موت بلا إسعاف في غزة .. وإستنزاف مستمرفي الضفة الغربية
غزة- «عُمان»: بهاء طباسي: تتواصل التطورات العسكرية والميدانية في قطاع غزة بوتيرة متصاعدة، في ظل إطلاق نار كثيف من البحر والجو، وتوغّل أدوات الاستطلاع في الأجواء، بالتوازي مع تدهور حاد في الأوضاع الصحية والإنسانية، وسط تحذيرات أممية من ارتفاع أعداد الضحايا غير المباشرين للحرب، خصوصًا المرضى الذين يُحرمون من الإجلاء والعلاج.
في جنوب القطاع، تصاعدت وتيرة القصف الجوي والمدفعي، وتركّزت الاستهدافات في المناطق الشرقية من خان يونس، فيما امتد إطلاق النار البحري ليطال الصيادين قبالة شواطئ رفح وخان يونس، مخلّفًا حالة من الذعر وشللًا شبه كامل في النشاط البحري، أحد آخر مصادر الرزق المتبقية للسكان.
في الوسط، سُجّلت تحركات مكثفة لطائرات الاستطلاع، مع إطلاق نار شرقي دير البلح، في وقت تتزايد فيه مخاطر مخلفات الحرب داخل الأحياء السكنية، بعدما تحوّلت الأجسام غير المنفجرة إلى تهديد يومي يحصد أرواح الأطفال ويخلّف إصابات وحرائق داخل المنازل.
وبالتوازي مع غزة، شهدت الضفة الغربية والقدس المحتلة تصعيدًا واسعًا، تمثّل في اقتحامات واعتقالات واعتداءات للمستوطنين، إلى جانب خطوات تخطيطية جديدة تستهدف توسيع الاستيطان وفصل القدس عن محيطها الجغرافي، وسط قيود مشددة طالت المصلين في المسجد الأقصى.
شهداء بلا إنقاذ
أفادت مصادر محلية بإطلاق نار مكثف من الزوارق الحربية الإسرائيلية في عرض بحر خان يونس، بالتزامن مع إطلاق نار مماثل استهدف مراكب الصيادين قبالة سواحل رفح، ما أجبرهم على مغادرة البحر خشية الاستهداف، في وقت يعاني فيه الصيادون من تضييق خانق طال مصدر رزقهم الوحيد.
وفي البر، شنّت الطائرات الحربية غارات جوية تزامنت مع قصف مدفعي عنيف استهدف مناطق بلدة بني سهيلا شرقي مدينة خان يونس، وأسفرت الغارات، خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، عن ارتقاء خمسة شهداء، بينهم سيّدة وطفل، بعد استهداف مواطنين في المنطقة، حيث لم تتمكن الطواقم من انتشال جثامينهم حتى الآن بسبب خطورة المكان واستمرار القصف.
وأشارت المصادر لـ«عُمان» إلى أن التنسيق جارٍ مع طواقم الدفاع المدني وبرفقة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في محاولة للوصول إلى الموقع وانتشال جثامين الشهداء خلال الساعات المقبلة، وسط مخاوف من تجدّد الاستهداف.
رصد واستطلاع
في وسط القطاع، أفادت مصادر ميدانية بإطلاق نار من آليات حربية شرقي دير البلح في منطقة أبو ميري، أعقبه تحليق منخفض لطائرة استطلاع، قبل أن تُسجّل عودة التحليق لطائرة استطلاع من طراز «سوبر هيرون» في أجواء المدينة، في مشهد يعكس استمرار الرقابة الجوية المكثفة على مناطق النزوح والتجمعات السكانية.
ويؤكد سكان المنطقة لـ«عُمان» أن أصوات الطائرات لا تغادر السماء، وأن التحليق المتواصل بات عنصر ضغط نفسي دائم، لا يقل قسوة عن القصف نفسه، في ظل انعدام الإحساس بالأمان حتى في المناطق المصنفة سابقًا كـ«أكثر هدوءًا».
مأساة النصيرات
في تطور ميداني آخر داخل القطاع، استشهد طفل يبلغ من العمر ستة أعوام، وأُصيب شقيقه بجروح متوسطة، جراء انفجار جسم من مخلفات الاحتلال داخل منزل سكني يعود لعائلة «الصوري» في شارع «الجعوني» بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة.
