No Image
ثقافة

كتّاب «عمان».. آراء متعددة في مستوى الحريات المحلية والعالمية

04 مايو 2024
بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة
04 مايو 2024

«عمان»: حددت منظمة «اليونسكو» في عام 1993 الثالث من شهر مايو من كل عام يومًا عالميًا لحرية الصحافة، ومنذ ذلك الحين أصبح هذا اليوم مناسبة عالمية تُثار حولها نقاشات حول نقطة واحدة وهي: «هل هناك حرية أصلًا؟»، لتتفاوت الإجابات بين التأكيد على وجودها، وبين المعارضين لفكرة الحرية، وبين المتوسطين الذين يرون أنه من الاستحالة أن تكون هناك حرية مطلقة، فالحرية المطلقة قد تكون لها عواقبها كذلك، خاصة عندما يتم التعدي على معتقدات الآخرين ومقدساتهم وإيمانياتهم باسم «الحرية»، كما حدث من إثارة موجة من الغضب نتيجة الرسومات المسيئة للإسلام -على سبيل المثال- على اعتبار أن هذا التعبير نوع من الحرية، فهل نقبل نحن، أو هل تقبل المجتمعات عمومًا، الحرية المطلقة؟!

وفي هذه الأثناء، التي تعيش فيها البشرية عددًا من الصراعات السياسية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية وما يصاحبها من تحركات مناصرة حول العالم لأهالي غزة، واستنكار ما تقوم به القوات المحتلة مما يوصف بالإبادة الجماعية من خلال التعبير عن طريق المظاهرات أو الاعتصامات أو الإضراب أو التحدث في مواقع التواصل الاجتماعي أو وسائل الإعلام، وأية صورة من صور التعبير، الذي من المفترض أن يُصان بأعراف «حرية الرأي»، فإننا نستغرب أن تقوم الجهات الأمنية في عدد من تلك الدول بكبت هذا التعبير وتجريم أصحابه واعتقالهم، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية التي تشتهر بأبرز معلم يعبر عن الحرية «تمثال الحرية»، فهل أصبحت «الحرية» في تلك الدول مجرد شعار؟ أم أن الحرية هي مزاج يطبق في بعض الجوانب ويُمنع في جوانب أخرى الأمر الذي جعل «تمثال الحرية» مادة للسخرية على مستوى حرية الرأي؟ ومما ورد رسم كاريكاتيري يوضح كيف اعتقلت الشرطة الأمريكية «تمثال الحرية».

في اليوم العالمي لحرية الصحافة، تذكرنا «اليونسكو» في موقعها الإلكتروني بأهم ما تدعو إليه لضمان حرية الصحافة، وهذه الدعوى لم تكن وليدة اليوم، فهي تتمثل في حماية الصحفيين وتعزيز حرية التعبير في الحماية من الجرائم ضدهم، وضمان الحق في الوصول إلى المعلومات ومكافحة المعلومات المضللة، ودعم تعددية وتنوع وسائل الإعلام، وتعزيز حوكمة المنصات الرقمية لتحقيق شفافية ومساءلة أكبر وفقًا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، إضافة إلى ترويج برامج التربية الإعلامية للمشاركة النقدية في الفضاء الرقمي، ورغم ذلك تتواصل عمليات اغتيال الصحفيين، واعتقالهم، واستهداف أسرهم، وخير شاهد على ذلك ما يحدث اليوم في غزة، وما زلنا نشهد إغلاق عدد من حسابات برامج التواصل الاجتماعي التي تعكس ما يحدث من ظلم في حق الشعب الفلسطيني، فمن يحمي حرية الإعلام والصحافة من الكبت. وفي هذه الصفحة نجمع لكم عددا من آراء كتاب المقالات في جريدة «عمان»، الذين تحدثوا في مقالات موجزة عن مستوى حرية الرأي في سلطنة عمان وما تشهده الصحافة العالمية فيما يُعنى بحرية الصحافة.

