هل من إطار موحد للاعتماد الأكاديمي؟

03 يوليو 2022
03 يوليو 2022

مؤسسات التعليم العالي (الجامعات والكليات) تختلف أنواعها من دولة لأخرى، من حيث معايير الحوكمة ودرجة الاستقلال الإداري في إجراءات اتخاذ القرارات التي تساعدها في تحقيق أهدافها التعليمية والبحثية. وبالنسبة للاعتماد الأكاديمي فهناك من يرى بأهمية اعتماد البرامج الأكاديمية من منظمات أكاديمية خارجية ذات سمة مرموقة، وهذا يتضح والحال بأن مؤسسات التعليم العالي الحكومية والخاصة بدول مجلس التعاون أغلبها تأخذ هذا المسار. وعلى نقيض ذلك، هناك من يرى أن الأهم هو، إيفاء مؤسسات التعليم العالي بتخريج كفاءات علمية ذات مهارات فنية وتقنية يحتاج لها سوق العمل، وبالتالي هذا السعي الحثيث نحو الاعتماد الأكاديمي ليس ضروريا ومن الممكن أن تجد مؤسسة تعليمية ذات جودة عالية في مخرجاتها التعليمية وتكون برامجها الأكاديمية غير معتمدة من منظمات خارجية.

الاعتماد الأكاديمي (Academic Aaccreditation) له نوعان أساسيان - قد تختلف تسميتهما من دولة لأخرى - وهما: الاعتماد المؤسسي الذي يتم فيه اعتماد المؤسسة التعليمية بالكامل وتقوم به عادة هيئة بذات الدولة التي توجد بها المؤسسة التعليمية، واعتماد البرامج والذي يتم فيه اعتماد البرنامج الأكاديمي، على سبيل المثال برامج كليات: الهندسة أو الطب أو التمريض أوالتربية. ولكل من هذه البرامج الأكاديمية منظمات خارجية تقوم بإجراءات الاعتماد بطلب من المؤسسة التعليمية نفسها. وفي كلا النوعين فهو يتم عادة عن طريق مجموعة من الأكاديميين يتم اختيارهم من الجامعات ومن بيئات العمل المختلفة لكي يستطيع هؤلاء الخبراء أو المقيمون من عمل تجانس بين ما هو مقرر بالبيئة الأكاديمية للبرنامج الدراسي وما هو مطلوب لقطاعات وتخصصات العمل المختلفة.

على سبيل المثال أغلب الجامعات الأمريكية ومنها ذات السمة العالية، كجامعة هارفارد وجامعة ستانفورد التي اعتمدت برنامجي الهندسة المدنية والميكانيكية منذ عام 1936، من منظمة تعنى بالبرامج الهندسية وتعرف اختصارا باسم ( ABET ) - منظمة أمريكية غير حكومية - والتي بدأت في اعتماد البرامج الأكاديمية منذ ما يقارب من (90) عاما، حيث وصلت البرامج الهندسية والتكنولوجيا المعتمدة منها ما يقارب من (4,361) برنامجا موزعة على (41) دولة على مستوى العالم. هذه المنظمة توسعت في تقديم خدمات برامج الاعتماد خارج الولايات المتحدة الأمريكية، لتشمل كليات الهندسة بأغلب مؤسسات التعليم العالي بدول مجلس التعاون الخليجي التي حلت ثانيا بعد الولايات المتحدة الأمريكية، من حيث عدد البرامج الهندسية المعتمدة أكاديميا من هذه المنظمة. بالنسبة لسلطنة عمان نجد أن البرامج الهندسية بجامعة السلطان قابوس قد تكون الوحيدة المدرجة برامجها ضمن موقع منظمة (ABET) دون غيرها من الجامعات الوطنية وقد يكون عامل التكاليف المالية ومدى استعداد الجامعات الوطنية التي بها كليات هندسية لمتطلبات الاعتماد من هذه المنظمة، من ضمن الأسباب في عدم طلب مثل هذا النوع من الاعتماد.

المنظمات الخارجية التي تعمل في مجال الاعتماد، تحدد معايير أكاديمية يجب على المؤسسة التعليمية الراغبة في الحصول عليه، الوفاء بتلك المعايير في حال رغبتها في اعتماد برامجها ضمن البرامج الأكاديمية المعتمدة من هذه المنظمات. كما أن الفترة التي يحتاج لها البرنامج الأكاديمي لاجتياز مرحلة الاعتماد عادة لا تقل عن عامين، ولكن هذه الفترة غالبا تطول حسب درجة استجابة المؤسسة التعليمية لمتطلبات الاعتماد والوفاء بالمعايير المحددة. ولعل غالبية الجامعات تلجأ لهذه المنظمات سواء للاعتماد المؤسسي أو البرامجي، منها أن يكون هذا اللجوء هو اعتماد يلزمها به القانون، ومنها يكون اعتمادا تطلبه المؤسسة التعليمية بنفسها بشكل طوعي لإضفاء نوع من التوسع في الاعتراف الدولي للبرنامج الأكاديمي.

