No Image
ثقافة

ما زال بيرم التونسي يتساءل: يا أرض مالك ؟ !

02 مايو 2024
02 مايو 2024

لقد تساءل الشاعر الراحل بيرم التونسي عن حال الأرض في الثلاثينيات، حيث الصراعات الدولية عن الأرض وزلازلها، برمزية بالطبع عن الحروب.

يا أرض مالك كرهت كل سكانك

في يوم زلازل ويوم يجرفنا طوفانك

ويوم عواصف ويوم نشيد بركانك

يا أرض مالك

راح فين بهاكِ وحلمك فين وحنانك

رحيمة فاضت لنا بالخير أنهارك

جميلة متزوقة في وشي أزهارك

طروبة تعزف لنا الأنغام أطيارك

كريمة ما بينقطع نخلك ورمانك

يا أرض مالك

أعود إلى الأغنية بصوت وسام مراد العذب، في حين تتراءى لي هيروشيما غزة، ترى ماذا سيقول الغزيّون؟

تلك هي خلود الروائع، شعر بيرم التونسي، وموسيقى وغناء وسام مراد، وتلك هي رسالة الأدب والفن، ولعلّ الشعر الغنائي هنا صادق في تساؤلاته، عما يحدث للشعوب.

زلزال ضرب المكان؟

طوفان!

عواصف، براكين!

يا أرض مالك كرهت كل سكانك

في يوم زلازل ويوم يجرفنا طوفانك

ويوم عواصف ويوم نشيد بركانك

هل فعلا أرض غزة كرهت أهلها؟ أهلها الذين جعلوها ذات يوم أرضًا برتقاليةً تحيي نظر المشاهدين وقلوبهم؟ أهلها الذي زرعوا الورود وصدروها حتى إلى أوروبا؟

أظهرت صور أقمار صناعية دمارًا هائلًا طال مربعات سكنية كاملة في قطاع غزة، منها مدينة حمد السكنية في خان يونس جنوبي قطاع غزة، فهل هو دمار «ما بعد إلقاء قنبلة ذرية»؟.

في كل مكان نرى تجريفات للأرض والكروم والبساتين والبيات والمزارع والبيوت! هل هذا نتاج زلزال؟

يريد الغزاة جعل الأرض غير صالحة للحياة.

نصف المباني بالقطاع من المحتمل أن تكون قد تضررت أو دمرت..

إنه زلزال البشر، قام به الغزاة برا وجوا وبحرا.

ماذا سيقول الموجوعون للموجوعين بعذاب الحروب!

اشتبك الناس بالعيش، في المحيط الصغير فالأكبر، فكان لا بد من منظم لا عنفي لاستمرار الحياة، في البلد الواحد والعالم، فكان الفكر، كان الأدب والفن للتعبير، وتقديم اقتراحات إنسانية لا وعظية، من أجل تجنب الآلام.

والمفروض بعد رحلات الإنسان في الحياة، أن يكون قد نضج (فردا ومنظومات حكم وعلاقات دولية)، فتلك هي الحضارة.

هل يعقل أن يكره البيت صاحبه؟ والأرض أهلها؟

كان الرمز هنا واضحًا، وكان الشاعر بيرم من الشعراء الضاجين بالنزاعات والاستعمار، وعانى من الاستعمار الفرنسي لبلده الأصلي تونس، كما عانى من الاستعمار البريطاني لمصر التي أقام فيها طوال عمره. ويعاني وسام بدوره من احتلال إسرائيلي بغيض لوطنه.

هناك وجه شبه بين أرض بيرم وأرض وسام وأرضنا أيضًا ثمة نزاعات وحروب وصراعات تسلب الناس أحلامهم وحياتهم وممتلكاتهم وأوطانهم وحرياتهم كأن الأرض دائما هكذا في صراع منذ وجدت وإذا كانت كذلك فيجب تغيير ذلك.

في القسم الثاني من القصيدة، راح بيرم التونسي يرثي جمال الأرض، حيث بهاء الأرض وحنانها وجمالها وعطاؤها، يتساءل باللهجة العامية المصرية

راح فين بهاكِ وحلمك فين وحنانك

رحيمة فاضت لنا بالخير أنهارك

جميلة متزوقة في وشي أزهارك

طروبة تعزف لنا الأنغام أطيارك

كريمة ما بينقطع نخلك ورمانك

يا أرض مالك

يا ارض مالك؟ بل يا بشر ما لكم؟

مرة أخرى تبرز غزة لنا، وشقيقاتها خان يونس ورفح والبلدات جميعها، كيف كانت فيما قبل؟ قبل الاحتلال عام 1948 وقبل الاحتلال عام 1967، وقبل الحروب المتوالية على قطاع غزة التي لم تنته، وصولا لحرب الإبادة الأخيرة.

غزة شقيقة يافا، وما أدراك ما يافا، كلاهما تنافستا في زراعة البرتقال، والعمران والمدارس والأسواق، وفيهما ظهر الكتاب والشعراء.

الأرض الجميلة بأناسها الجميلين، الذين فقط هم المؤهلون لوقف الهدر الإنساني في الفرح، وهم الموضوعيون الذين ترتفع أصواتهم لإعادة الأمور لسابق عهدها من السلام.

هدف تحقيق السلام والهدوء والتصالح الإنساني القائم على العدل واحترام حقوق الإنسان.

هناك دوما تسونامي في الطبيعة والإنسان، وما زال العلم يتذكر كارثة القنبلتين الذريتين اللتين ألقيتا على هيروشيما وناكازاكي. لذلك فالأصل أن يتعاون البشر ضد كوارث الطبيعة لا أن يزيدوا الكوارث والآلام، فالكوارث الطبيعية لا يمكن التحكم بها، بينما هناك مجال للتحكم بعالم الإنسان، وما نحتاجه هو الإنسانية والأخلاق في التعامل الدولي. وليس الأمر مقتصرًا على الدول بل على الأفراد.

الأرض، في مناطق التوتر، ثمة منظومات للحكم والتحالفات داخل المجتمعات، وبينها وبين بعضها البعض.

تلك منظومة خير وحب وجمال متكاملة.

أستمع لهذه الأغنية، وأعود لديوان بيرم التونسي وحياته، فأجده من الشعراء الذين أدركوا ما نتحدث عنه، مستجيبًا بمقترح جمالي للسلام.

وأجدني في أجواء أغاني خالد الذكر فنان الشعب الكبير سيد درويش، فأجد كما تجدون معي منظومات العدالة داخليا وخارجيا واحدة.

وقال لي الفنان وسام مراد الذي لحن أغنية بيرم التونسي وغناها: ما تحدث عنه بيرم التونسي قبل عشرات السنين، ما زال ينطبق علينا، بل ينطبق على كل زمان.

في الأغنية دعوة للبشر للتصالح والسلام، ما أجملها من دعوة !

تحسين يقين كاتب فلسطيني