No Image
ثقافة

سبائك اللُّجَين.. عالِمٌ في ديوان شِعر

03 أبريل 2024
أنظار في كتبٍ عمانية
03 أبريل 2024

حميد بن محمد بن رزيق النخلي (ت:1291هـ) شاعر ومؤرخ عاش مقربا من السلاطين، واشتهر أكثر ما اشتهر بكتابه (الفتح المبين في سيرة السادة البوسعيديين) وبكتبه التاريخية الأخرى، بينما توارت آثاره الشعرية وبقيت غُفلًا من العناية عدا ديوان شعر صغير وديوانه (سلك الفريد في مدح السيد ثويني بن سعيد) فهما غاية ما نُشِر من آثاره الشعرية بغير تحقيق علمي لائق.

وقد عدَّ الباحث فهد بن علي السعدي ابن رزيق في طليعة الشعراء العمانيين الذين تعددت دواوينهم، إذ بلغت دواوين شعره ثمانية أو أكثر، أشار ابن رزيق إلى بعضها في كتابه (الفتح المبين) أو استشهد بشيء منها.

وممن احتفى بهم ابن رزيق في الفتح المبين من أعلام عمان العالم الفيلسوف ناصر بن جاعد بن خميس الخروصي (ت:1262هـ) حيث أثنى عليه ونقل طرفا من المراسلات الأدبية بينهما، وعَدَّد مؤلفاته، وذكر أنه نظم قصيدة في أسمائها.

وقد كان ابن أبي نبهان ممن خصهم ابن رزيق بديوان شعري في المديح، وهذا الديوان كأغلب آثار ابن رزيق الشعرية ما يزال مخطوطا، وقد قلّبنا قصائده من النسخة المحفوظة بمكتبة السيد محمد بن أحمد البوسعيدي، وهي بخط مالك بن حمْيَر بن سلطان بن بلعرب اليعربي، نسخها سنة 1251هـ لمن قيلت فيه الأشعار أي الفقيه العالم ناصر بن أبي نبهان الخروصي. ونرى أن ابن رزيق نظم قصائد الديوان أن جعل قوافيه على حروف الهجاء كاملة من الهمزة حتى الياء، وأول ما قاله من قافية الهمزة:

يا منزل اليمنية الغرباءِ ** حُيّيتَ بالأنوار والأنواءِ

وسَقتْكَ أخلاف الغيوم بديمةٍ ** تذر الثرى في بهجة وثراءِ

وإليكَ قد نسج الربيع مطارقا ** تعطى اللآلئ طرفة اللألاءِ

ولما كان ابن رزيق قد نظم على قوافي حروف الهجاء كلها، فإن بعض القوافي شواهدها قليلة في الشعر العربي أو قُلْ هي أقل بكثير عن غيرها، مثل قافية الثاء وقافية الخاء، وللشاعر في هذا الديوان ثائية من الطويل كأنما عارض فيها قصيدة أخرى لأبي بكر محمد بن الحسن بن دريد (ت:321هـ) مدح فيها رجلا اسمه عياذ بن عمرو الحارثي، يقول في مطلعها:

أَماطَت لِثاما عَن أَقاحِ الدَمائِثِ ** بِمِثلِ أَساريعِ الحُقوفِ العَثاعِثِ

وَنَصَّت عَنِ الغَصنِ الرَطيبِ سَوالِفًا ** يَشُبُّ سَناها لَونَ أَحوى جَثاجِثِ

وَلاثَت تُثَنّي مِرطَها دِعصَ رَملَةٍ ** سَقاها مُجاجُ الطَلِّ غِبَّ الدَثائِثِ

يقول ابن رزيق في أول ثائيته:

صِلي الذنَب الهَمّام يا أختَ حارثِ ** فإنك قد أغلقتِ باب البواعثِ

أما كل شهرٍ منكِ لي فيه مَطْلَةٌ ** يُمَوَّهُ فيها الوصل ليلة ثالثِ

مضى الدهر عن سخط لها إِثر سخطةٍ ** وإيلامِ هجرٍ بالجوانح عابثِ

إلى أن قال بعد أن تخلص إلى المديح:

