمرات وحفلات التوقيع، لا أشعر بالراحة في مثل هذه الأماكن مثل راحتي وأنا أمشي على رصيف مليء بالمقاهي والناس سواء داخل السعودية أو خارجها. وبخصوص الجوائز أرى بشكل عام أنها ظاهرة أدبية عربية ممتعة واحتفاء ثقافي جميل بالكتب العربية التي تصدر كل عام، بالذات القائمة الطويلة، حيث يتعرف القراء العرب على أهم كتب العام. لكن هذه الجوائز في الغالب حذرة ومحافظة، ولا تميل للتجارب الجديدة، وهي تحب الذين يكتبون بغزارة وبالطريقة التقليدية المعتادة، ويطبعون كتبًا مثيرةً وكثيرة الصفحات. مثل هذه الجوائز مهمة وضرورية لتحريك الحياة الأدبية وتنشيطها، إذا واكبت الكتب في القوائم الطويلة مراجعات ودراسات نقدية جادة، لكن ليس لهذه الجوائز بالضرورة علاقة بتخليد أعمال الكتب الفائزة في ذهن القراء وفي ذاكرة التاريخ.

ما الخطوط العامة لعملك القادم؟

ما أعيشه في تفاصيل حياتي اليومية هو أدب ممتع غير مكتوب، حكاية طويلة تنتظر الكتابة بعفوية من دون طقوس أو تخطيط مسبق. وهذه الحياة اليومية فيها عادات تلقائية مثل: القراءة والمشي والمشاوير اليومية في الشارع والحارة والسفر الذي اعتدته وأحببته. وأعمل الآن على مراجعة كتاب نقدي عن اللغة والمكان والتخييل الذاتي في فن القصة والرواية، وهو كتاب عن عناصر بصمة فن الكتابة، بعد ملاحظات نقدية عن تشابه الكثير من الروايات التقليدية التي تصدرها دور النشر، ويتضمن الكتاب فصلًا عن نشأة الرواية الحديثة في السعودية، وكذلك فصلًا به المقالات والمراجعات النقدية التي كتبتها ونشرتها في الصحف عن عدد كبير من الروايات السعودية والعربية والمترجمة الممتعة التي كانت مثل بصمة أدبية رفيعة، بالإضافة إلى عملي على كتابة نص سردي طويل لا يزال في بداية مشاهده الممتعة.