No Image
ثقافة

الخليلي.. أمير البيان العماني

08 أبريل 2024
رواد الأدب العماني
08 أبريل 2024

عبدالله بن علي بن عبدالله بن سعيد بن خلفان الخليلي، ينتمي إلى ثلاثة وعشرين إماما من عشيرته منهم أربعة من خاصة بيته آل الخليل، ولد في ولاية سمائل بوسط سلطنة عمان في منطقة العلاية في بيت (السبيحة) في السابع من محرم من عام 1340ــ أو 1341ــ عام 1922م، وأمضى معظم أيام صباه في سمائل وكذلك أيام شبابه، تتلمذ على يد مدرسه زاهر بن مسعود الرحبي في علوم القرآن، ودرس علوم العربية والإعراب على يد أساتذته حمد بن عبيد السليمي وحمدان بن خميس اليوسفي وسالم بن حمود السيابي، اكتسب ثقافته من القرآن الكريم ودواوين شعر العرب وأعجب كثيرا بشعر المتنبي والبحتري وجرير والفرزدق وشوقي وحافظ والباروني وأبي القاسم الشابي ونزار قباني والرصافي وأبي مسلم البهلاني العماني.

يقول محمد الحضرمي: «عبدالله بن علي الخليلي هو من تلك السلالة الشعرية الكبيرة في سلطنة عمان والوطن العربي، التي حفظت للشعر مجده ورصانته وتاريخه، من أبي مسلم البهلاني الرواحي، عمانيا وحتى بدوي الجبل والجواهري عربيا،...وإذا قلنا: إن عبدالله الخليلي هو شيخ القصيدة العمانية خلال النصف الأخير من القرن العشرين فليس في ذلك مبالغة ولا إطراء، فقصيدته جامعة للكثير من اللطائف البلاغية بمعانيها وبيانها، إلى جانب ما تمتاز به من انفراد لغوي، إذ فيها خليط سحري من الإلهام المقذوف في لب الشاعر والاستلهام الذي يوظفه ليوشي به قصيدته، عشق يتجلى في لغة ناصعة ليس فيها حشو ولا مفردات ركيكة».

نلمح في أدب الخليلي نثره وشعره وأفكاره وآراءه ونظراته للحياة والوجود والمجتمع والإنسان والكون ونتحرى في إطار هذا الأدب مفردات فلسفته الأخلاقية الداعية إلى الخير ونبذ الشر، والحاض على المروءة والشهامة والتمسك بأهداف الدين الإسلامي الحنيف وحب الوطن والسعي لتجاوز الواقع الراهن إلى واقع أفضل، بالصدق والعلم والجد والعمل.

يمتاز شاعرنا بجزالة الألفاظ وعمق المعاني وتدفق العاطفة الجياشة من شعره تدفقا يحس معه القارئ لأشعاره أنه أقرب إلى الفلاسفة والحكماء وذلك حين يتحدث في أغراض كالفخر والحماسة والتصوف والحكمة، بينما تظهر عذوبة ألفاظه في أشعار الوصف والغزل التي تشبه حديقة غناء:

بين الرياض وبين الروح والنغم

حق الأبوة في موصولة الرحم

وبين مضجعِ من أهوى ومنبره

روض من الخلد لم يورق ولم يقم

روض من الخلد من يعلق بدوحته

يعلق بطوبى ومن يعلق بها يهم

وقد تطرق شاعرنا الكبير أمير البيان عبدالله بن علي الخليلي إلى أكثر الأغراض الشعرية ومن أهمها الشعر الديني والغزلي والوطني والوصفي والتاريخي والقصصي والرثاء والإخوانيات.

فالشيخ الخليلي كتب في أغلب مجالات الشعر الديني من سلوكيات وتصوف ومن المديح النبوي، وله ديوان شعر أسماه بين الفقه والأدب يختص بالمسائل الدينية واللغوية وهو سؤال وجواب بينه وبين مجموعة من علماء عمان. أما الشعر الوطني عند الخليلي فاتخذ ثلاثة محاور فهناك العماني وهناك العربي وهناك الإسلامي، وهذا نابع من إيمانه بوحدة الأمة ووحدة المصير والتاريخ والدين واللغة والعادات والتقاليد، فنجد في شعر الخليلي إفصاحه بقضية العرب الكبرى فلسطين ونراه تارة أخرى يذكر مصر وثالثة الجزائر، يقول عن عمان:

هزت كياني وما أدراك ما الحالُ

وأرقتني ولمّا يهدأ البال

وجاذبتني عناني وهي صامدة

والحاديات إلى الغابات آمال

وسابقت خطوات الدهر صاعدة

حتى تسامت وكل الكون إقبال

وحاذت الركب في زحف التقدم عن

وعي وشاهد نص القول أفعال

أما الشعر التاريخي فمنه ما جاء في ديوانه وحي العبقرية بعنوان عمان في سجل الدهر ذكر فيها أحوال عمان التاريخية منذ عصر الجاهلية إلى العصر الزاهر للسلطان قابوس بن سعيد وهي ملحمة تاريخية مطلعها:

قف على العالم حول الواقفين

وتأمله بعين المبصرين

وتدبر في مرائيه ترى

قدرة البارئ خير الخالقين

إلى إن وصل إلى حكم السلطان قابوس بن سعيد:

واستوى قابوس في الحكم على

عدة والنصر للفتح المبين

ومضى يجمع ما شتته

ذلك الحكم على مر السنين

كما أغرم الخليلي في الشعر الأندلسي بالموشحات فنظم أحد عشر موشحا، ومن نماذج موشحات شاعرنا الخليلي موشح بعنوان (طائر الجمال) يقول في مقطعه الأول