اليوم العالمي لحرية الصحافة -

زاهر المحروقي -

مرت في الثالث من مايو ثلاثة عقود على بدء العالم في الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة، وهي المناسبة التي اعتبرتها منظمة اليونسكو «فرصة لتذكير الحكومات بضرورة احترام التزامها بحرية الصحافة، ويومًا للتأمل بين الإعلاميين حول قضايا حرية الصحافة وأخلاقيات المهنة»، وقد تفاعلت وسائل الإعلام المختلفة في العالم مع الحدث، وغرّد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيرش، قائلا: «لتتوقف التهديدات والاعتداءات، ليتوقف احتجاز الصحفيين وسجنهم، ليتوقف استهداف الحقيقة ورواة الحقيقة».

وفتحت تغريدة جوتيرش الباب لمناقشة حرية الصحافة في العالم، في وقت يستهدف فيه الكيان الصهيوني الصحفيين في قطاع غزة، حتى لا ينقلوا للعالم المجازر التي يرتكبها ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، وهو الكيان الذي ظلّ يتغنى «كذبًا» أنه واحة الديمقراطية وسط دول المنطقة، وهو الذي قام باغتيال الصحفيين في أكثر من موقع.

وفي الواقع فإنّ مسألة حرية الصحافة في الوطن العربي يبدو أنها تحتل مكانًا متدنيًّا، إذ نشر حساب «مراسلون بلا حدود» على منصة «إكس» رسمًا توضيحيًّا لحرية الصحافة على مستوى العالم، حيث احتلت غالبية الدول العربية مستويات متأخرة في التصنيف بين درجة خطير للغاية ودرجة صعبة، ويعود الأمر في ذلك إلى الخطورة التي يواجهها الصحفيون في منطقة الشرق الأوسط التي شهدت اضطرابات كثيرة سواء في الحرب الإسرائيلية على غزة وفي الأوضاع داخل الكيان الإسرائيلي عامة، وكذلك الأوضاع التي مرت ببعض الدول العربية مثل سوريا والسودان وليبيا واليمن والعراق.

وشخصيَّا من خلال كتابتي لمقال أسبوعي، لم أجد تلك القيود التي تفرض على الصحفيّ، فلي مطلق الحرية في كتابة ما أشاء، وإذا كانت للجريدة وجهة نظر فيتم النقاش والتنسيق معي. ولكن بما أنّ ملاحظات القراء غالبًا تنصبّ على غياب حرية التعبير، فيعود السبب في ذلك حسب رأيي إلى تركيز الصحف على القضايا الرسمية فقط. وفي اعتقادي أنّه على وسائل الإعلام أن تساير الوضع الحالي؛ لأنّ مواقع التواصل الاجتماعي فتحت مجالا رحبا للناس أن يكتبوا وينشروا ما يشاؤون، مما أتاح للناس بدائل من القوة بمكان عن متابعة الإعلام الرسمي، رغم ما قد يحدث من تلك الوسائل من تجاوزات، ومن نقل بعض الأخبار التي قد لا تكون صحيحة.

في اليوم العالمي لحرية الصحافة، يجب أن تتكاتف الحكومات والجهات المختصة للوقوف مع الصحفيين في العالم وإلى دعم حرية الصحافة؛ لأنّ في ذلك سبيلا للنهوض بالأوطان.

حرية الصحافة المحلية -

خميس العدوي -

حرية الصحافة لا ينبغي أن تقاس بدولة أخرى، فهي تشكّل بصمة خاصة بكل بلد، نعم؛ هناك قوانين كلية تحكم العمل الصحفي عمومًا، وأهمها حرية التعبير، إلا أن لكل بلد ظروفه. واليوم.. ظهر لنا مدى تفاهة الزعم بحرية التعبير، والشاهد.. ما يحدث في أمريكا من قمع للطلبة في الجامعات الذين يقفون ضد مجازر الإبادة الجماعية بغزة. لا أريد أن أقول: إن أمريكا تحولت إلى دولة استبداد، ولكن أقول: معالجتهم للقضية دفعت بهم إلى ذلك، فلكل دولة تعاملها مع الحريات، التي ينبغي أن تحاكم قوانينها وبمدى التزامها بهذه القوانين.

