يجب أن تنتهي هذه الحرب المروعة
01 أكتوبر 2025
هيئة تحرير نيويورك تايمز
01 أكتوبر 2025
ترجمة: أحمد شافعي
لا بد أن تنتهي حرب غزة التي تقترب الآن من إتمام عامها الثاني.
يجب أن تنتهي الحرب من أجل أهل غزة الذين قتل منهم أكثر من ستين ألف شخصا ـ أي قرابة 3% من الشعب. ومن الضحايا أسر كاملة وآلاف الأطفال. وأحياء بأكملها لم يبق منها إلا ركام. وأغلب أهل غزة مشردون من بيوتهم. والتجويع والمرض يهيمنان على القطاع.
يجب أن تنتهي الحرب من أجل خمسين رهينة إسرائيلية لا تزال حماس تحتجزهم في غزة. والباقون منهم على قيد الحياة محتجزون في أوضاع قاسية، وهم في الغالب تحت الأرض، ولا يجدون كفايتهم من الطعام. وهم في الأسر منذ أكثر من سبعمائة يوم، منذ هجوم السابع من أكتوبر سنة 2023 الذي أودى بحياة ألف ومئتين من الإسرائيليين وغيرهم.
ويجب أن تنتهي الحرب من أجل إسرائيل وأمنها. فالأهوال التي ألحقتها بغزة أسهمت في تراجع كبير في تأييد إسرائيل داخل الولايات المتحدة وغيرها. وأي مكتسبات عسكرية أخرى في مواجهة حماس تتضاءل بالمقارنة مع التهديدات الاستراتيجية بعيدة المدى من جراء العزلة العالمية.
فكيف يمكن إنهاء هذه الحرب الرهيبة في نهاية المطاف؟ يظهر أن أوضح إجابات هذا السؤال هي أبعدها احتمالا. يمكن أن يطلق قادة حماس سراح الرهائن، ويعترفوا بالهزيمة في الحرب التي بدأوها، ويجعلوا الأولوية لسلامة أهل غزة الذين تزعم حماس أنها تمثلهم. ويمكن أن يتوقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن التودد إلى أعضاء حكومته اليمينيين ويعترف بدلا من ذلك بتكاليف استمرار الحرب على إسرائيل ومصالحها الوطنية، وكذلك على جنودها المنهكين، واحتياطيها، وأسرهم.
وفي غياب هذه الإشراقات، سوف تقع المهمة على كاهل بقية العالم، وبخاصة الولايات المتحدة فهي أهم حليف لإسرائيل وعلى بلاد العالم العربي التي تعرب عن تضامنها مع الشعب الفلسطيني.
وخطة السلام التي كشف الرئيس ترامب النقاب عنها يوم الاثنين خطة واعدة. تحتوي الخطة المألوف من الكلمات (من قبيل «مجلس السلام» الذي سيرأسه ويقوده الرئيس دونالد ترامب). غير أنها تحتوي أيضا أعمدة أساسية لوقف عادل لإطلاق النار، ومن ذلك إنهاء الهجمات العسكرية، وعودة جميع الرهائن وتحرير غزة من الاحتلال الإسرائيلي ومن حكم حماس. ويجدر بالذكر أن حكومات مصر والأردن وقطر والمملكة العربية السعودية وتركيا والإمارات العربية المتحدة قد أشادت بالخطة.
وتبقى عقبات قائمة في طريق السلام، وهذا ما جرت عليه عادة الشرق الأوسط. فسينبغي أن يظهر الرئيس ترامب من المتابعة أكثر مما درج عليه. وسينبغي أن تقبل حماس الخطة أو ما يشابهها. وسينبغي أن يواجه نتنياهو المتطرفين في حكومته، ومنهم من انتقد الخطة. وهذا كله ممكن إذا ما طالبت به إدارة ترامب والحكومات العربية الكبرى. ولكليهما نفوذ أكبر مما استعمله حتى الآن، ولكليهما أسباب وجيهة للإصرار على إنهاء الحرب.
فبالنسبة للرئيس ترامب لا يزال استمرار الحرب إشارة قائمة على الضعف. إذ زعم أنه قادر على إنهائها وفشل في ذلك. وبرغم قيامه على بلد أكبر وأقوى كثيرا، فإن الرئيس ترامب يبدو في أكثر الأحيان مذعنا لرئيس الوزراء الإسرائيلي. فبات النمط مألوفا الآن: يثني نتنياهو على ترامب ثناء مغالى فيه، فيفعل الرئيس ترامب له ما يريده.
