No Image
ثقافة

خيارات جائزة نوبل

03 أكتوبر 2023
بين ضفتين
03 أكتوبر 2023

غدا الخميس (الواحدة بعد الظهر بتوقيت السويد)، موعد إعلان جائزة نوبل للآداب. موعد سنوي ينتظره عديدون ممّن يهتمون بالكلمة، أكانوا من الكتّاب أم من القراء أم أيضا من دور النشر. لا يمكن إنكار ــ شئنا أم أبينا ــ ما لهذا الحدث الأدبي، الذي قد يكون الأول على مستوى العالم، من تأثير على جميع العاملين في هذا المجال. ومع ذلك كله، فمنذ أكثر من قرن وعقدين من الزمن، وردود الفعل تتراوح بين مؤيد شديد وبين معارض شرس. مائة واثنتان وعشرون سنة لم تسلم الأكاديمية الملكية السويدية، المخوّلة منح جوائز نوبل للآداب، من الانتقادات كما من «الفضائح» التي طالتها.

لنعد إلى التاريخ قليلا. في عام 1901، وُلدت جائزة نوبل للآداب، ومنذ السنة الأولى، حملت بصمة الجدل. إذ في تلك السنة كافأت اللجنة الملكية «إنسانية» الشاعر الفرنسي سولي برودوم (1831-1907) بينما كان الجميع ينتظرون، حتى داخل السويد نفسها، فوز الكاتب الروسي ليون تولستوي (1828-1910). من هنا، وحسب المؤرخين، فإن رسائل الاحتجاج «أمطرت» مكاتب الأكاديميين، المعترضة على هذا الاختيار. بمعنى آخر، نجد أن السمة الذاتية (غير الموضوعية) في هذا التمرين، تعرضت دائما للنقد، ما جعل الأعضاء الثمانية عشر يجدون أنفسهم في مشقة دائمة، للتوصل لمن ينبغي منحه هذه الجائزة، التي تحولت، كما أسلفنا، إلى أهمّ جائزة أدبية في العالم (بالرغم من جميع الأقاويل) كما أنها الأغلى ماديا (أكثر من مليون دولار أمريكي) فالأعضاء الثمانية عشر، هم من الكتّاب، ولكل واحد منهم نظرته الخاصة وقراءته الخاصة للأدب.

زد على ذلك كله، أننا نجد أيضا، أن منح جائزة نوبل لكتّاب أو لشعراء، كانت أعمالهم لا تزال (قبل الجائزة) أعمالا «حميمية»، لا تتمتع بشهرة جماهيرية، مثل البولندية فيتسوافا شيمبورسكا (1996، على الرغم من تفرد صوتها الشعري المدهش) قد أسهمت في زيادة الاحتجاج على الفكرة التي تقول: إن هناك هوة واسعة بين الجمهور العريض و«النخبة الأدبية». ومع ذلك ثمة مرات قليلة اتفق الجميع فيها على اسم واحد، كما حدث في عام 1982، حين منحت الجائزة إلى غابرييل غارسيا ماركيز (الكاتب الكولومبي)، الذي كان يحظى بشهرة كبيرة فوق هذا الكوكب بأسره، كما ماريو بارغاس يوسا (عام 2010 الذي لا يقل شهرة وجودة إنتاج أدبي عن زميله الأمريكي اللاتيني) ــ وبالطبع هناك غيرهما ــ أضف إلى ذلك، أن الأكاديميين اتهموا عدة مرات بأنهم يحاولون تمرير صداقاتهم الشخصية، أو مصالح دور النشر التي تصدر كتبهم. كذلك لا بدّ أن نضع في الخانة عينها، جائزة عام 1974، التي ذهبت مناصفة إلى كاتبين سويديين، وهما هاري مارتينسون وإيفيند جونسون. جائزة، أحاطتها الشبهات ممّا أفقدها، وللأبد، (أكنّا مخطئين في ذلك أم لم نكن) سمعتها التي كانت تحملها منذ عام 1786، أي وفقا لنمط الأكاديمية الفرنسية: «الدفاع عن الموهبة والذوق الجميل». وعلى مدى نصف قرن تقريبا (أي منذ 1974) لم تهدأ الانتقادات، حتى أن الأمين العام الأسبق لارس غيللنستين، حمّل مسؤولية انتحار مارتينسون، عام 1978، إلى النقد الأدبي السويدي.

