هل تكون ولاية سناو مركزا اقتصاديا لشمال الشرقية؟

25 يوليو 2022
25 يوليو 2022

إن تغيير سياسات الحكومة في رفع المستوى الإداري للنيابات إلى "ولاية"، ليست الأولى من نوعها، حيث كانت هناك أمثلة سابقة منها ما حدث من رفع المستوى الإداري لنيابة السنينة -ضمن ولايات محافظة البريمي- إلى ولاية، كما سبقها رفع المستوى الإداري لنيابة محوت والتي تتبع محافظة الوسطى إلى ولاية، حيث كانت ضمن النيابات التابعة لولاية المضيبي. كما أن ولاية المضيبي حتى وقت قريب تعد من أكثر ولايات محافظة شمال الشرقية الست تعدادا للسكان، طبقا للتعداد العام للسكان والمساكن والمنشآت لعام 2020م حيث يصل تعداد سكانها إلى (114,806) نسمة، وأيضا قد تعد من أكثر الولايات احتضانا للنيابات: سمد الشأن، سناو ومحوت قبل رفعهما لمستوى ولاية. كما أن هذا الرفع للمستوى الإداري يعطي دلالات بعيدة النظر لمتخذي القرار في الحكومة نحو تطبيق مبدأ اللامركزية لتشمل نطاق المحافظات في اتخاذ القرارات التي تمس الحياة العامة للمواطنين وأيضا لعل هذا الرفع يسهم بلا شك في تجويد العمل وزيادة مساهمة القطاع الخاص في الاستثمار المحلي المباشرة بتلك الولايات. وبشكل عام تعد مبادرة اللامركزية التي تنتهجها حاليا أغلب الوحدات الحكومية الخدمية وإصدار نظام المحافظات ضمن برامج رؤية عمان 2040م.

عليه تأتي الأوامر السامية برفع المستوى الإداري لنيابة سناو (إحدى نيابات ولاية المضيبي سابقا) إلى "ولاية" لتنفيذ مطلب ناشد به الأهالي والمشايخ قد يعود لبدايات النهضة المباركة، حيث إن سناو تعد الأكثر سكانا إذ يصل تعداد سكانها إلى أكثر من 19 ألف نسمة. أيضا فإن رفع المستوى الإداري يكون متفقا مع نهج الحكومة الرشيقة التي تتعامل مع المتغيّرات التي تحتاج إلى متطلبات لتسريع التنمية الشاملة بالمحافظات بأسلوب يدرس تلك المتطلبات التي تساعد في تفعيل وتيرة العمل الحكومي والذي في بعض الأحيان ما يوسم بالتعقيد والتطويل في الإجراءات. هذا الرفع للمستوى الإداري لعل سببه هو تغليب الجانب الاقتصادي الذي قد تنفرد به ولاية سناو، والقرار الآخر لرفع المستوى الإداري في السياق نفسه لنيابة الجبل الأخضر إلى "ولاية" قد يكون سببه تسريع تطوير الجانب السياحي الذي تتميز به ولاية الجبل الأخضر.

ولا ريب أن سناو ظلت ردحا من الزمن تعقد آمالا وطموحات لرفع مستواها الإداري إلى ولاية، لأنها تملك ميزات تنافسية تؤهلها لتكون مثل قريناتها الولايات المجاورة لها. هذه الميزات تكمن في موقعها الجغرافي الوسيط بين محافظات الداخلية والوسطى وشمال الشرقية والذي جعلها محركا وعاملا محفزا لها في تلقي المشاريع والاستثمارات الحكومية وأيضا استثمارات القطاع الخاص. فهذه الميزات التنافسية التي تنفرد بها بعض الولايات ومنها ولاية سناو أشار إليها جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- في لقاءاته مع مشايخ وأعيان محافظات البلاد في الفترة الماضية. عليه فإن خروج الولاية فرحا واستبشارا بهذا الحدث هو بمثابة استحقاق يدعو للاحتفال به.