غالبا ما يكون الهدف من اعتماد البرامج الأكاديمية الذي تقوم به المنظمات الخارجية هو لخدمة البيئة التعليمية للدولة التي نشأت بها هذه المنظمات، عليه يكون المنهاج الأكاديمي والإدارة وعوامل الحوكمة متسقة مع متطلبات النظام التعليمي بتلك الدولة. وإن كانت الغالبية تجمع بأن اعتماد البرامج فوائده أكاديميا تفوق تأثيراته السلبية، إلا أنه ومن خلال بعض الدراسات والمقابلات التي أجريتها سابقا، فإن بعضا من الذين تم استطلاع آرائهم ذكروا أن بعض منظمات الاعتماد الخارجي تتعمق في فحص وتدقيق مكونات ومحتوى بعض البرامج الدراسية والذي قد يصطدم مع القيم والأعراف الدينية والإسلامية.

وهذا الرأي قد يكون صحيحا، حيث تحجم بعض منظمات الاعتماد المتخصصة في القانون من اعتماد برامج كليات القانون بمؤسسات التعليم العالي بالدول الإسلامية نظرا ليقينها بأن ذلك قد يتصادم مع المبادئ الإسلامية وبين المعايير الأكاديمية التي وضعتها تلك المنظمات، التي يسهل تطبيقها في النطاق الجغرافي في حدود الدولة التي نشأت بها أو المؤسسات التعليمية التي تتشابه معها في القيم الدينية. ومن هذا المنطلق فإن منظمة أو رابطة المحامين الأمريكية والتي تعرف اختصارا باسم (ABA) عادة ما تحجم عن اعتماد كليات القانون خارج الولايات المتحدة الأمريكية.

بالنسبة لمؤسسات التعليم العالي الوطنية فقد سعت الدولة منذ إنشاء مجلس الاعتماد، والذي تطور لاحقا ليعرف بالهيئة العمانية للاعتماد الأكاديمي وضمان جودة التعليم (الهيئة). هذا التسلسل الزمني لتعديل الشكل القانوني للهيئة المسؤولة عن الاعتماد الأكاديمي يعطي دلالات. منها أن تأثير الاعتماد المؤسسي لمؤسسات التعليم العالي مساهمته لم تكن في المستوى المرضي من حيث رفع مستوى جودة مخرجات برامج التعليم العالي الذي يعطيها التنافسية في النفاذ إلى سوق العمل الوطني، الأمر الذي أدى إلى توجه الدولة إلى العمل على إنشاء برامج أو صناديق مالية لتأهيل وتدريب مخرجات التعليم العالي لكي تكون مؤهلة للانخراط في سوق العمل.

والدلالة الثانية أن منظومة الجودة في التعليم الأساسي (قبل الجامعي) لم تكن بالمستوى المرضي أيضا، من حيث تناسبها مع المهارات والمتطلبات التي يحتاج لها الدارس في مؤسسات التعليم العالي من حيث الجوانب التأسيسية في مواد: اللغة الإنجليزية والرياضيات والحاسب الآلي، الأمر الذي حدا بالدولة أيضا، إلى إلزام مؤسسات التعليم العالي بإيجاد برامج تأسيسية للطلبة الجدد ويتحتم عليهم اجتيازها قبل الدخول في البرنامج الأكاديمي التخصصي.

وإن كان هذه النوع من التأهيل هو متطلب عام في أغلب مؤسسات التعليم العالي، إلا أنه وجد أن مرحلة اجتياز البرنامج التأسيسي في الفترة الزمنية المخطط لها وهي عام أكاديمي ما زال أقل من التوقعات، الأمر الذي يؤثر في تأخير الخطة الدراسية لتخرج الطالب، على سبيل المثال في حال قبول عدد (3000) طالب في مؤسسة تعليمية وبعد الخطة الدراسية الزمنية للانتهاء من البرنامج الأكاديمي، يلاحظ أن نسبة الذين يتخرجون خلال الفترة الزمنية المحددة للتخرج، لا تتجاوز (60%) والنسبة المتبقية إما أن يكونوا تأخروا دراسيا بسبب ضعف التأهيل في المرحلة ما قبل الدراسة الجامعية، أو تركوا مقاعد الجامعة لأسباب عدة، منها الأكاديمية والاجتماعية.