بالنسبة لسلطنة عمان.. كوني أكتب في الصحافة العمانية منذ 35 عامًا، ولأني مشتغل بمتابعة الحالة الفكرية في بلادي، فأرى أن الصحافة عمومًا مرت بمراحل متواكبة مع ما تمر به البلاد من تطورها المرحلي، وقد كتبت من قبل أنه باكتمال البُنية الأساسية للدولة، أعلن السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- عام 2000م أنه لا مصادرة للفكر، ومع تولي مولانا جلالة السلطان هيثم بن طارق -أدام الله مجده- الحكم عام 2020م بيّن في خطابه إلى شعبه بأن حرية التعبير مكفولة بحكم القانون، وفي عام 2023م أكد معالي الدكتور عبدالله الحراصي وزير الإعلام باسم الحكومة أن حرية الصحافة مبدأ تسير عليه الدولة، لا تفريط فيه، ودعا إلى النشر في الصحافة، وللكاتب حرية ما يكتب طالما أنه يلتزم بأخلاقيات الكتابة.

هذا من ثوابت الدولة في سلطنة عمان، ولكن علينا أن نلحظ أمرين:

الأول: إن الصحافة كونها منظومة مكتملة البُنية، يصيبها الجمود بمرور الأيام إن لم تتطور، ولذلك على التشريعات أن تواكب ديناميكية الاجتماع البشري.

الثاني: أي عمل -ومنه حرية الصحافة- يدخل في جدل مدى التحقق، وحرية الصحافة في العالم كله واقعة تحت هذا الجدل. ولا يمكن أن نحكم على الصحافة بهذين الأمرين، فهما أمران طبيعيان في كل بلد، ما عُجِّل بمعالجتهما. ولأني كاتب في الصحف العمانية فإن ما لمسته هو تمتعها بمساحة رائعة من حرية النشر، كما أنها في تطور مستمر.

العين المراقبة والمعبرة -

بدر العبري -

يوافق يوم 3 مايو من كلّ عام اليوم العالميّ لحريّة الصّحافة، وبطبيعة الحال لستُ خبيرا في الجانب الإعلاميّ، ولست مطلعا على صّحافة العالم بشكل دقيق جدّا، ولكن الأصل أن تكون الصّحافة هي العين المراقبة للسّياسات العامّة، والمعبّرة عن الرّأي العام، فهي السّلطة الرّابعة كما وصفت، وكانت مستقلّة بذاتها لا ينافسها منبر آخر، بيد أنّ وسائل التّواصل اليوم زاحمتها بشكل كبير، وكادت أن تسحب بساطها، لولا أنّ الصّحافة بشكل عام تداركت أمرها مع وسائل التّواصل، فتحوّلت بذاتها إلى منصّات فيها، وغلّبت الجانب الرّقميّ على الجانب الورقيّ.

والصّحافة في العالم تطوّرت بشكل كبير جدّا منذ بداياتها في فرنسا عام 1632م، وكان لها تأثيرها على الأوضاع السّياسيّة والاجتماعيّة في أوروبا، كما كانت منبرا للتّنويريين، فساهمت بشكل كبير في نهضة العالم الغربيّ، كما ساهمت في الحضارة المعاصرة، ولا يمكن تحقّق ذلك بعيدا عن الحريّات الّتي كسبتها بتدافعها ذاتها، وسعيها في ذلك.