أيضا اللامركزية التي أعطيت للمحافظات ومنها للولايات تكسب أهمية في رفع مستوى الإنجاز للمشاريع الحكومية، وتعطي المواطن الراحة والاطمئنان عندما تكون الخدمات الحكومية التي يحتاج إليها قريبة من مقر إقامته ولا يتكلف مشقة للذهاب إلى مركز المحافظة للحصول عليها. هذه الأهمية تكمن أيضا في أن نظام المحافظات الجديد أعطى صلاحيات إضافية لوظيفة "الوالي" تتمثل في الإشراف على أداء فروع الوحدات الحكومية ومنها البلدية، من حيث منحه صلاحية رفع تقارير دورية للمحافظ، بعض من تلك الصلاحيات يتعلق بقياس سرعة التنفيذ للمشاريع وجودة الخدمات المقدمة للمواطنين. أيضا فإن وظيفة الوالي أصبحت ليست محصورة في متابعة وحفظ النظام العام بالولاية والعمل على حلحلة ما يتصل بشؤون القبائل، بل عززت بصلاحيات متابعة ورقابة الأداء أكثر من أي وقت مضى. عليه فإن الوالي أصبح يخضع تحت الإشراف المباشر للمحافظ حيث يقوم الأخير، بمتابعة وتقييم ما يقوم به الوالي من اختصاصات ومتابعة عمله اليومي ورفع تقارير دورية عن ذلك إلى وزير الداخلية عملا بالمادة (11) من نظام المحافظات. هذا التوسع في نطاق صلاحيات المحافظ والوالي ومتابعة مستوى الأداء لا شك أنه سوف ينعكس إيجابا على سرعة التقدم في تجويد العمل المقدم للمواطنين. ولعل هناك مثالا يدخل في هذا الجانب وهو معرفة التحديات التي تعيق إتمام العمل في الطريق الذي يربط المنطقة الصناعية بولاية المضيبي بالمنطقة الصناعية بولاية سناو (كلتا المنطقتين ورش ومحلات تجارية ومعارض)، هذا الطريق وبالرغم من أن طوله لا يتجاوز (12) كم، إلا أن العمل به بدأ منذ فترة طويلة قد تزيد على 5 سنوات ومتبقٍ منه وصلات صغيرة لم يتم استكمال رصفها بعد. هذا الطريق بعد الانتهاء منه، فإنه يسهم في اختصار المسافة والوقت بين الولايتين -المضيبي وسناو- هذا بجانب مساهمته الفاعلة في تنشيط الحركة الاقتصادية والتنقل بسهولة ويسر ويعمل على رفع القوة الشرائية لرواد الأعمال وأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة وأيضا بجانب ذلك فهو قد يقلل نسبة حوادث السير -لا سمح الله- الناتجة عن استخدام الطريق الدائري الحالي الذي يربط ولايتي المضيبي وسناو.

ولعل كما سبق ذكره، أن ميزة موقع سناو الجغرافي بين ولاية المضيبي وولاية محوت يجعل أسواقها الشعبية التقليدية أكثر رواجا وانتعاشا ليس لفترة موسمية وإنما طوال العام. وليس غريبا وأنت تتجوّل في أسواقها تجد أفواجا من السياح من جنسيات مختلفة وهم يجوبون الولاية وذلك لأنها بالنسبة لهم مركز تجاري متكامل للتسوق سواء للذهاب إلى ولايات محافظة الوسطى أو الولايات المجاورة لها. كما أنه بتجوال الزائر أو السائح في سوق سناو يجد احتضان أهالي الولاية العمل بالصناعات الحرفية كصناعة الذهب والفضة وصناعة الخناجر، حيث إن ذلك السوق وتوسطه بمركز الولاية أصبح مقصدا لكل تاجر "متجول" يرغب في بيع بضاعته في السوق أو الأماكن المخصصة لذلك. عليه فيكون العامل الاقتصادي الذي يتسم بالنمو لولاية سناو هو محط جذب لمشاريع رواد الأعمال وأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. ميزة تنافسية أخرى قد تفتح الباب اقتصاديا لولاية سناو، حيث إن تحديد التوزيع الجغرافي للقرى التابعة لها يجعل لها حظا أوفر في تبعية المدينة الصناعية الجديدة التي أعلِن عن إنشائها عام 2021م، والمزمع إقامتها على مساحة إجمالية تصل إلى 15 مليون متر مربع. هذه المدينة الصناعية وموقعها المساحي الذي يقع باتجاه ولاية محوت تُكسب ولاية سناو بُعدا اقتصاديا بقربها من تلك المدينة وبالتالي دخول استثمارات وصناعات جديدة.

خبير بجامعة السلطان قابوس