كما قد عَلا فخرًا فتى الشم ناصر ** مُنى كلِّ هَمّامٍ شجيٍّ وحارثِ

خبعثر حربٍ يختشيه ويتقي ** طعان قناه كل ضيغم ضابثِ

أخِ المكرمات الطيبات التي أبت ** حديقتها ثاني ثمار الخبايثِ

نما مجده من صلته فهو وراثٌ ** ثنا وارثٍ بالمكرمات ووارثِ

وله من القوافي الصعبة خائية من الخفيف أولها:

مَبرَكُ الضيف ذا وهذا مناخُهْ ** فاخلع النعل فالوجوب انفساخُهْ

إن ربع الهجير ربعٌ شريفٌ ** أروج المور لا تحس سباخُهْ

كم به من أنيق روضٍ أريضٍ ** كوكب الماء والحيا نَضّاخُه

تتبارى أزهاره ببياضٍ ** واحمرارٍ لم تزْرِهِ أوشاخُهْ

إلى أن قال:

ناصر القرم خاذل الخصم فيما ** قط هيجاء بالدماء التطاخُه

شيخ أهل العلوم طرًّا وأشياخ ** علومه زاخرًا أشياخُهْ

ثم قال في آخرها:

يا ابن علّامة البرية طرًّا ** جاعدٍ ذي فخاره رنّاخُهْ

هاكَ من شاهق البلاغة شعرًا ** شامخًا ما ارتقى له شمّاخُهْ

مشعل نيقة سراجًا إذا جنّ ** بهميرٍ لم يُطْفِهِ نفّاخُهْ

كم فتى قائل إذا ما أتاه ** مَبرَك الضيف ذا وهذا مناخه

وهو هاهنا قد استعمل ما يُعرَف عند أهل البلاغة بـ «ردّ العجز على الصدر» حيث يكون آخر شطر في القصيدة تكرارًا لأول شطر منها.

ويقول أيضًا في ظائية من الخفيف:

يا فتى جاد المهذب يا نـــاصر غرمي يا شيخ أهل الحفاظِ

أنت غيث العفاة إن عَنَّ غيثٌ ** أنت للمعتدين حُمْرُ الشُّواظِ

بنداك انتوى العنا وزهى زهره ** المعالي كزهو زهر الغياظِ

واغتدى كل شِعرٍ حَسَن النظم ** يسوق الثنا لسوق عكاظِ

وثمة قصائد في الديوان نقل ابن رزيق شيئا منها في كتابه (الفتح المبين) ومنها لامية استشهد بها في معرض ترجمته لابن أبي نبهان، وأولها:

لكل علم نَيِّر رجالُ ** هيهات كيف يختفي الهلالُ

واللبق الجهبذة المفضالُ ** يأنف أن تقوى له أقوالُ

والجدُّ لا سلمه الجدالُ ** ولن ينال جاهه الجُهّالُ

وتتخلل الديوان مقدمات نثرية أدبية لبعض القصائد أخذ الشاعر في تحبيرها من فن المقامات، فهي مسجوعة فيها من بديع الألفاظ ورقيق المعاني. وفي قافية الميم قصائدُ خرجت عن موضوع الديوان إذ رثى ابن رزيق فيها والد ممدوحه، وهو الشيخ الرئيس أبو نبهان جاعد بن خميس الخروصي (ت:1237هـ)، ومن بدائعها ميمية أولها:

كسفت بالعيونِ شمس العلومِ ** خسف البدر في وجوه النجومِ

كُشِطت بالأسى سماء المعالي ** رجَّت الأرض دُكدِكت بالهمومِ

إلى أن قال:

جاعد العيلم الذي يقذف الألفاظ ** نثرًا كاللؤلؤ المنظومِ

يا لَرُزءٍ يَصْلى الأنام لظاه ** ويسقيهم بماءٍ حميمِ

وفي آخر الديوان رسائل سطرها ابن رزيق على فن المقامات وجهها إلى ممدوحه ابن أبي نبهان تلتها قصائد القوافي الأخيرة، ونجد أن ترتيب القوافي الأخيرة بعد النون جاء على هذا النحو: الواو، ثم الهاء، ثم اللام ألف (لا)، ثم الياء، إذ تقدم حرف الواو على الهاء كما هو ترتيب الحروف الأخيرة عند البعض، على نحو ما تعلمناه في القاعدة البغدادية مثلا.