يا طائر الجمال

على قدود السمر

رفرف على الدلال

فوق الغصون الخضر

تحت الهواء الطلق

ويقول في مقطعه الأخير:

في قبلة المشتاق

على الشفاء الحمر

في ضمة الأشواق

بين الطلى والسحر

تحت خنوع الرق

أما الوصف، فالخليلي يرسم فيه لوحات، تكاد أن تتحرك بك، تأمل كيف يصف تلك الخميلة السمائلية حين قال عنها:

وخميلة حاك الربيع بساطها

خضرا ونمنمها بزهر كاس

من أحمر مثل العقيق وأصفر

ومورد زاهٍ كوجنة حاس

غناء باكرها الحياء فأتاحها

ثغر ونرجسها ذوات نعاس

والياسمين على البنفسج طافح

والورد جوري على منعاس

والآس من تحت النسيم كأنه

مرح المليح بقده المياس

وكأنما النسرين في باقاته

أقراط غانية على مقباس

وكأنما الرمان أثداء المها

والكرم يلحفه بليل عاس

أما قصائد الرثاء، فهو كعادة الشعراء الكلاسيكيين المتأثرين بالقديم من الأدب العربي، يمزجون بين التفجّع والتأبين والعزاء بالحكم الخالدة، ومن قصائد الرثاء قصيدة (النفس البريئة) قالها في رثاء طفل توفي بسبب حادث سيارة:

الدهر يحسن مرة ويسيء

والحال تصلح بالفتى وتسوء

وأرى الرجال ثلاثة فمهذب

صافي الفرِند فجيد فرديء

ما لليالي لا تنام شرورها

والكائنات قلاقل وهدوء

والناس أفواجا إلى غاياتهم

ما يمض من فوج فليس يفيء

والحزن ليس بدافع متوقعا

والحزن منه محسن ومسيء

أسليل أحمد صالح استكف القضا

شر القضاء وما لديه يجيء

لا تجزعن لدى مصاب إنما

جزع الفتى مهما أصيب وبيء

فلتلك نفس لا تزال بريئة

فاضت ورضوان الإله مضيء

«وفي مجموعة «فارس الضاد» توجد قصائد قصصية كثيرة، بعضها يحتل أكثر من عشرين صفحة متتالية، مثل قصة «الملك ووزيراه» والتي تتعدد فيها الشخصيات بين الملك والوزير الكبير والوزير الصغير، وزوجة الملك الأولى وزوجة الملك الثانية، إلى جانب شخصيات ثانوية تتناثر هنا وهناك مثل «بائع الحكمة» وخدم القصر، ووالد الزوجة الثانية، وأفراد من قبيلته، ويدور فيها الحوار الشعري ساعيا لتشكيل قصة لها عقدة وتبحث عن حل، وفيها جوانب مشوقة، وجوانب غامضة تنجلي شيئا فشيئا، ومن نماذج حواراتها بين الوزير والشيخ «بائع الحكمة»:

الشيخ:

أنا شيخ ولي تجارة مثلى

فادن مني لمتجر الحكماء

الوزير:

أي شيء تبيع، قل لي، فاني

لا أرى قط ما يراه الرائي

الشيخ:

أنا في متجري أبيع كلاما

جملا أحكمت به إحكاما

جمل حشوها سلامة عقبا

ك وإن أنت لم تعرها اهتماما

قيمة الجملة الفريدة ألف

من نقود البلاد فابتع كلاما

وإلى جانب هذا النمط من القصص الشعرية الحوارية توجد القصة الشعرية السردية وبعضها يشكل حكايات واقعية معاصرة، مثل قصة «سراب بقيعة» وبعضها الآخر يستمد مادته من أعماق التاريخ ومن التراث الديني مثل قصة «المسيح والخائن»، أو التراث العربي قبل الإسلام مثل قصة «هند والكاهن»، وأحيانا تختار القصة السردية وضع عناوين داخلية تتغير معها القافية ولكن يظل المتحدث الراوي هو الشاعر كما حدث في قصة «أخت الزليخا» التي تمتد نحو مائتي بيت تتخللها عناوين مثل: «خطاب في السر، الأب يوصي بولديه خالهما». ولا تتوقف أنماط الشعر الدرامي في هذه المجموعة على ما يمكن أن يسمى بالقصة الشعرية، سواء منها الحوارية أو السردية وإنما تمتد إلى أنماط أخرى يقترح الخليلي منها نمطا يسميه «الصورة الشعرية» التي تشتمل على مشاهد متعددة، كما حدث في قصة «جذيمة والأحداث» التي قدم لها الشاعر بقوله: «صورة شعرية تشتمل على عشرين مشهدا في عصر ما قبل الإسلام» ويمهد لها الشاعر بمقطوعتين قصيرتين، تحمل الأولى عنوان «تقديم» والثانية عنوان «توطئة»، ثم تتوالى المشاهد، المشهد الأول، المشهد الثاني... إلخ، ويحتفظ الشاعر فيها بدور الراوي مع مزج بين الطريقة الحوارية والطريقة السردية، ولعل هذا هو ما دفع الشاعر لأن يطلق عليها صورا ومشاهد تصل أبياتها إلى نحو مائة وثلاثين بيتا من بحر الخفيف.

ترك الخليلي أيضا مساهمات نثرية تضم بين دفتيها المقامات، والمذكرات المكتوبة التي تتحدث عن جانب من حياته، ثم القصص القصيرة وهناك بعض المحاولات المسرحية وإن غلب عليها الطابع الشعري ولكنها تعتبر فنا نثريا، وقد صدرت عام 2018 الموسوعة الشعرية لأمير البيان في تسعة مجلدات، مضافا إليها بعض شعر آبائه.

توفي الشاعر الشيخ عبدالله بن علي الخليلي 2000م.