ولقد قال دانيال كورتزر سفير الولايات المتحدة في إسرائيل لأربع سنوات في ظل إدارة الرئيس جورج دبليو بوش إن «ترامب في وضع أفضل ممن عداه لإنهاء هذه الحرب، لكن عليه أن يتجاوز التصريحات العلنية». وينبغي عليه في المقام الأكبر أن يرغم نتنياهو على القبول بأن إسرائيل لا بد أن تخرج من غزة سريعا وأن الفلسطينيين لا بد أن يديروها في نهاية المطاف. ولردح طويل من الزمن قبل نشوب هذه الحرب، كان نتنياهو معاديا للحكم الذاتي الفلسطيني. وتلمح خطة البيت الأبيض الجديدة إلى ذلك بعبارات مبهمة. وفي نهاية المطاف، قد يكون على الرئيس ترامب أن يهدد نتنياهو بعواقب لذلك. وقد يعمد الرئيس بهدوء في بداية الأمر إلى أن يوضح أن صبر الولايات المتحدة ينفد وأنها سوف تحد عما قريب من المساعدات العسكرية الأمريكية ما لم تتوقف الحرب ويقبل نتنياهو بحكم فلسطيني في المستقبل.
بالإصرار على ذلك، يمكن للرئيس ترامب أن يوضح أنه صديق لإسرائيل، يحاول إنقاذها من أخطاء تضر بها نفسها. ويمكن أن يذكّر قادة إسرائيل بالانتصارات العسكرية المذهلة التي حققوها أو أسهموا في تحقيقها منذ 2023: ومنها ما حصل لحماس، وإضعاف حزب الله، وإضعاف إيران، وانهيار النظام السوري. نعم، لا يزال لحماس في غزة مقاتلون نشطون وأسلحة، وقد يقلل استمرار غزو إسرائيل لمدينة غزة في تقليل هذه الأعداد.
لكن محو الجماعة يبدو أقرب إلى خرافة. بل إن بعض مسؤولي الأمن والجيش في إسرائيل عارضوا غزو مدينة غزة إذ رأوا أن التكاليف أكبر من الفوائد. وحماس منظمة لها جذور تمتد إلى سبعة وتسعين عاما في جماعة الإخوان المسلمين. وهذه الجماعات نادرا ما يمكن القضاء عليها.
ونجاحات إسرائيل العسكرية في مواجة حماس منذ 2023 تعني أن الجماعة فقدت القدرة على القيام بعملية كبيرة. فقد تعرض للقتل أكثر من عشرة آلاف من مقاتلي حماس والكثير من قادتها. وبعد أن تنتهي الحرب، سوف تستطيع إسرائيل أن تراقب حماس وتضربها إذا ما لزم الأمر.
وثمة سؤال أصعب ضمن أسئلة ما بعد الحرب، ويتعلق بمن سيحكم غزة. ثمة دعوات مثيرة للغضب تأتي من اليمينيين المتطرفين في ائتلاف نتنياهو مطالبة بضم غزة، وهؤلاء يفضلون طرد قرابة مليوني من الفلسطينين، وهو ما يتطابق مع أي تعريف منطقي للتطهير العرقي. وأيضا لا يجب أن يكون لحماس أي دور في الحكم، وذلك في ضوء سجلها العنيف، وعجزها الاقتصادي، وقمعها الاستبدادي. وتبدو السلطة الفلسطينية ـ التي سبق أن حكمت غزة ـ أقل شعبية من القيام بالوظيفة دونما إجراء إصلاحات كبيرة.
وتتحمل حماس ونتنياهو أغلب اللوم على استمرار الحرب، ولكن التخوف مما سيحدث لاحقا يمثل قضية شائكة من الطبيعي أن تعقِّد أي خطة للسلام.
بوسع بعض الحكومات العربية أن تسهم في ملء هذا الفراغ. يزعم قادتها على مدى سنين أنهم متضامنون مع القضية الفلسطينية في حين أنهم لا يفعلون شيئا يذكر من أجلها. وهم يعلون أولوية استقرارهم في المدى القريب على إصلاحات الحكم اللازمة لبناء دولة قادرة. وقد فشلوا في تكوين سياسيين معتدلين قادرين على اكتساب الشرعية لدى الفلسطينيين وتمثيل مصالحهم على المسرح الدولي.