هذه الحريّة والاستقلاليّة متفاوتة، بيد أنّها واسعة بشكل كبير، وقد تضيق في أماكن معينة كنقد السّاميّة في بعض الدّول الأوروبيّة، إلّا أنّها حافظت بشكل كبير على حرّيّتها واستقلالها، وهي بلا شك أفضل بكثير من العالم العربيّ، مع أنّ السّياسات الغربيّة المستعمرة ذاتها كانت تضيّق على حريّة الصّحافة العربيّة، ولمّا ذهب الاستعمار في الجملة بقت السّياسات العربيّة محدّدة لحريّة الصّحافة أيضا، إذا ما استثنينا بعض الدّول بنسبة وتناسب، كما في لبنان مثلا.

ظلّ الأمر ذاته في غالب العالم العربيّ، بيد أنّ تأثير وسائل التّواصل أثر إيجابا على الصّحافة في العالم، والعالم العربيّ خصوصا في العديد من الجوانب، ومنها جانب حريّة الصّحافة، وهذا ما بدأنا نلمسه في عمان، ومن خلال جريدة «عمان» الرّسميّة ذاتها، التي بدأت تنفتح بشكل أكبر، وتحتضن الأقلام النّاقدة للقضايا المحليّة، والسّياسات الدّوليّة، والقضايا الدّينيّة والفكريّة والاجتماعيّة، كما أجدها تحتضن الأقلام الشّبابيّة بصورة أكبر من السّابق، بعدا عن النّفعيّة الشّلليّة. بيد هذا يحتاج إلى مزيد من المراجعات، خصوصا وهناك تجاذبات حول قانون الإعلام الجديد، الّذي لم يخرج بعد إلى حيّز التّنفيذ، كما أنّ قانون المطبوعات والنّشر السّابق لا يزال معمولا به بسلبيّاته، وقِدم ظرفيّة صدوره، فنحن اليوم في النّهضة المتجدّدة، ووفق رؤية «عمان 2040»، أمام ضرورة الجمع بين المراجعات ومدى توسعة الحريّات بشكل أكبر، بحيث يتوافق ذلك مع الاستقرار من جهة، والتّنمية من جهة ثانيّة، بحيث يكون الأمر محكما، الغاية منه الوطن، فمع تقدّم لبنان مثلا في حريّة الصّحافة؛ ألّا أنّ الحريّة غير المحكمة قادته إلى انقسامات داخليّة، أرجعت لبنان إلى الوراء، لهذا لابدّ من إحكام ذلك، فهناك نماذج في العالم، ذات حريّة صحفيّة، إلّا أنّها مستقرة داخليّا، ومتقدّمة تنمويّا ودوليّا، وهذا ما نرجوه للعالم العربيّ، ومنها عُمان بطبيعة الحال.

هل هنالك صحافة حرة فعلا؟ -

أمل السعيدية -

هل هنالك صحافة حرة فعلًا؟ لعل هذا السؤال صار ملحًا أكثر من أي وقت سابق. وأعتقد أن هنالك نوعًا من التسليم المسبق بعدم إمكانية أن تكون هنالك صحافة موضوعية وحرة، على اعتبار أن الصحف تخدم أجندة بعينها، ولا أجد أن خدمة الأجندة تسيء لحرية الصحافة أو مهنيتها، بل أجندة من؟ ولماذا؟ يستبعد المؤمنون بهذه الفكرة أي نوع من الالتزام الأخلاقي تجاه الجماهير وتجاه الحقيقة، إنها فكرة ليبرالية مبسطة جدًّا عن فكرتنا حول العالم الذي نعيش فيه، عالم تحكمه الفائدة والقيمة والسوق، لكن أن نؤمن بأن هنالك من يمكن أن يأخذ على عاتقه تبني هذا الهاجس فيبدو ذلك صعبا بل مستحيلا. لطالما تابعت صحفيين غادروا مؤسسات كبيرة عملوا بها بأجور عالية،