في عام 2000 مثلا، صحيح أن الجائزة التي مُنحت إلى الكاتب الفرنسي / الصيني غاو زينيانغ، لم تجعل الحبر يسيل كما مع «قضية مارتينسون»، إلا أن الأمر لم يخلُ من المناوشات والسخرية المبررة وخاصة حين نعرف أن مترجم أعمال غاو إلى السويدية، هو غوران مالمكفيست، الذي كان أحد الأعضاء الثمانية عشر.

من هنا، وفي كثير من الأحيان، كانت اللجنة الملكية تبدو في «مأزق» في اختيار اسم الفائز، وما الدليل على ذلك إلا حين كانت يُؤجل إعلان الجائزة إلى الخميس الثاني من شهر أكتوبر (فاللوائح تنص على أن تعلن في أول نهار خميس من هذا الشهر). هذا المأزق، وهذه الفضائح، (إن جازت التسمية) وسمت العقود الأخيرة من «عصر نوبل»، ما جعل العديد من الأكاديميين يستقيلون، حتى أن عددهم أصبح 15 عضوا، إذ استقال ثلاثة منهم عام 1989، وذلك إثر رفض غالبية الأعضاء التنديد بالفتوى التي طالت سلمان رشدي. وحسب القانون الداخلي، فإن الأعضاء لا يبدلون إلا بعد مماتهم. وما حدث قبل سنوات قليلة خير دليل على ذلك، حين حُلّت اللجنة بأسرها، ولم تمنح الجائزة في عام 2018، نظرا للخلافات بين الأعضاء واتهامات الرشاوى، قبل أن يصار إلى تشكيل لجنة جديدة، لتحتجب الجائزة في هذا العام، وتُمنح في العام التالي (2019) لكلّ من النمساوي بيتر هندكة، والبولندية أولغا توكارتشوك... (ليس عن طريق المناصفة، بل إن الكاتبة البولندية فازت بها عن عام 2018).

ثمة مرشحون كثر للفوز بجائزة هذا العام وفق وكالات الإعلام ومكاتب الترشيحات. ولكنها بالطبع، ترشيحات خاصة، لا علاقة للأكاديمية السويدية بها. من هذه الأسماء سلمان رشدي نغوجي واثيونغو، بيير ميشون، روبرت كوفر، هاروكي موراكامي، آن كارسون، هيلين سيكسوس، جامايكا كينكيد، جون فوس، ليودميلا أوليتسكايا، مارجريت أتوود، ماريز كوندي، ميرسيا كارتارسكو، بيتر ناداس، كورماك مكارثي، ومن الأسماء العربية الكاتب الصومالي نور الدين فارح، والمستغرب أن اسم أدونيس لم يُذكر مثلما جرت العادة في السنين الأخيرة... وغيرهم كثر.

للوهلة الأولى تبدو هذه الترشيحات غربية بعض الشيء، إذ ينبغي بالطبع إقصاء أسماء الفرنسيين، فمن الصعب أن يحصل عليها كاتبان فرنسيان في عامين متتاليين (آني إرنو العام الماضي)، إلا إذا رغبت اللجنة الملكية السويدية في إثارة الدهشة والتعجب والجدال. حظ الشعراء يبدو متعثرا فمنذ توماس ترانسترومر (2011) لم نجد شاعرا يخلفه، فبوب ديلان، بالنتيجة هو مغن وإن كان يكتب كلمات أغانيه. والسؤال: هل تكمل السويد «جنونها» (بعد أحداث حرق المصحف الشريف) وتمنحها لسلمان رشدي؟ ما سوف يثير بالطبع حنق كثيرين. أو أنها ترغب في إثارة حنق الروس وبوتين لتعطيها للكاتبة الروسية ليودميلا أوليتسكايا التي تعيش متنقلة بين موسكو و«إسرائيل». قبل سنوات، وبعد حرب شبه جزيرة القرم (2014) منحت الجائزة للكاتبة الروسية البيضاء المعروفة بعدائها للنظام الروسي، سفيلتانا أليكسييفتش (2015) وقد أثار ذلك موجات من الاستنكار الشديد، لذا ما المانع من موجات جديدة، بعد دخول السويد إلى حلف الناتو؟

في أي حال، كل ما تقدم، ليس سوى تحليلات وتكهنات. ويبقى السؤال: لمن ستذهب الجائزة هذه السنة، التي ستعلن غدًا؟ علينا الانتظار، فكالعادة، قد لا يكون أي شخص من هؤلاء الذين وردت أسماؤهم، بل شخص قد لا يبدو مألوفا بالنسبة إلينا.