في سلطنة عمان بدأ العمل في فترة مبكرة بالاعتماد المؤسسي، دون التطرق إلى اعتماد البرامج الأكاديمية، إلا من خلال التعديل الأخير لاختصاصات الهيئة والتي بدورها أصبحت مختصة بنوعي الاعتماد: المؤسسي والبرامجي. هذا التدرج يأتي من حيث إنه كان يتأمل قيام مؤسسات التعليم العالي الوطنية بالتعاقد مع منظمات خارجية تقوم بعملية اعتماد البرامج الأكاديمية، إلا أن هذا التوجه قادته جامعة السلطان قابوس دون غيرها، والتي سعت منذ أعوام سابقة باعتماد برامجها الأكاديمية على سبيل المثال: الهندسة والطب والتمريض وبعض برامج كلية التربية من منظمات أكاديمية متخصصة. هذه التوجه هدفه الأساسي هو مراجعة وتقييم تلك البرامج لتكون متوائمة مع المعايير الأكاديمية والمتطلبات التي تضعها تلك المنظمات بحيث تكون تلك البرامج متسقة مع النهج السائد على المستوى العالمي وبحيث يسهل عملية انتقال وتبادل الطلاب بين المؤسسات التعليمية على المستوى الإقليمي وحتى الدولي.

إلا أن القائمين على التعليم العالي وجدوا أن التوجه نحو اعتماد البرامج الأكاديمية من منظمات متخصصة خارجية لم يكن هدفا تسعى إليه أغلب مؤسسات التعليم العالي الوطنية لأسباب منها: عدم اليقين بأن مثل هذا التوجه له فوائد إيجابية أكثر من التكاليف المالية المتمثلة في الجهد والوقت والمال الذي يتطلبه اعتماد البرامج الأكاديمية. وأيضا قد يكون السبب الآخر هو أن مؤسسات التعليم العالي تدرك بأن تلك المنظمات قد تطلب إجراء تعديلات على معايير اختيار الطلاب ومتابعة تدرجهم الدراسي حتى مرحلة التخرج، وتعديلات في معايير اختيار أعضاء هيئة التدريس ومدى توافق مؤهلاتها ورواتبها وسلم ترقياتها وأبحاثها الأكاديمية مع معايير الاعتماد.

هذه المعايير قد تصطدم بما هو موجود بالبيئة الأكاديمية والبحثية لأغلب مؤسسات التعليم العالي الوطنية التي تحتاج إلى وقت لكي تكون في مرحلة تستطيع معها الوفاء بتلك المعايير في حال رغبتها في التوجه نحو مسار اعتماد البرامج الأكاديمية من منظمات خارجية ذات سمعة مرموقة أكاديميا.

التوجه الحالي هو قيام الهيئة بكلا المسارين للاعتماد المؤسسي والبرامجي لمؤسسات التعليم العالي الوطنية. أما الاعتماد المؤسسي فقد قطعت فيه مرحلة متقدمة من حيث إن غالبية مؤسسات التعليم العالي الوطنية حصلت عليه محققة متطلبات الاعتماد بدرجات مرضية على أقل تقدير.

أما مسار اعتماد البرامج الأكاديمية من قبل الهيئة لجميع مؤسسات التعليم العالي، فهو يحتاج إلى إطار أكثر وضوحا من حيث التفرقة بين المؤسسات التي اجتازت برامجها الأكاديمية الاعتماد من قبل منظمات خارجية، وبين المؤسسات التي لم تقم بهذه الخطوة مسبقا.

عليه يكون من المجدي العمل على مراجعة منظومة الاعتماد الأكاديمي بشكل عام، بحيث يتم تشكيل فريق عمل أكاديمي من الجهات المختصة، يعمل على بلورة إطار عمل موحد لتحليل العائد على الإنفاق من تعدد جهات الاعتماد الداخلية والخارجية، وعمل آليات تساعد مؤسسات التعليم العالي الوطنية للوصول إلى تبني أفضل الممارسات العالمية فيما يخص الاعتماد الأكاديمي بأنواعه المختلفة، ومدى تأثير ذلك الاعتماد بعد اجتيازه، في تعزيز الجودة الأكاديمية للبرامج ورفع تنافسية مخرجاتها للقبول في سوق العمل، وأيضا تأثير الاعتماد بشقيه المؤسسي والبرامجي في رفع تنافسية مؤسسات التعليم العالي الوطنية في تصنيف الجامعات على المستوى الإقليمي على أقل تقدير.

د. حميد بن محمد البوسعيدي خبير بجامعة السلطان قابوس

تويتر @ humaidBusaidi