في الأشهر الأخيرة، أبدت حكومات عربية إشارات إلى القيام بدور أكثر إيجابية. ففي هذا الصيف، وقع قادة جميع أعضاء الجامعة العربية الاثنين والعشرين إعلانا يدين هجمة السابع من أكتوبر للمرة الأولى. ودعا البيان إلى إطلاق سراح جميع الرهائن، ونزع سلاح حماس وحظرها من حكم غزة في المستقبل. وقال الموقعون على البيان إنه لا بد أن يحل محلها «بعثة استقرار دولية مؤقتة» تدعوها السلطة الفلسطينية إلى غزة. وانضم إلى الإعلان أعضاء الاتحاد الأوروبي الـ 27 فضلا عن 17 دولة أخرى. والخطة التي أعلنها الرئيس ترامب هذا الأسبوع مماثلة من أوجه كثيرة.
من أجل أن تنجح أي خطة، سوف ينبغي أن تشكل الدول العربية جوهر أي قوات أمنية وإدارة مدنية. ففي حال استيلاء أوروبا والولايات المتحدة على البعثة، سوف يبدو ذلك استيلاء غربيا على غزة. وفي حال انفراد السلطة الفلسطينية بالمسئولية، فسيكون خطر الإخفاق كبيرا.
يجب أن تكون لدى السلطة متعددة الجنسيات أجندة طموحة، يشمل نطاقها استعادة الخدمات الأساسية، وإطعام الشعب، وإعادة إعمار الأحياء وتكوين قوة شرطة. والمهم مثلما رأى خبراء مركز ويلسن في واشنطن أن تنشئ هذه السلطة برنامجا في المدارس والإعلام وغيرهما لـ «إزالة تأثير حماس المستشري في مجتمع غزة». وثمة مهمة أخرى تتمثل في نزع سلاح مقاتلي حماس المستمرين في القتال. ويمكن أن تساعد قطر ـ نظرا لقدم علاقتها بحماس ـ في الضغط على الجماعة، مثلما يمكن أن تفعل الولايات المتحدة ذلك مع إسرائيل.
ثمة سوابق تاريخية تشكلت فيها بعثات دولية على هذه الأسس. فنجحت برامج نزع التطرف في ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية، وعملت قوات شرطة متعددة الجنسيات في البوسنة، وكوسوفو، وهاييتي، وغيرها. وبالطبع تكون لهذه الجهود أخطارها. فالبلاد المشاركة تخاطر بجعل أفراد منها أهدافا لحماس. لكن ما من حلول لغزة خالية من المخاطرات. وفي حال نجاح الجهود، قد يكون هذا أكبر تقدم منذ عقود نحو دولة فلسطينية طالما دعمتها الدول العربية.
المخاطرة الكبرى في أعقاب اقتراح الرئيس ترامب هي أن تزعم إسرائيل وحماس أنهما راغبتان في السلام مع عجزهما عن اتخاذ الخطوات الصعبة اللازمة لتحقيق ذلك. قد ينجح نتنياهو في إبطاء خروج إسرائيل من غزة، وقد تسعى حماس إلى الحفاظ على دور من وراء الستار في إدارة غزة، ويظل كل طرف يلقي اللوم على الطرف الآخر. ووفقا لهذا السيناريو، سوف يكون على القادة العرب والأمريكيين أن يتحلوا بشجاعة أكبر مما أبدوا حتى الآن. سوف يتعين على القادة العرب أن يقولوا لحماس إن أمرها انتهى بوصفها قوة سياسية في غزة ثم تدعم هذا الإعلان بقوات. وسيكون على ترامب أن يطالب نتنياهو بالاختيار بين تحالفه الداخلي مع المتطرفين الإسرائيليين وتحالف إسرائيل الدولي مع الولايات المتحدة.
وبغض النظر، ستبقى مشكلات كثيرة عويصة، ومنها كيفية إيقاف الأزمة المتنامية في الضفة الغربية، وما لو أن القادة الفلسطينيين المستقبليين يقبلون حق إسرائيل في الوجود بوصفها دولة يهودية، وما لو أن قادة إسرائيل الراهنين سيقبلون بحق الفلسطينيين في إقامة دولة.
لكن شعب غزة لا ينبغي أن ينتظر الإجابة على هذه الأسئلة، فلا بد أن يكف عن دفن الأقارب والجيران، ولا بد أن يجد القدر الكافي من الطعام ليبدأ في ترميم حياته. ولا ينبغي أن ينتظر الرهائن الإسرائيليون عودتهم إلى بيوتهم وأسرهم اليائسة. فمن أجل الجميع، ينبغي أن تنتهي هذه الحرب.