وأوضح الدفاع المدني في غزة أن الطفل استشهد نتيجة انفجار جسم مشبوه من مخلفات الاحتلال داخل المنزل، فيما جرى نقل جثمان الشهيد الطفل أحمد عبد الله محمود الصوري إلى مستشفى الأقصى في مدينة دير البلح، وسط حالة من الصدمة والحزن التي خيّمت على المخيم.
يقول عبد الله الصوري، والد الطفل الشهيد، إن «الموت دخل بيتنا دون سابق إنذار»، موضحًا أن أطفاله كانوا يلهون داخل المنزل حين دوّى الانفجار. ويضيف بأسى: «لم نكن نعلم أن هذا الجسم القاتل مختبئ بين جدران بيتنا، تركوه لنا بعد القصف ورحلوا».
ويتابع الصوري خلال حديثه لـ«عُمان» أن ابنه أحمد استُشهد أثناء اللعب، «لم يكن جنديًا ولا يشكّل خطرًا على أحد»، مشيرًا إلى أن المخيم بات مليئًا بالمخاطر الصامتة، حيث «يموت الأطفال بلا ذنب، فقط لأن الحرب خلّفت وراءها موتًا مؤجلًا».
متفجرات وتقاعس
حذّرت المديرية العامة للدفاع المدني في قطاع غزة، في بيان صادر الخميس 18 ديسمبر 2025، من تصاعد حوادث انفجار مخلفات الاحتلال، بعد تسجيل ثلاث حوادث في مناطق متفرقة من القطاع خلال يوم واحد، أسفر أحدها عن استشهاد طفل، إضافة إلى نشوب حرائق وأضرار مادية في المنازل.
وأكّد الدفاع المدني تحمّله المنظمات الدولية العاملة في قطاع غزة، والاحتلال الإسرائيلي، والمركز التنسيقي الأمريكي، المسؤولية الكاملة عن حياة السكان الذين يفقدون أرواحهم نتيجة انفجار هذه المخلفات، مشيرًا إلى أن الجهة المختصة عقدت لقاءات عديدة مع ممثلي المؤسسات الدولية للعمل ضمن خطة منهجية مشتركة، «لكننا نواجه تسويفًا وتأجيلًا غير مبرر».
وأوضح أن عدم تحرك هذه المؤسسات، ولا سيما اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومكتب الأمم المتحدة المعني بمخلفات الذخائر، يثير علامات استفهام حول دورها، ويُعد مخالفة واضحة لاتفاقيات جنيف والقوانين الدولية.
موت بلا إجلاء
على الصعيد الصحي، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن أكثر من ألف مريض توفوا وهم ينتظرون الإجلاء الطبي من قطاع غزة منذ يوليو 2024. وقال المدير العام للمنظمة، تيدروس أدهانوم غيبرييسوس، عبر منصة «إكس»، إن «1092 مريضًا توفوا وهم ينتظرون الإجلاء الطبي بين يوليو 2024 ونوفمبر 2025»، مرجّحًا أن يكون العدد الفعلي أعلى.
تقول الحاجة أم جهاد، وهي مريضة سرطان في الخمسينيات من عمرها، إن المرض «ينهش جسدي ببطء»، بينما تقف عاجزة أمام قرار الإجلاء الذي لم يصل. تضيف لـ«عُمان»: «أملك تقارير طبية، وأملك ألمًا لا يوصف مع التحويلة الطبية، لكن حتى الآن لم يُصرح لي بالخروج».
وتتابع بصوت متهدّج: «أشعر أنني أموت مرتين؛ مرة بالمرض، ومرة بالانتظار. كل يوم يمرّ دون علاج هو حكم جديد بالإعدام، لكن العالم يكتفي بالأرقام».
حصار الإغاثة
ووفق ما نشرته وكالة رويترز، تواجه العمليات الإنسانية في الأراضي الفلسطينية، خصوصًا في قطاع غزة، مخاطر متزايدة تهدد استمراريتها، في ظل قيود تنظيمية وإدارية تصفها الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة بأنها «تعسفية ومسيسة للغاية».
