No Image
ثقافة

ذو الغبراء وكتاب شفاء القلوب

05 أبريل 2024
05 أبريل 2024

في الجزء الثاني من كتاب (تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان) تردد نقل نور الدين السالمي من «سيرة ذي الغَبراء»، وترددت عبارة: «قال ذو الغَبراء»، فمن ذو الغبراء هذا؟ هو خميس بن راشد بن سعيد العبري (ت:1271هـ) فقيه وأديب من أهل القرن الثالث عشر الهجري، تتلمذ على عامر بن علي العبادي، وأخذ عن أبي نبهان جاعد بن خميس الخروصي، وابنه ناصر بن جاعد، وأخذ عنه ولده العلامة ماجد بن خميس العبري (ت:1346هـ). أما عن لقب «ذي الغبراء» فيقول العلامة إبراهيم بن سعيد العبري: «...الملقب نفسه بذي الغَبراء تواضعًا وقناعة، أو منتسبًا إلى عمان على أنها تسمى الغَبراء أو الغبيراء ». وأبرز أثر تركه ذو الغبراء كتاب مجموع سماه (شفاء القلوب من داء الكروب)، عَرَّف به العلامة العبري في (تبصرة المعتبرين) بقوله: «وقد جمع من مختاراته في الفقه والنحو والصرف والطب والفلك والسلوك والقصص والحكم والنوادر، ومن مختار الشعر والسِّيَر والتاريخ وغير ذلك، كتابا واسعا مفيدا... على نمط الكَشكول والمِخْلاة، ولكنه أوسع وأنفع منهما بكثير، وقد رتبه ترتيبا حسنا، وجعل له فهارس مفيدة للمطالع جدا، وقد استحسنه واستنسخه ثلاث مرات، فكانت كل نسخة أوسع مما قبلها، وصرف عليه دراهم كثيرة»، وهو هاهنا قد شبَّهه بكتابَي بهاء الدين محمد بن حسين العاملي (ت:1031هـ) (الكشكول) و(المخلاة)، وهما من كتب الأدب المرسلة، وقد جمعهما دون أبواب ولا فصول. ثم ذكر العبري في خبر الكتاب أن النسخة الأخيرة سُرِقت من المؤلف فحزن على ذهابها ثم استعان بأحد زعماء القبائل حتى أمكنه ردها إليه.

صدرت نشرة الكتاب عن مكتب المستشار الخاص لجلالة السلطان للشؤون الدينية والتاريخية (سابقًا) سنة 1431هـ/2010م بعناية د.سعيد بن عبدالله العبري، وقد ذكر في المقدمة أن النسخة التي اعتمد عليها نسخة ناقصة ولا تحتوي على بعض الأذكار وفقاً لترتيب المؤلف ومنها الثامن والخمسون والستون والثاني والستون والثالث والستون، كما أن بها نقصا في بعض الصفحات. ولعله ترتب على هذا النقص أننا لا نجد في المطبوع بعض ما نقله نور الدين السالمي في (تحفة الأعيان).

وثمة نسخة أخرى كُتِبت في حياة المؤلف سنة 1258هـ، وعليها إضافات وتصحيحات واستدراكات كثيرة بخطوط مختلفة، وفي أولها تقاريظ للكتاب، والتقريظ في الأدب العربي فن قديم اتجه في موضوع الكتب إلى الثناء على المؤلف وكتابه، وفي التراث العماني له حضور واسع أكدته الأمثلة الكثيرة على تقاريظ الكتب مع اختلاف شكلها النصي بين الشعر والنثر.

ولعل كتاب «شفاء القلوب» من بين أوفر الكتب العمانية حظًا من التقريظ، إذ نال نحو ثمانية تقاريظ شعرية أحدها لمؤلفه، والأخرى لبعض معاصريه وهم: راشد بن عمر بن راشد الغاوي الإزكوي، وناصر بن صالح العدوي البهلوي، وراشد بن سعيد بن أبي نبهان الخروصي، وعبدالله بن حميد بن راشد الغافري، وعلي بن ناصر بن محمد الريامي، ومحسن بن زهران بن محمد العبري، وحميد بن محمد بن رزيق النخلي، وهذا الأخير كتب تقريظه النثري بخطه في تلك النسخة.

قسم المؤلف كتابه إلى ما سماه أذكارًا محل (الأبواب)، لكنها في الغالب متعددة الموضوعات مختلفة الفنون، فهو ينتقل من الفقه إلى الأدب إلى الطب إلى الفلك وهكذا، ففي الذكر الأول مثلا: «مسائل في الشرع، وفيه تسلية القلوب وكشف الكروب، وفيه شيء من الفلك وشيء من الطب لاشتقاق الرجلين ودواء للقروح....»، وقد يختص الذكر بموضوع أو اثنين كما في الذكر العاشر «ذكر العالِم المتعفف، وجوابات الشيخ ناصر بن أبي نبهان للنصارى وهُنَّ سبع مسائل». وفي بعض الأذكار تناول المؤلف بعض الصنائع كما في الذكر السابع عشر: «...وقطع الحديد، وقلع الصبوغات من الثياب، وأدوية تهرب منها الهوام، وعمل المدادات...»، ولعل الطب والفلك من بين أكثر الفنون التي تعرض لها المؤلف، وهذا ينبئ عن اشتغال منه بهما، فهو ينقل عن غيره تارة وقد ينقل بعض مجرباته كذلك.

ولعل النصوص التاريخية من بين أكثر النصوص قيمة في الكتاب، فالمؤلف ينقل أخبارًا شاهدها أو حكايات سمعها أو نقلها عن غيره ثم غابت مصادرها الأصلية، وهو ما حدا بنور الدين السالمي إلى النقل عنه في كتابه. وثمة مخطوط في إحدى الخزائن الخاصة جُمِعت فيه بعض الحكايات من كتاب شفاء القلوب، ويرجّح أستاذنا الباحث سلطان بن مبارك الشيباني أن جامعها نورُ الدين السالمي، ولعل ذلك كان أيام تأليف كتاب تحفة الأعيان.