إضافة للاعتبار الاجتماعي القادم من العمل فيها مثل نيويورك تايمز وأسسوا صحفًا مستقلة تتبنى سياسات تحريرية منفتحة وعادلة كما حدث مع ناثان جي ربونسون مؤسس ومدير تحرير currentaffairs. إن أي صوت يصدر عن السلطة يقول: إن الصحافة الحرة معدومة يريد ببساطة تسويغ عدم حرية الصحافة في السلطة التي يكون على رأسها. يعمل الكثير من الصحفيين حول العالم في ظروف صعبة وقاهرة، ومع ذلك نقلوا لنا حقائق لم نكن لنعرفها قط، أتذكر على سبيل المثال التحقيق الذي نشرته جريدة الجمهورية الذي استمر العمل عليه لما يزيد على السنتين، لنشاهد مجازر عنيفة في سوريا تجاه المدنيين الأبرياء وبطريقة وحشية. لابد أن هذا التحقيق لم يكن يعكس جهد الصحفيين لوحدهم بل إيمانا حقيقيا من المؤسسة التي يعملون فيها.

يتجه العديد من المؤسسات الصحفية المستقلة إلى اشتراكات القراء والمستخدمين، وهذا النموذج التجاري الذي يمول هذه المؤسسات ويحافظ على استمراريتها، بالإضافة إلى تقديم منتجات صحفية مختلفة، كما يحدث مع البودكاست على سبيل المثال، عدا عن إمكانية التبرع بأي مبلغ يختاره المشتركون، الأمر الذي يعني المساهمة في صناعة الصحيفة والشعور بوجود تمثيل حقيقي للقراء ورغباتهم التي يسعون لإشباعها عبر الأخبار الصحفية وأي خدمة صحفية تقدم لهم. أشترك شخصيا في العديد من هذه المجلات، كما أتبرع إن استطعت لبعضها الآخر، لأنني أريد أن أدفع ثمن العمل الصحفي النزيه وأرغب في أن يزدهر.

بين حرية الصحافة والقضايا المعاصرة -

خالد المعمري -

يمكن القول: إن حرية الصحافة العالمية اليوم -على الأغلب- تشهد تراجعًا كبيرًا على مستوى الحريات، نظير ما يشهده العالم من أحداث اقتصادية، وسياسية جعلت العالم على صفيح ساخن، فصارت الصحافة تابعة للأحزاب المختلفة، وتابعة للمنظمات التي تسير الصحافة على أيديولوجياتها وتتبع الأنظمة السياسية للدول (المهيمنة) على القرارات العالمية، لذا فإن هذا التراجع هو مؤشر خطير لما يحيط بعالم الصحافة، والكتابة الصحفية.

ولعل الأحداث الأخيرة التي تشهدها فلسطين والحرب على غزة -كأنموذج بسيط على تراجع حرية الصحافة- جرّدت الحريات الصحفية والإعلامية من مهنيتها لنرى الميل الواضح لفساد الأنظمة العالمية والدول والانحياز لبؤر الفساد العالمي والغطرسة المدفوعة من دول كبرى على الخارطة العالمية.

لم تقم الصحافة اليوم بدورها المأمول في خدمة الأحداث بل إن بعضها قام بتضليل الرأي العام، وإخفاء الحقائق عن المتابع، بل إن ما تواجهه بعض الوسائل الإعلامية اليوم من تهديدات كافية لوصف حرية الصحافة بأنها بمأزق كبير.

في المقابل من خلال متابعتي للصحافة المحلية أو بما أكتبه في صفحاتها منذ فترة، فإن صحافتنا تكاد أن تكون منطقية في تغطيتها الإعلامية، بل إنها منحت الكاتب حريات كبيرة -ما لم تمس أو تسيء إلى أحد إساءة أخلاقية- فنجد التغطيات الإعلامية للشأن العالمي محايدة ومنطقية، والكتاب يمارسون أدوارهم الكتابية في حدود ما سمحت الصحافة نفسها.

