No Image
ثقافة

للحديث نظير.. رواية مختلفة من فلسطين

20 مارس 2024
20 مارس 2024

أحب الجرأة وحس المغامرة في الكتابة، أحب قراءة السرد الذي يأتي صادقا من تجربة الكاتب الحياتية وخياراته وقناعاته اللغوية والفكرية، أحبه وهو يذهب الى بنية تخالف السائد، ولغة يحبها صاحبها ويراها ملائمة، أمامي رواية فلسطينية غريبة، (للحديث نظير) لبروفسور الكيمياء البيوعضوية أشرف ابريق، صادرة حديثا عن دار كل شيء في حيفا، لم أقرأ قبل هذه الرواية روايات فلسطينية يجلس فيها الأدب مع العلم في غرفة واحدة، رواية من النوع الذي يحيرك، ويجعلك تسأل نفسك: أأنا أمام رواية أم كتاب علمي، وبعيدا عن هذا السؤال، كان الانبهار بالمعلومات العلمية في الكيماء والطب وعلم النفس والاقتصاد وغيره من العلوم متضافرا مع المتعة في تأمل شخصية و علاقة وعواطف الابن مع الأب، الذي كان يعمل أستاذا جامعيا في الكيمياء الحيوية، ودرس خصائص البروتينات في سياق أمراض مختلفة كالسرطان والبركنسون.

الصفحات التي استرسل فيها الأب في الحديث عن مسائل علمية بحتة، كانت خفيفة وخالية من الجفاف والتفاصيل المملة، ومشدودة الى السياق الدرامي للراوية، وهذا ما أنقذ الرواية من الضعف، وهو أيضا ما جعلني أكمل القراءة فضولا واستمتاعا. تأخذنا بنية هذه الرواية الى رواية (عالم صوفي) الشهيرة لغوستان غاردر نشرت باللغة النرويجية عام 1990 وهي عبارة عن مراسلات وأحاديث في تاريخ الفلسفة، بين صوفي بطلة الرواية ورجل غامض اسمه البرتو كونكس، الجديد في رواية البروفسور أشرف إبريق هي أنها كتبت داخل سياق فلسطيني بحت وبلغة مختلفة، وبروح أقرب لتخصصه وعالمه الشخصي والإنساني.

ولأن الكاتب لديه خبرة واضحة في فن السرد الروائي، تبدأ الرواية بداية مشوقة مدروسة، تصطاد فضولنا، وتقودنا بسلالة الى ما ينتظرنا، فهو يصف بلغة مؤثرة توتره وخوفه وانفعالاته في طريقه الى الأب المريض بمرض نادر في الاعصاب، أحببت تداعياته وهو يفكر في الأب ورعبه من احتمال غيابه، ونعثر على مفتاح الرواية داخل هذا الباب، يقول الطبيب للراوي: (عليك أن تحاول اشغاله، في الحديث معك قدر المستطاع، فهذا يقوي الجهاز العصبي، التواصل الكلامي يحثنا على افراز هرمونات خاصة تقوي الشبكة العصبية وتعزز الحالة العامة للجسم، وبالتالي يكون لذلك أثر هائل على صحتنا). هنا تبدا أحاديث العلم والأدب مع الوالد المريض الذي تتحسن حالته العامة وهو يروي قصص العلماء وتاريخ العلم.

(ما هي اهم مكونات هذا الكون يا أبي؟ اتسعت عيناه ، ازداد بريقها، وحرك جسده نحوي، أخذ نفسا عميقا وبدا كأن السؤال أثاره.)

وهنا بدأ الاب يروي ويحكي عن الكون والحقائق العلمية وعن الحيوان والنبات والجماد والهواء وعن أن كل ما حولنا مبني من مواد مختلفة لها تركيبتها الكيماوية، او بكلمات أخرى مبنية من ذرات تتفاعل فيما بينها وفق قوانين الكيمياء. وهنا لا يسترسل الراوي في الاحاديث والاسئلة العلمية مع الأب، المساحات محسوبة، وهو لا يريد أن ننسى أن ثمة حكي شخصي وسرد أدبي وانفعالات وعواطف وتذكرات وتداعيات درامية هنا، فيذهب بنا الى مشهد اقتراب موعد غداء الاب وكيف صحح الراوي جلسته وساعد في رفع القسم العلوي من السرير وملاحظة ان والده يأكل بشهية، ثم سرد حب والده للطبخ الشرقي، الذي اعتبره جزءا أساسيا من حياة العائلة، وفي لحظة ما، نجد أنفسنا نخرج من مشهد تناول الوالد الطعام الى حديث علمي عن الحاجات الجسدية من لذة ومتعة وتغذية .( أن عملية الطبخ بعد اكتشاف النار منحت الانسان القديم، الفرصة لاستغلال السعرات الحرارية الضرورية بنجاعة أكثر، أذ أراح بطهيه الطعام جهازه الهضمي ووفر القسم الأكبر من الطاقة للتفكير وتطوير دماغه وهذا مكن الانسان من التطور).

(للحديث نظير) رواية فلسطينية مميزة مختلفة وأجمل ما فيها أن كاتبها كتب سياقه وحياته وشفغه.

الكاتب في سطور

البروفيسور أشرف إبريق من مواليد قرية أبو سنان. التحق بجامعة بئر السبع حيث درس الكيمياء وأحرز اللقب الأول. ثم أنجز اللقب الثاني في الكيمياء العضوية في التخنيون - معهد العلوم التطبيقية، واللقب الثالث في الكيمياء البيو عضوية أيضًا في التخنيون بالتعاون مع "معهد سكربس" في سان دييجو في كاليفورنيا، حيث أكمل تعليمه وتخصّصه هناك. تم تعينه في عام 2007 محاضرًا من الدرجة الأولى كلية الكيمياء في جامعة بئر السبع. وفي عام 2012 تمت ترقيته إلى رتبة بروفيسور كامل. في عام 2015 انتقل إلى معهد التخنيون كبروفيسور كامل في كلية الكيمياء، وبروفيسور ابريق هو عالِم معروف عالميًا ويرأس اليوم فريق أبحاث يتكوّن من 15 باحثًا وباحثه من دول مختلفة.

وكان قد نشر أكثر من 155 مقالة علميّة في أفضل المجلات العلمية وتسجيل العديد من براءات الاختراع. في عام 2011 حصل على جائزة الكيميائيّ الشاب الأكثر نجاحًا، وعلى جائزة شركة "طيفع" لعام 2013. كما حصل على جائزة "تتراهدرون" للباحثين الشباب في مجال الكيمياء البيولوجية والطبية لعام 2013 من دار النشر "السيفير". وفي عام 2015 حصل على جائزة "هيراطا" من اليابان وجائزة من مؤسسة "الهومبولد" الشهيرة في المانيا وأصدر كتابين في مجال الادب: نوتات الكيميائي وللحديث نظير.