وتحذّر هذه الجهات من أن استمرار العراقيل قد يؤدي إلى انهيار واسع في قدرة المنظمات الإنسانية على تقديم الخدمات الأساسية، في وقت يعتمد فيه ملايين الفلسطينيين على المساعدات للبقاء على قيد الحياة، مشيرة إلى أن عشرات المنظمات الدولية مهددة بإلغاء تسجيلها بحلول نهاية ديسمبر، ما سيجبرها على إغلاق عملياتها خلال 60 يومًا.
وبحسب بيان مشترك، فإن هذه المنظمات تشغّل أو تدعم غالبية المستشفيات الميدانية ومراكز الرعاية الصحية، وتوفّر المأوى والمياه والتغذية العلاجية للأطفال، إضافة إلى أنشطة إزالة الألغام، في وقت تتكدس فيه إمدادات إنسانية بملايين الدولارات خارج القطاع دون السماح بإدخالها.
اقتحامات متزامنة
في الضفة الغربية، شهدت مدن وبلدات عدة، الليلة الماضية وفجر الجمعة 19 ديسمبر 2025، تصعيدًا واسعًا تمثّل في اقتحامات ومداهمات واعتقالات. ففي الخليل، اقتحمت قوات الاحتلال مدينة دورا وبلدة سعير وحارة أبو سنينة، واعتقلت الشاب محمد أبو تركي، إضافة إلى اعتقال مسن فلسطيني في المنطقة الجنوبية.
وامتدت الاقتحامات إلى رام الله ونابلس، حيث داهمت القوات دوار المنارة وقرية شبتين وبلدة سلواد، واعتقلت الشاب محمد حامد، كما اقتحمت مدينة نابلس من حاجز بيت فوريك، وقرى سالم ومادما، إلى جانب بلدة عنزا جنوب جنين.
وتزامن ذلك مع اعتداءات للمستوطنين، شملت رشق مركبات الفلسطينيين بالحجارة قرب دوار قدوميم شرق قلقيلية، ودهس شاب فلسطيني في شارع عمان شرق نابلس، إضافة إلى وضع بوابة حديدية في وادي كفر نعمة غرب رام الله، في خطوة تهدف إلى تقييد حركة المواطنين والسيطرة على الأراضي.
توسع استيطاني
أعلنت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان أن سلطات الاحتلال نشرت مخططًا جديدًا لتعديل حدود ما يسمى «الخط الأزرق» لبؤرة «مشمار يهودا» جنوب شرق القدس، في خطوة تشير إلى نية إقامة مستوطنة كبيرة تضم آلاف الوحدات الاستيطانية.
وأوضح البيان أن المخطط يعمّق فصل مدينة القدس عن محافظات جنوب الضفة الغربية، عبر ربط المستوطنة الجديدة بخط مستوطنات «معاليه أدوميم – كيدار»، ما يهدد التواصل الجغرافي الفلسطيني ويكرّس الوقائع الاستيطانية على الأرض.
الأقصى المحاصر
أدّى نحو خمسين ألف فلسطيني صلاة الجمعة في المسجد الأقصى المبارك، رغم القيود المشددة والإجراءات العسكرية التي فرضتها قوات الاحتلال، والتي شملت نصب حواجز في البلدة القديمة، خصوصًا عند بابي الأسباط والعامود، وتدقيق الهويات واحتجاز عدد من المصلين، وفقًا لدائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس.
وفي هذا السياق، منعت قوات الاحتلال المقدسي محمد أبو الحمص من دخول المسجد وأداء الصلاة.
يقول أبو الحمص إن منعه من الصلاة «ليس إجراءً أمنيًا، بل عقاب جماعي»، مضيفًا لـ«عُمان»: «الأقصى ليس مجرد مكان عبادة، بل هو جزء من هويتنا، ومنعنا منه محاولة لكسر إرادتنا».
ويؤكد أن التضييق المتكرر «يزرع الغضب ولا يزرع الأمن»، مشددًا على أن المقدسيين سيواصلون التمسك بحقهم في الصلاة والوصول إلى المسجد، مهما اشتدت القيود.