أذكر أنني في صدد كتابة مقال عن القضية الفلسطينية وعلاقتها بالآخر (المحتل)، كنت مترددا أن المقال قد يواجه رقيبا واشتراطات قد توضع أمام نشر المقال، ولكن المقال وجد طريقه إلى النشر وقد منح المؤلف حرية في تعاطي الأحداث والقضية، وهو ما ترفع صحفنا شعاره دائما تحت عبارة (أن الرأي المنشور ليس بالضرورة رأي الصحيفة دائما، بل هو يعبر عن رأي صاحبه).

لقد اقتضت الكتابة الصحفية منح الكاتب شيئا من الحرية في التعبير وصولا إلى حق كتابي ومهني جيد يواكب الواقع المعاصر، ويلم بكل أحداثه وأحواله وهذا ما أراه في صحافتنا المحلية على الأقل.

مستوى حرية الرأي في سلطنة عمان -

عائشة الدرمكية -

تتميَّز سلطنة عمان بحرية الرأي منذ بدء تأسيس المنظومة الإعلامية الحديثة، وهذه الحُرية تزداد وفقا لمقتضيات المرحلة التنموية، إذ ظهرت فيها الحُرية في الآراء التي تعكس مدى فهم الدولة وإدراك مؤسسات الإعلام لتلك الأهمية التي تمثلها هذه الحرية في ظل الانفتاح على العالم، وتعدُّد وسائل الإعلام خلال السنوات الأخيرة خاصة الإلكتروني منها، ولهذا نلحظ أن هذه الحُرية أخذت أبعادًا متعددة من حيث الأفكار والموضوعية وجرأة المناقشات سواء في الإعلام الحكومي أو الخاص بأشكاله المختلفة.

إضافة إلى ذلك فإن وعي الإعلاميين والكُتَّاب بأهمية المشاركة الفاعلة في التنمية والمساهمة في التغيير الإيجابي فتح آفاق حرية الرأي البنَّاء، ودفعتهم إلى طرح مجموعة من الأفكار والموضوعات ربما لم نكن نجدها قبل سنوات عدة، فهناك موضوعات سياسية واجتماعية لم تكن من بين الموضوعات التي يناقشها الكُتَّاب في الصحف أو في اللقاءات والحوارات التلفزيونية، والتغطيات الإعلامية، وهذه ميزة دفعت تقدُّم صناعة الإعلام بشكل عام في عُمان.

ولعل الظروف العالمية الحالية والتحديات والإشكالات الجيوسياسية أظهرت حقائق وسائل الإعلام وجوهرها وتوجهاتها، والأيدلوجيات التي تعمل ضمنها؛ فالظاهر الإعلامي أثناء الكوارث أو الأحداث السياسية بشكل خاص، يعكس تلك التوجهات، وهذا ما ظهر في الإعلام العالمي خلال الأزمة الحالية والعدوان على فلسطين؛ حيث ظهر الإعلام الانتقائي المنظَّم والمدروس الذي يُفبرك الحقائق ويقدِّم آراء موجهة تخدم مصالح القوى السياسية والاقتصادية العالمية التي تهمها مصالحها ومصالح الدول الداعمة لها، وبالتالي فإن ذلك الإعلام يعمل على خدمة تلك المصالح، ويحاول توجيه الرأي العام إلى تبرير الطغيان ودعمه وتمرير أفكاره العدوانية إلى المجتمعات.

وإذا ما قارنّا ما يحصل في العديد من وسائل الإعلام العالمية، وما نراه في الإعلام العماني من كتابات على مستوى الصحافة تحديدا، سنجد أن هناك الكثير من الجرأة والموضوعية في طرح الأفكار والدلائل والحقائق؛ حيث كتب الكثير من الكُتَّاب مقالات صريحة وجادة وموضوعية، وهذا يعكس توجهات الإعلام العماني نفسه، والمساحة التي يمنحها لهم لإبداء الآراء بحُرية وموضوعية، إضافة إلى الأهداف والمبادئ الراسخة التي يعتمد عليها في الصناعة الإعلامية، الأمر الذي يعكس مصداقيته وموثوقيته.